أشارت صحيفة “الغارديان” في تقرير لمراسلها في الشرق الأوسط مارتن شولوف إلى المواجهات الدامية التي شهدتها المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد، وقال فيه إن هناك مخاوف من اندلاع مواجهات شيعية وامتحان ولاء القوات العراقية.
فبعد أشهر من التوترات السياسية التي أوقفت كل محاولات تشكيل حكومة في العراق، تحول المشهد لدام وقتل فيه على الأقل 23 شخصا من أتباع رجل الدين مقتدى الصدر وجرح 380 آخرون (حتى هذا الوقت).
وجاءت المواجهات بعد إعلان مقتدى الصدر عن اعتزاله الحياة السياسية وقرار سابق من مرشده الروحي الاعتزال ومحاولته إقناع الصدر إعلان ولائه لإيران. واخترق أنصار الصدر الذين أقاموا مخيم اعتصامهم بالمنطقة الخضراء على مدخل القصر الجمهوري حيث تعقد الحكومة لقاءاتها في العادة. وأشار الكاتب إلى انتشار أنصار الصدر في كل أنحاء بغداد حيث قاموا بتمزيق ملصقات قادة شيعة تدعمهم إيران وكذا صور الجنرال قاسم سليماني، الذي قتل في غارة أمريكية عام 2020.
وألقت الأحداث بظلالها على المشهد السياسي العراقي الذي يعاني من انسداد منذ انتخابات العام الماضي البرلمانية. وحاولت أحزاب العراق الموالية لإيران منع الصدر وأنصاره من تشكيل الحكومة بعد فوزهم في الانتخابات. وقالت الصحيفة إن استقالة آية الله كاظم الحائري، أضافت دينامية للمأزق وقادت المراقبين للقول إن مصير العراق لن يقرر في العاصمة ولكن في النجف أو قم بإيران. وبات منظور انجرار الميليشيات القوية للمواجهة محتملا مع حلول الليل، مع مواجهات متفرقة قرب البرلمان وبين الميليشيات المدعومة من إيران وأنصار الصدر الذي يتبعه حوالي 7 ملايين من الشيعة في العراق. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش يوم الإثنين إلى ضبط النفس ودعا كل الأطراف لاتخاذ الخطوات المباشرة وخفض التوتر.
وفي داخل القصر الجمهوري تمدد المحتجون على الكراسي الوثيرة في قاعة الاجتماعات ورفع بعضهم العلم العراقي وأخذوا سيلفي فيما نزل آخرون إلى حمام السباحة في الحديقة. واندلعت الاحتجاجات في البصرة بجنوب العراق وميسان، وفرض رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي حظر التجول من الساعة السابعة والنصف باستثناء مناطق الأكراد في الشمال. وبدأ احتجاج أنصار الصدر في تموز/يوليو عندما احتلوا البرلمان لمنع ترشيح رئيس للوزراء ودعوا لتغيير النظام الانتخابي وحله وانتخابات جديدة. وكان الصدر أكبر منتفع من النظام السياسي الذي جسده الأمريكيون في مرحلة ما بعد عام 2003، واستخدمه لتعزيز سلطته على أتباعه والتأثير على النظام السياسي.
وحول شعبيته إلى نجاح انتخابي، حيث فاز بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي ثم أمر أتباعه بالاستقالة بعد محاولات عدة لتشكيل الحكومة. ورغم صداقته اسميا مع إيران خلال العقدين الماضيين (التي أعقبت الإطاحة بصدام حسين)، إلا أن الصدر عارض التأثير الإيراني في البلاد. وظل الصدر يتبع الحائري في الأمور الدينية وحتى السياسية. ويبدو أن الحائري تحدى حق الصدر بأن يكون وريثا لوالده محمد صادق الصدر، وهو ما يعد ضربة لشرعية رجل الدين البالغ من العمر 46 عاما. وفي البيان الذي أصدره الحائري، 83 عاما، جاء “لا يمكنك أن تقود باسمهم، وفي الحقيقة فأنت لست صدريا حتى لو حملت اسم عائلة الصدريين”.
ويرى أنصار الصدر أن الحائري أجبر على إصدار هذا البيان الذي أدى لهزات بين الشيعة في العراق والمنطقة، حيث كان البعض يجهز نفسه لمواجهة بين الصدر ومنافسيه. وقال السفير البريطاني السابق في بغداد سير جون جينكنز “هذا أساس يعتبر صك حرمان، فمقتدى الصدر ليس الوريث الشرعي لوالده أو حتى صهره”. وأضاف السفير السابق “هذا من شخص كان يعتبر نفسه مقربا جدا من والده. وأفترض أن إيران مارست ضغطا كبيرا عليه. وهذا يعني أنهم قلقون هذه المرة، والسؤال: هل سيستمع الصدريون؟”.
قال المسؤول السابق انتفاض قنبر إن استقالة الحائري وتحديه تعتبر نقطة محورية في عراق ما بعد صدام و”قبل وفاة والد الصدر أخبر الصدريين أن عليهم اتباع الحائري كزعيمهم الديني الأول. وما حدث اليوم هو انقلاب لحرمانه ومقتدى الصدر من قيادة الحركة الصدرية وهذا أمر كبير”. ولهذا يخشى المراقبون من اشتباكات طويلة قد تمتحن ولاء الجيش العراقي الذي يحتوي على أعداد كبيرة من أنصار الصدر. وقال حسام البدر، الموالي للصدر ومن شرق بغداد “سيتبع إخواننا في الجيش الأوامر لو طلب منهم السيد” أي الصدر. و”في الوقت الحالي ننتظر كلنا الأوامر”.
“القدس العربي”