عدالة القضية لا تكفي لانتصارها ، ولم تكن في يوم من الأيام وحدها الضامن لهذا الانتصار . لا بد من حشد طاقات الشعب ، وتوحيد حركته باتجاه الهدف . والتاريخ الاستقلالي لحركات التحرر الوطني عبر قرن مضى تبرهن على هذه الحقيقة باستمرار . والصفحة الفلسطينية من هذا التاريخ أبرز الصفحات وأصعبها وأكثرها عدالة . يشهد على ذلك أكثر من قرن من النضال المتنوع الأشكال ، رسم الدم الفلسسطيني أكثر من نصف مساحته ، من خلال العمل الفدائي والثورة المسلحة . وخاضه شعب لا ينضب نبع إبداعاته الكفاحية ، جيلاً وراء جيل ، حتى صار أمثولة العصر بنضاله الدؤوب من أجل العودة والتحرير وتحقيق دولته الوطنية المستقلة .
بقيت القضية الفلسطينية تتأرجح بين أيدي الزعامات العربية ، عرضة للاستغلال والمزايدات والرهانات ردحاً طويلاً من الزمن ، واستقرت في ادراج الأمم المتحدة وعلى جداول الإغاثة فيها عقوداً بحالها ، حتى أخرجتها منظمة التحرير الفلسطينية من أيدي الحكام العرب ومن جداول الإغاثة الإنسانية في الوقت نفسه ، لتضعها في موقعها الصحيح بأيدي شعبها ، كحركة مستقلة باتجاه تحرير الأرض والإنسان واستعادة الحق بوطن ودولة .
وعندما وصل ياسر عرفات إلى الأمم المتحدة حاملاً " البندقية وغصن الزيتون " معاً ، كان الشعب الفلسطيني قد قطع شوطاً كبيراً في تأطير قواه وتنظيم حركته الموحدة استعداداً لاستحقاق النصر . ونجحت المنظمة في توحيد الشعب الفلسطيني وراء برنامج وطني جامع وموحد ، وانتزعت حصرية تمثيله باعتراف الجامعة العربية ودولها بشرعية هذا التمثيل ووحدانيته ، وبعدها صارت مستحقة لملء مقعد فلسطين في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ، بما يثبت للمرة الألف أن الوحدة الوطنية مركب النجاة الوحيد وخشبة الخلاص التي لا منجاة ولا انتصار بدونها .
يبدو هذا الكلام نافلاً لبدهيته ووضوحه . غير أن مرارة المرحلة التي تمر بها القضية وخطورة إخراجها عن مسارها الصحيح ، تستدعي تكرار البديهيات والمسلمات . وكذلك فإن حجم الاختراقات التي تتعرض لها تستوجب الإشارة دوماً إلى الطريق الصحيح ومعالمه الواضحة .
لا بد من وقف هذه الاختراقات العربية وغير العربية ، التي تحول الشعب الفلسطيني وقضيته إلى مطية لتحقيق أجندات خاصة آخر همها القضية الفلسطينية والمصلحة العربية . وتحول القوى والمنظمات الوطنية إلى أحصنة رهان في الشؤون الإقليمية والدولية ، موقعة الشقاق بينها والتنابذ والاستعداء في صفوفها . وما حصل خلال العامين الماضيين من نزاع واحتراب وانقلاب واعتقالات متبادلة ومشاريع مصالحة مخفقة ، أغرى العدو الصهيوني بالحرب على غزة لإخراج القضية كلياً من سياقها والتملص من الالتزامات والتعهدات الدولية تجاه الشعب الفلسطيني .
عندما يتمركز الحديث ويصخب – فلسطينياً وعربياً ودولياً – عن إعمار غزة وهدم حي سلوان والمعتقلين في الضفة والقطاع ، ترجع فلسطين والمشروع الوطني إلى الصفوف الخلفية . وعندما تنهك المنظمة بالوهن والإضعاف والفساد ، وتنتهك بالمشاريع والمرجعيات البديلة ، يصبح الوضع خطيراً ومنذراً بأوضاع أخطر . وهنا ألا تثير المغامرة بل المقامرة بأهم إنجاز للشعب الفلسطيني على مدى تاريخه النضالي الطويل استغراب المخلصين للقضية والشعب ؟ !
لا بد من إعادة فلسطين القضية إلى الواجهة . ولا يتم ذلك إلا باستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية والالتفاف العربي حولها . وهذا ما يؤهلها لاستعادة موقعها على جدول الأعمال الدولي في المنطقة . خاصة بعد أن استقر في الرؤية السياسية أن لا استقرار ولا سلام ولا تنمية في المنطقة ما لم تتم تسوية القضية الفلسطينية تسوية عادلة وشاملة ، تضع فلسطين الوطن والدولة على خريطتها .
نتطلع بكبير أمل إلى القاهرة والحوار الجاري فيها بين أصحاب القضية لتحقيق المطلوب وإعادة الوضع إلى نصابه .
15 / 3 / 2009