تساءل المعلق بوبي غوش بمقال نشره موقع “بلومبيرغ” عن السبب الذي يدفع أكراد العراق للفرار من منطقة مستقرة.
وقال إن الوضع على الحدود البولندية – البيلاروسية رهيب، لكن لم يمنع هذا المهاجرين من نقطة مستقرة في الشرق الأوسط البحث عن تجريب حظهم.
وبالنسبة للكثير من الأمريكيين والأوروبيين، فإن الأخبار عن انضمام آلاف الأكراد العراقيين لحشود المهاجرين على الحدود البولندية مع بيلاروسيا قد تكون مفاجئة. وبعد كل هذا فمنطقة الأكراد في العراق هي جزء من ذلك البلد المنكوب الذي نجا بدعم جوهري من الغرب من المأساة الأوسع التي تدور فيها منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
وأن يبحث عدد متزايد من أكراد العراق عن فرصة للهروب من المنطقة يعطي صورة عن تبخر الآمال بالفرص الاقتصادية والسياسية في مرحلة ما بعد صدام حسين. وكانت الأمور تسير في اتجاه آخر، ففي الوقت الذي انزلق فيه جنوب ووسط العراق في حرب طائفية دموية، شهدت منطقة الحكم الذاتي، حكومة إقليم كردستان ازدهارا اقتصاديا.
ونظرا للنفط والنظام السياسي المعروف الخالي من العنف فقد تدفق المستثمرون من كل أنحاء العالم لها. وظهرت الفنادق ومراكز التسوق والعمارات السكنية في فترة زمنية قصيرة، بشكل قورنت فيه المدن الكردية بدبي. وبدا الفرق بين كردستان العراق وبقية البلاد عام 2014 عندما انهارت وحدات الجيش العراقي أمام مقاتلي تنظيم “الدولة”.
ومقارنة مع هذا فقد دعمت القوات الأمريكية وحدات البيشمركة لرد مقاتلي التنظيم عن مدينة أربيل، عاصمة الإقليم. وحافظت المنطقة على استقرارها وأمنها وظل سكانها بعيدين عن المآسي التي أصابت بقية العراق والجارة سوريا التي دمرتها الحرب الأهلية وإيران التي وقعت تحت طائلة عقوبات قاتلة. وأصبحت هذه الدول مصدرا للهاربين. وفي الحقيقة تحولت كردستان إلى مضيف للهاربين من الدول القريبة منها. وعلى السطح، لم يتغير الكثير، فقد ظلت كردستان العراق آمنة مقارنة مع الجيران. ولم يكن الوضع الاقتصادي من أربيل قاتما كذلك في بغداد وأقل قتامة من طهران ودمشق.
وفي الوقت الذي يتبادل فيه المهاجرون في طريقهم إلى أوروبا قصص الرعب التي عانوها في بلادهم، فمن غير المحتمل أن يجد الأكراد آذانا صاغية وتعاطفا من زملائهم. وإن لم يكن هؤلاء قد فروا من حكم طالبان أو حكم بشار الأسد الإبادي، فإنهم يفرون من منطقة صارت مصدر إحباط لهم بسبب فشل قادتها بتحقيق وعد ما بعد 2003. فلم يتعاف الاقتصاد الذي يعتمد على النفط من انهيار أسعاره في عام 2014، ومن السابق لأوانه الحديث عن استعادة الاقتصاد عافيته بعد الانتعاش الأخير في أسعار النفط. وأجبرت البطالة عددا من الأكراد الرحيل عن المدن والعمل في الزراعة.
أما المنافع الديمقراطية فهي تافهة ولا تذكر. وفي غياب الإصلاح السياسي هيمنت عشيرتان على الحياة السياسية. وأصبحت حكومة أربيل أكثر ميلا نحو الديكتاتورية وسجنت المعارضين وكممت أفواه الصحافيين. ولم تؤثر تظاهرات العام الماضي على الفساد المستشري.
واستشعر ديكتاتور بيلاروسيا ألكسندر لوكاشنيكو الظروف في كردستان العراق وحول سكانها إلى صيد سهل في خطته لإغراء المهاجرين إلى بلده ثم إطلاقهم نحو أوروبا الغربية. وخفف من شروط منح التأشيرات وزاد من الرحلات إلى العاصمة مينسك حيث قامت قوات أمنه بدفع القادمين الجدد نحو الحدود. ولم تحاول حكومة بغداد أو أربيل وقف عمليات الخروج. ولكن الحكومة العراقية أعلنت متأخرة عن جهود لإعادة المهاجرين العراقيين. إلا أن التقارير القادمة من الحدود البولندية- بيلاروسيا تشير إلى أنهم يفضلون تحمل الشتاء القارس هناك على العودة إلى بلادهم. ولو كان يأسهم نابعا من الآمال المحطمة وليس من المخاطر الأبدية التي يعاني منها المهاجرون الآخرون، فهذا ليس أقل واقعية من هذا.
“القدس العربي”