علقت وسائل اعلام غربية باستحياء على خبر ارسال يفغيني بروغوجين، مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مطرقة ملطخة بالدم ومحفور عليها شعار ميليشيا “فاغنر” إلى البرلمان الأوربي، عقب تصويت الأخير على اعتبار روسيا دولة راعية للإرهاب ودعوته لتصنيف ميليشيا “فاغنر” وقوات قاديروف ووحدات عسكرية روسية أخرى كمنظمات إرهابية.
وكان بروغوجين قد عقد اجتماعاً لمناقشة القرار مع قادة مجموعته، أعلن في نهايته بسخرية عن قراره “حلّ البرلمان الأوربي”! وبصورة رمزية، تمكنت مجموعة قيل إنها روسية، من الاستيلاء على الموقع الإلكتروني للبرلمان الاوروبي لعدة ساعات، ثم أرسلت المطرقة كغمزة إضافية.
حللت الصحف الغربية الرسالة على أساس أن المطرقة تشير إلى حادثة اعدام الجندي الروسي الذي حاول الانشقاق والفرار إلى أوكرانيا، والذي نشر مقطع فيديو لإعدامه بمطرقة ثقيلة مشابهة، ولم تتنبه أو تشر إلى الجريمة الأكثر فظاعة ودلالة في هذا السياق، وهي قتل المواطن السوري حمادي البو طه (محمد إسماعيل الطه) التي جرت سنة 2017 بالقرب من حقل الشاعر النفطي في سوريا، والذي قتل بتحطيم جسده ببطء وتلذذ بمطرقة مطابقة لتلك التي أرسلت للبرلمان الأوربي، وكل ذلك مع التوثيق بالفيديوهات، التي نشرت بعد ذلك في الانترنت، والحادثة ليست مجهولة، فقد رفع شقيق الضحية و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” دعوى ضد “فاغنر” في المحاكم الروسية التي رفضت النظر بالقضية،
وغطتها وسائل الاعلام الغربية بشكل جيد في حينها، كما أجريت تحقيقات موسعة مستقلة حول القضية.
رسالة بروغوجين إذا أوسع بكثير من كونها لفت نظر لأوروبا إلى المدى الذي يمكن أن يصل إليه الانتقام الروسي الوحشي على خلفية الهزيمة المحتملة في أوكرانيا، فهي تشير إلى نهج ومحور جديد يتشكل في العلاقات الدولية، هو عبارة عن مجموعة من القتلة الذين يستولون على دول ويخضعونها لهم بالعنف الوحشي، ويفرضون ارادتهم على جيرانهم وعلى المجتمع الدولي عبر هذا النوع من العنف الاجرامي العاري.
ففي روسيا، التي يمكن اعتبار رئيسها بوتين عراب هذا المحور الجديد وزعيمه عالمياً، صار بارزاً أن ثالوث القوة في إدارة الكرملين يتكون من ثلاث شخصيات دموية متحالفة بقوة في ما بينها وتقف خلف الرئيس الروسي هي: بروغوجين، وهو مجرم حكم عليه بالسجن مدى الحياة في مطلع حياته في السياسة بسبب ضلوعه بأنشطة الجريمة المنظمة، ويقود اليوم جيش الظل الروسي المتمثل بميليشيا “فاغنر”، المصنفة روسياً على انها شركة عسكرية خاصة، وتستخدم في أنشطتها طائرات مقاتلة ومنظومات صاروخية متقدمة، والجنرال سوروفيكين قائد القوات الروسية في أوكرانيا وحامل لقب جزار سوريا بسبب ما ارتكبه من فظائع بحق المدنيين عند قيادته للقوات الروسية في هذا البلد دعماً لنظام بشار الأسد، ورمضان قاديروف الذي يقود جيشاً يرتبط به شخصياً مؤلفاً من عشرين الف مقاتل، معروفون بإجرامهم الشديد ضد أبناء جلدتهم من الشيشان، واستعدادهم التام لارتكاب أي جريمة يأمرهم بها بوتين.
ويتوقع خبراء غربيون أن يتمخض الصراع الجاري الآن في الكرملين عن صعود بروغوجين إلى منصب وزير الدفاع خلفاً لشويغو، وتولي سوروفيكين منصب رئيس هيئة الأركان بدلاً من العسكري والمنظر المعروف الجنرال جيراسيموف، وأن يترسخ دور قاديروف كحارس امبراطوري لنظام بوتين.
تمثل هذه الثلة الاجرامية التي تتحكم بزمام الأمور في موسكو، النواة المركزية لشبكة من الأنظمة المماثلة التابعة، تمتد من الشرق الأوسط إلى افريقيا، أبرزها نظام الأسد، الذي حاز علاوة عن كل تاريخه الأسود، لقب ملك تجارة الكبتاغون عالمياً، كما تضم الشبكة النظم الإيراني وامتداده البارز المتمثل في الحرس الثوري الإيراني، الذي يلعب أدوار شبيهة بـ”فاغنر” على مسرح الشرق الأوسط والعالم، إضافة الى قوى عسكرية صاعدة في عموم القارة الافريقية.
إن مكونات المحور الجديد الذي يتخذ من الجريمة المنظمة وإرهاب الدولة استراتيجية، ومن الحرب بالوكالة والانكار والافلات من العقاب تكتيكاً، تأتي من ذات المنبع الذي جاء منه نظام بوتين، أي تفكك نظام الحرب الباردة، وانهيار عدد من الدول وتحولها إلى دول فاشلة. بعبارة أوضح، محور الجريمة هو نتاج تفسخ عالم ونشوء عالم جديد، وهو لن يزول حتى يستنفذ كل امكانياته، ووجوده سيبقى محمياً للأسف بالأسلحة النووية التي يسيطر عليها مركزه في موسكو.
ويجب أن يستعد العالم، وخاصة الغربي، لمواجهة هذا النظام في مرحلة ما، فالمعطيات تفيد بأن جهود الدول الغربية الدؤوبة لتفكيك هذا المحور بالطريقة التي فككت بها الاتحاد السوفياتي لن تجدي نفعاً، وأن بروغوجين وامثاله من مكوني هذا المحور يقودون جيلاً جديداً أكثر عدوانية وتطرفاً اجرامياً، ينذرون بتحولات أكثر خطورة، خاصة في مرحلة ما بعد بوتين والتفكك المحتمل للاتحاد الروسي، وسيقودون العالم للاصطدام بالجدار ذات يوم، أي إلى مواجهة هذا المحور عبر حرب واسعة النطاق، هجينة ومتعددة المجالات، قد تكون أقسى وأخطر من الحربين العالميتين الكبريين، ومطرقة بروغورين الصريحة ليست مزحة تفتق عنها مزاج مجرم مهووس، لقد أرسلت إلى الغربيين لتقرع ناقوس خطر حقيقي ووشيك.
“المدن”