يُعد الأردن العدة لوضع المبادرة الجديدة للحل في سوريا على أجندة القمة العربية التي ستُعقد في الجزائر بداية تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، مدفوعاً كما يبدو بمخاوفه الأمنية الناجمة عن استمرار محاولات تهريب المخدرات والأسلحة، إلى أراضيه انطلاقاً من الجنوب السوري، في الوقت الذي تثار فيه تساؤلات حول واقعيتها وفرص نجاحها. ويضع مراقبون الأردن في قائمة الدول الأكثر تضرراً من استمرار الأزمة السورية وغياب الحلول لها، ويعول على جملة عوامل من شأنها تحريك الملف السوري، لعل من أهمها مراجعة بعض الدول مواقفها من الملف السوري، مثل تركيا.
وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد أعلن قبل أيام، أن بلاده تحشد «لدعم إقليمي ودولي لعملية سياسية يقودها العرب» في سبيل إنهاء الحرب المستمرة من 11 عاماً. وبعدها قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، إن المملكة تواصل الدفع في اتجاه حل سياسي للأزمة السورية، مضيفاً أن الأردن يريد حلاً يحفظ وحدة سوريا أرضاً وشعباً ويضمن العودة الطوعية والآمنة للاجئين.
وتعليقاً، يقول الباحث في مركز «الحوار السوري» الدكتور أحمد قربي، إنه لا جديد في هذه المبادرة، ولا تختلف عن تلك المبادرة التي طرحت في صيف العام 2021، والتي تقوم على مقاربة «خطوة مقابل خطوة»، أي تقديم تنازلات للنظام مقابل تجاوب الأخير مع الحل السياسي، وخاصة في ملف المعتقلين. ويضيف قربي لـ«القدس العربي» أن المبادرة لا زالت في طور الأفكار، ومن الواضح أن جوهرها يقوم على تقديم تنازلات للأسد مقابل بعض المطالب.
ويستدرك بقوله «في اعتقادي ما تغير منذ صيف العام 2021، السياق الدولي، بمعنى انشغال روسيا بالغزو لأوكرانيا، وتركيز الدول الغربية على ما يجري هناك، ومن هنا يعتقد الأردن أن ما سبق يعطي هامشاً للدول العربية لتقديم مبادرات، وهو ما تمثل بالإعلان مجدداً عن المبادرة».
لا يعتقد القربي اذن بوجود متغيرات من شأنها إنجاح هذه المبادرة، لأن النظام سيتعامل معها لإثبات فكرة انتصاره، وهو ما يضفي الكثير من التشاؤم حول فرص نجاحها دون تقديم تنازلات وازنة لسلطات دمشق. ومن المؤشرات التي قد تدل على تعاطي النظام الإيجابي مع المساعي الأردنية حال تماهت مع مصالح دمشق الاقتصادية، تنظيم غرفة تجارة الأردن بالتعاون مع اتحاد غرف التجارة السوري ووزراء من حكومة النظام، فعاليات المنتدى الاقتصادي الأردني السوري في دمشق الأسبوع المقبل.
ويقول الباحث الأردني الدكتور كمال الزغول، إن طرح المبادرة الاردنية ضروري جداً في القمة العربية لأن القمة تركز على خيارات السلام في المنطقة بما فيها السلام المتعلق بالقضية الفلسطينية والعراق وسوريا وليبيا واليمن. ويضيف لـ«القدس العربي» أن المبادرة تحتاج الدعم العربي لتحقيق أهدافها لأن الأردن يتعامل مع جميع الأطراف في سوريا لإيجاد حل مقنع وعدم هضم حقوق الشعب السوري يعتبر أمراً مهماً والهدف الأكبر من المبادرة هو الاستقرار في المنطقة.
ويقول إن الاستقرار الإقليمي يحتاج الى جهود جميع الدول العربية دون الاستهانة بحق طرف على حساب طرف آخر، إلا أن الإطار الأممي من خلال قرارات مجلس الأمن ودور اللاعب الأمريكي على الأرض هما أساس أي حل سلمي قادم، فالمبادرة في القمة ستؤسس الى دعم وتحرك دبلوماسي لضمان استقرار المنطقة وليس إلى حل شامل قامت بتأجيله الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي سياق الحديث عن المبادرة، تحدث مركز «جسور للدراسات» عن عوامل عدة تدفع الأردن لطرح المبادرة في هذا التوقيت، حسب رأي باحثيه، منها قضية غاز شرق المتوسط، والانتهاء من أي عقبات أو عراقيل لاكتشاف الغاز من قبل إسرائيل، موضحاً أن «هذه القضية لا تخص الأردن مباشرة، لكن مدفوعة بها من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، خاصة في ظل اقتراب التوافق الإسرائيلي اللبناني حول ترسيم الحدود، ودفع الدول الغربية لإسرائيل لزيادة إنتاجها وتوسيع الحقول المستثمرة» حسب ما يرى المركز.
ومن العوامل الأخرى حسب المركز، هو العمق العربي، حيث يندفع الأردن بعواطف أكثر منها بمواقف حقيقية، مشيراً في هذا الجانب إلى أنه تم طرح مبادرات عدة منذ مبادرة الجامعة العربية لحل الأزمة السورية، ثم مؤخراً مبادرة مصر حول مشروع الشام الجديد، ومحاولات دول الخليج في غير مناسبة إبعاد إيران من المنطقة، إلا أن الظروف السابقة لم تكن مجدية. ويُتوقع أن المبادرة الجديدة تأتي في سبيل استغلال الواقع الإقليمي والدولي الجديد.
وتدفع قضية المخدرات والأسلحة التي تدخل إلى الأردن عن طريق سوريا، عمّان إلى التحرك، حيث تسعى لإيقاف التهريب عبر التوافق مع النظام، كما يؤكد «جسور» مختتماً: «مع ذلك، من غير المتوقع أن يحصل أي اختراق نوعي في المبادرة الجديدة باستثناء إظهار قدرة واستعداد المملكة مجدداً لأداء دور الوسيط في النزاع السوري»، وهو ما يجعل فرص نجاح المبادرة محدودا، فبينما يصر النظام السوري على سقف مرتفع من المطالب بحكم انتصاره العسكري على أرض الواقع، فإن بعض الدول العربية لا تزال غير متحمسة للتطبيع مع دمشق، وقد تمانع تمرير هكذا مبادرة في القمة العربية تحسب كانتصار سياسي للأسد بعد العسكري. وهو ما يجعل بعض المراقبين يعتقدون ان عمان قد تذهب في نهاية المطاف للعمل بشكل ثنائي مع دمشق بعيدا عن اجماع عربي حول التقارب مع دمشق قد لا يتحقق قريباً.
“القدس العربي”