في سياق المبادرات والإشارات التركية الموجهة للنظام السوري، من أجل إعادة العلاقات معه، بهدف تحقيق أي مكسب لحزب العدالة والتنمية قبل الانتخابات التركية، قال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، إن أنقرة ستقيّم رفع مستوى اتصالاتها مع النظام السوري إلى المستوى الدبلوماسي، في حال توفرت الأرضية المناسبة لذلك.
وأوضح “جاووش أوغلو” خلال حديثه أمام لجنة التخطيط والميزانية البرلمانية التركية، اليوم الثلاثاء، أنّه “إذا كانت هناك بيئة مناسبة لنقل التواصل بين أجهزة مخابرات النظام السوري ومخابراتنا، إلى المستوى الدبلوماسي، سنقوم بتقييم ذلك”. وتحدّث عن أربعة أهداف استراتيجية تتمسّك بها أنقره في سوريا، وهي: الحفاظ على وحدة الوطن وسلامة أراضيه واستقرار سوريا الدائم على أساس الحل السياسي. وإزالة الإرهاب من حدودنا، وأخيراً العودة الآمنة للسوريين إلى بلادهم.
«إعادة 530 ألف سوري»
وأشار الوزير التركي في حديثه عن إعادة نحو “530 ألف سوري إلى بلدهم نتيجة الجهود التركية لضمان الاستقرار في المنطقة”. ولفهم سياقات هذه التصريحات المكررة بقرار تركي وتحفيز من طرف روسيا من أجل إعادة تعويم نظام الأسد، كان لا بد من الإجابة على جملة من الأسئلة حول الأهداف التركية من تكرار تصريحاتها على عدة مستويات؟ وما هي الصعوبات والعقبات أمامها؟ وما مدى القدرة على تطبيقها؟
الباحث لدى مركز مشارق ومغارب للدراسات عباس شريفة قال إن هذه التصريحات تأتي ضمن أهداف التصريحات السابقة نفسها لرئيس الجمهورية التركية، والحديث عن وجود لقاءات أمنية وأيضاً تصريح الناطق باسم رئاسة الجمهورية، إذ تأتي جميعاً “ضمن الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية في تسويق قضية إعادة اللاجئين وتحسين الأوضاع الاقتصادية من خلال التواصل مع النظام السوري ورفع مستوى الاتصالات بين الطرفين”. وحول العقبات والصعوبات أمام التطبيق العملي، أبدى المتحدث اعتقاده خلال حديث مع “القدس العربي” عن وجود عقبات كبيرة حيث قال “ثمة صعوبات تمنع تطور هذا التنسيق” عازياً السبب إلى عدم قدرة النظام السوري أصلاً على استيعاب اللاجئين وعودتهم، فضلاً عن رفضه أيضاً لعودة هؤلاء اللاجئين خصوصاً بدون حلول اقتصادية ترفع عنه الحصار والعقوبات، إضافة إلى عدم رغبة اللاجئين بالعودة إلى مناطق سيطرة نظام الأسد.
ورجح المتحدث ألا ترقى تحركات الجانب التركي إلى المستوى الدبلوماسي، وأن تبقى في سياق التصريحات الإعلامية والحملة الانتخابية للعدالة والتنمية. وفي وقت سابق من شهر تشرين الأول الماضي، شدّد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، على ضرورة إيجاد حل سياسي للقضية السورية عبر التوصل إلى اتفاق بين النظام السوري والمعارضة، استناداً إلى القرار الدولي رقم 2254، مضيفاً أنّ “بلاده تدعم وحدة تراب سوريا، ويجب عدم السماح بتقسيمها”.
ومن المعلوم أن التصريحات التركية بشأن الانفتاح على إعادة العلاقات الدبلوماسية التركية – السورية ليست جديدة، وذلك على مستوى وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية، وهو ما اتفق معه الباحث لدى مركز الحوار السوري الدكتور أحمد القربي الذي تحدث عن أهداف أنقرة الاستراتيجية من هذا التقارب.
وقال القربي لـ”القدس العربي” هذه التصريحات “قديمة، فأنقرة كانت تركز في علاقاتها مع النظام على نقطتين أساسيتين وهما إعادة اللاجئين وقضية الإرهاب المقصود بها “بي واي دي” و”بي كي كي” الكرديان، ولكن ما حصل سابقاً على ما يبدو أن النظام السوري رفض الأمر، وكان تركيزه على ضرورة انسحاب تركيا قبل أي حديث عن إعادة العلاقات الدبلوماسية”.
ورأى أن النظام السوري غير مستعد إطلاقاً للتعاطي مع قضية اللاجئين، فضلاً عن أن قضية الحل السياسي معطلة بالنسبة لتركيا وقال “حالياً لا يوجد أي بيئة محفزة لتنشيط العملية السياسية السورية”.
واعتبر الباحث السوري أن التصريحات التركية عبارة عن “إشارات لنظام الأسد من أجل تحقيق مكسب تركي قبل الانتخابات خاصة فيما يتعلق بملف اللاجئين لكن النظام السوري يرفض أن يعطي مثل هذه الفرصة لحزب العدالة والتنمية لاسيما أنه غير قادر على معالجة قضية اللاجئين”.
ومن الواضح من تصريحات المسؤولين الأتراك أن نيّة الحكومة التركيّة في إعادة العلاقات الدبلوماسيّة مع النظام تأتي في سياق يرتكز على أساسين رئيسيّين هما حسب قراءة المعارض والمحامي السوري عبد الناصر حوشان أولاً: ضمان الامن القومي التركي من خلال إبعاد المنظمّات الانفصاليّة التي تهدد الأمن القومي التركي والمقصود بها المنظمات الانفصاليّة الكردية. ثانياً: ضمان عودة اللاجئين “طوعيّاً” في سياق خارطة الحل السياسي التي ترعاها الأمم المتحدة، أي عبر تطبيق القرارات الدوليّة ذات الصلة في الشأن السوري.
تعديل شروط «أضنة»
وقال حوشان لـ”القدس العربي” إن معيار تقييم العلاقات بينهما هو مدى قدرة النظام على تحقيق مطلب تركيا منه بإبعاد الفصائل والمنظمات الانفصالية الكردية إلى عمق ما بعد ” 35 ” كم وهذا يعني إما أن يكون عبر تعديل شروط اتفاقية أضنة وإما أن يقوم بمواجهة تلك المنظمات مباشرة وهذا سيضع النظام بمواجهة “الولايات المتحدة و فرنسا و بريطانيا” وحلفائها الداعمين لمشروع “قسد” الانفصالي، وهو ما تحاول تركيا تحقيقه لأنها لم تستطع مواجهة تلك المنظمات بسبب التعنّت الامريكي الاوروبي و بسبب استغلال الروس والإيرانيين والنظام لأي عملية عسكرية تركية ضدهم لنقض اتفاقية خفض التصعيد، لذا اعتقد أن النظام لن يغامر بمواجهة الولايات المتحدة وضرب المنظمات الانفصالية الكردية وبالتالي لن يكون هناك مبرر جدّي لتركيا اعادة العلاقات الدبلوماسية معه.
وأضاف المتحدث “لا ننسى أن تركيا تحاول اختراق الحصار الأمريكي – الاوروبي من جهة والروسي – الايراني من جهة أخرى ومنعهما من إقامة منطقة آمنة في المناطق المحررة لذلك نراها لجأت الى تطوير اتفاقيات خفض لتصعيد ودعم الاستقرار والتعافي لفرض واقع آمن لسكان المنطقة من المهجّرين أو السكان الاصليين وحتى اللاجئين الذين يرغبون في العودة الطوعية، حيث شهدنا مشاريع بناء قرى نموذجية وفتح الباب امام الاستثمار في المناطق المحررة”. وعليه، أبدى حوشان اعتقاده بأن “تركيا لا يمكنها اعادة اللاجئين قسراً الى مناطق النظام ولم نسمع أي تصريحات من هذا القبيل بل على العكس كانوا يركزون على اللاجئين من أبناء المناطق المحررة وكانوا يعددون أسماء المناطق بالاسم”.
“القدس العربي”