تصاعد الحديث مؤخراً عن انكشاف الوضع الاقتصادي السوري وتداعيات الأزمة العالمية عليه . وبدأت تعلو أصوات رسمية ( سياسية واقتصادية ) في تقييم الوضع الاقتصادي وحالته المستقبلية ، لتقول المسكوت عنه طويلاً ، وتظهر ما آثرت أن تبقيه طي الكتمان ، وتعلن عن نيتها الدخول في خطط وإجراءات طالما كانت مؤجلة أو مستبعدة . ويبدو أن الفريق الاقتصادي المعني بذلك في السلطة قد أطلق العنان للجهات الحكومية المسؤولة ، وخولها مهمة الكشف عن بعض الوقائع ، وطرح بعض النوايا .
وكائناً ما كانت الأهداف الحقيقية الكامنة وراء هذا التوجه الجديد ، والرسائل الداخلية والخارجية التي يراد إيصالها إلى المعنيين بالأمر ، والضرورة التي تستوجب إطلاق بالونات اختبار لمدى تقبل السوريين لإجراءات كهذه وتحمل تبعاتها ، تمثل جراحات مفاجئة وموجعة في الجسم الاقتصادي للدولة ، وتلقي أعباء إضافية على أوضاع السوريين المنهكين أصلاً بالفقر والاستبداد . نقول بغض النظر عن كل ذلك ، فإن توجه الجهود الرسمية للقاعدة السياسية للسلطة في الحزب الحاكم والجبهة الوطنية التقدمية يلفت النظر إلى خطورة ما يجري وراهنيته ، التي تتطلب غطاء سياسياً وبروباغندا واسعة لا بد من مشاركة الجميع فيها .
في هذا السياق جاء حديث السيد رئيس مجلس الوزراء أمام ملتقى الحوار الفكري الذي نظمه فرع دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي مساء الثلاثاء 23 / 6 / 2009 . وبعد أن استعرض رئيس الحكومة عضلات حكومته وإنجازاتها الورقية في الخطة الخمسية العاشرة التس شارفت على الانتهاء ، وأتحف الحاضرين – والقراء فيما بعد – بالأرقام الواعدة في الخطط المنصرمة وتلك التي يعد لها ، وطيب كثيراً لنفسه ولحكومته جراء مسيرتهما الحافلة بالعطاءات ، قدم توصيفاً جديداً للوضع الاقتصادي الحالي ، فأسماه " الاقتصاد الوطني السوري " ، بديلاً لـ " اقتصاد السوق الاجتماعي " أو تفسيراً له . لأن هذا التعريف الأخير أثار الكثير من الشكوك في أوساط معينة ، والابتسامات في أوساط أخرى لضخامة الحمولة التلفيقية التي ينطوي عليها . وهكذا تنقضي الأشهر والسنوات الطويلة في إبداع تعريفات وتقديم تبريرات وتفسيرات ، بينما الواقع المر يضرب الاقتصاد السوري فيحيله حطاماً ، والأحوال المعيشية للشعب ، لتصل إلى حد لا يطاق .
وفي حديثه عن قطاع الدولة الصناعي ومنشآته المختلفة ، أعلن السيد العطري عن عملية سبر قسمت هذا القطاع إلى ثلاث فئات : فئة متوازنة ، وأخرى تحتاج إلى دعم لاستعادة توازنها ، وثالثة أسماها فئة " حسبنا الله ونعم الوكيل " ، مشيراً إلى 14 منشأة صناعية اتخذت القرارات بتصفيتها . لأنها حطام ، يشكل عبئاً ثقيلاً على الموازنة العامة للدولة وعلى دافعي الضرائب في الوقت نفسه . وكي لا يدع الوزير الأول أي مجال للشك في نوايا الحكومة تجاه " القطاع العام " في المجالين الاقتصادي والإداري ، فقد سارع إلى الإشارة " أن القطاع العام ومنشآته ركيزة من زكائز الاقتصاد الوطني ، نحافظ عليه بأعيننا " .
لن نتساءل مع كثيرين عن الحال التي آل إليها الاقتصاد السوري وخاصة قطاع الدولة الاقتصادي بعد أكثر من أربعة عقود من التسلط والنهب والفساد .
ولن نسأل : كيف صار جزء من القطاع العام الصناعي منشآت " حسبنا الله ونعم الوكيل " ، طالما كان وبقية زملائه في السلطة يحافظون على هذا القطاع بأعينهم ؟ !
لأن الجواب حاضر في ثقافتنا الشعبية " لو الكروم بتسلم من النواطير ، كانت بتحمل قناطير " .
غير أننا – والحق يقال – لمسنا قلقاً بالغاً عند الحكومة على أوضاع البلاد ، عبر عنه رئيسها في حواره المذكور أمام كوادر حزبه . قلق من تراجع الموارد العامة ، قلق من تدهور القطاعين الصناعي والزراعي ، قلق من ضعف حركة الاستثمار ، قلق من الزيادة السكانية الهائلة ، قلق من الحاجة الكبيرة للطاقة ، قلق من الفقر المائي الذي يلف البلاد ، قلق من هزال الرواتب والأجور ، قلق . . قلق . . قلق . . إلى آخر القائمة المقلقة في الحياة العامة السورية .
فهنيئاً للسوريين بسلطة تضن عليهم حتى بالقلق . وكما تقوم بكل شيء باسمهم وبمعزل عن إرادتهم ومصالحهم ، فهي تقوم بالقلق نيابة عنهم ، وتشبعهم قلقاً . وهي لا تفعل غير ذلك .
لكن السوريين لن يأكلوا ويشربوا، ويعلموا أولادهم ، ويواجهوا استحقاقات مستقبلهم من فضلة قلق الحكومة .
بالتأكيد هناك طريق آخر .
5 / 7 / 2009
هيئة التحرير