بعد أسابيع من الجدال سراً وعلناً اجتمع الأوروبيون في 15 تشرين الأول ليقرروا دعم مصارفهم بـ1,5 تريليون دولار، وربما كانت تلك الخطوة هي بداية الخروج من المأزق. وبعد ذلك رأينا الأحوال تنصلح بعض الشيء، سواء في البنوك أو في الأسواق المالية، فهل يكون هذا التحسن بداية الخروج من الأزمة، أم أنه إفاقة سريعة تعقبها غيبوبة عندما تنفد أموال الدعم أو تذيبها الأسواق؟! وأياً يكن الأمر؛ فإن هذا الواقعة أطلعت المراقبين على كيفية عمل الاتحاد، وكيفية التعامل بين عضوين من أهم أعضائه!
كل القادة الأوروبيين قالوا ما معناه إن تلك هي «لحظة أوروبا». وقد رأى ساركوزي ومركل على حد سواء أن الأزمة تعني أن سياسات أوروبا الاجتماعية أفضل، وأنها بمنأى من أن تنهار أو يتضاءل إنتاجها. بيد أن كلاً من الفرنسي والألماني ما كانا متأكدين من كيفية التعامل مع هذه «الفرصة»، كما قالوا. وبذلك فالذي تبين في الواقع أن أوروبا مشغولة بسياساتها الصغيرة والمحلية وانقساماتها، ولا تتطلع للكثير أو القليل لتحقّقه. ولا يكاد يمر يوم حتى الآن إلا ونجد ساركوزي يعلن عن خطة جديدة، ثم لا يمضي وقت طويل حتى ترفضها برلين. والواقع أن الخلاف بين الطرفية ليس على المضمون وحسب، بل بالدرجة الأولى على الأسلوب. يريد ساركوزي أن يؤمم جزئياً بنوكاً وشركات، كما يريد أن يعين «حكومة اقتصادية» تتخذ القرارات في منطقة التعامل بالأورو وهي 15 دولة. وما وافق الألمان على ذلك، وقال وزير الاقتصاد ميخائيل غلوش ـ ربما بتشجيع وطلب من ميركل ـ إنهم يجدون أنفسهم ضد اقتراحات ساركوزي، لأنها تخالف كل مبدأ اقتصادي عاقل. وهذا كلام قيل في العلن، وكان من قبل يُقال سراً.
وإنه من الصعب الآن إدراك عمق الهوة التي فغرت فاها بين الطرفين الفرنسي والألماني. وتقع في أهل الخلاف سياسات فرنسا الصناعية. فقد نجحت في الاستيلاء على شركات ومشروعات عدة من المفروض أن للألمان نصيباً فاعلاً فيها. ثم إن فرنسا تقوم بعزل الشركات الألمانية واحدة بعد الأخرى من السوق الفرنسية. وفي حين يعتبر الألمان أن الأفكار الفرنسية لحل الأزمة، تخرج على القواعد التي تحكم العلاقات بين أطراف الاتحاد؛ فإن الفرنسيين يشكون من أن ألمانيا تراقب الأزمة بهدوء بدلاً من أن تفعل شيئاً. والواقع أن الشكوك الألمانية بشأن التصرفات الفرنسية، يشارك الألمان فيها معظم الأوروبيين. ولذا فما قام أحد من الأوروبيين بالإعلان عن تأييد مبادرات ساركوزي، والتي منها جمع الأسهم الاستراتيجية في الصناعة. وتقول آن متللر، وهي محللة مالية أولى في مجلس البحوث، انه يجب أن توافق ألمانيا على ذلك، لأن اقتصادها هو أكبر اقتصاد أوروبي. وإن انتقاد ألمانيا لإجراءات وسياسات الحماية، إنما تصب في هذا الاتجاه. ذلك أن العودة الى سياسات فرنسا الحمائية كفيلة بأن تضرب قدرات أوروبا التنافسية ونموها. وتقدّر متللر أن الاقتصاد الأوروبي سوف يصغر حجمه 1% في العام المقبل، فلا يمكن السير في الحمائيات حتى لا يُضرب حجم الاقتصاد ونموه. ولهذا السبب فإن مركل تدعو للبدء بمحادثات تجارية.
إن هذا الجمود بين فرنسا وألمانيا، هو الذي يدفع أُناساً آخرين لتقديم أفكار جديدة، وبينهم رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون. والحق أن المبادرات البريطانية جديدة تماماً، وتختلف عن سياساتها السابقة بعدم التدخل القوي في العمل الاتحادي الأوروبي. والواقع أن مبادرات الدول الأوروبية لدعم مصارفها، هي في الأصل فكرة وإجراء بريطاني. وقد نجم عن اجتماع بين براون وساركوزي أصدار نداء للصين ودول الخليج لدعم صندوق النقد الدولي. وهكذا ففي حين ما تحركت البيروقراطية الاتحادية بالشكل المطلوب؛ فإن الاتصالات المباشرة بين القادة هي التي تُثمر الآن. وينبغي بأي ثمن عدم العودة للتدخل من جانب الدولة في السوق، والتي سبق أن عطّلت الاقتصاد من الداخل. وفي ضوء هذه التطورات، فقد لا يكون من المستحسن وقد انهار التحالف الفرنسي/ الألماني، أن يعود.
(«نيوزويك» 5 /1 1 /2008)