وسارع النظام ومعه محور الممانعة الداعم له، خلال الأيام الماضية، للترويج لفكرة انكسار العزلة الإعلامية من خلال التصويب على مجموعة من الحملات الفردية التي تنقل المشهد السوري من مناطق النظام، ما من شأنه كسب التضامن الدولي، وهي قراءة متسرعة، وربما خاطئة، لأن التغطيات السابقة لم تخرج من هذا الاطار، بينما لم يطرأ أي عامل جديد، مثل وصول وفود دولية، على الأقل قبل الإعلان الأميركي الأخير.
خلال الأيام الماضية، اقتصرت التغطيات الإعلامية للمناطق المنكوبة جراء الزلزال في مناطق النظام، على وسائل الإعلام والفضائيات الموالية للمحور. حضرت أولاً لوغوهات إعلام النظام مثل وكالة “سانا”، و”الإخبارية السورية”، و”قناة سما” و”لنا”، ومعها اللوغوهات المؤيدة للنظام السوري مثل “الميادين”، “المنار”، “المسيرة”، “العالم”، “العهد” و”فلسطين اليوم”، إضافة إلى وكالة “رويترز” التي تغطي الأحداث عبر فريقها في العاصمة السورية دمشق، ووكالة “فرانس برس” عبر فريق العمل الموجود أصلاً في دمشق.
أما الفضائيات المعارضة للنظام السوري، فاكتفت بنقل الأخبار عن الوكالات العالمية (رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)، وكالة “سانا” ومؤسسات النظام المعنية، إذ كانت تكتفي بنقل الخبر.
عمدت وسائل الاعلام الموالية للأسد الى نقل كل التصريحات الرسمية عن حكومة النظام، والمؤتمرات الصحافية للمسؤولين المعنيين بالكارثة، واقتصر البث الحي والتغطيات المباشرة على نقل الصورة ضمن مناطق محدودة، ما انعكس فقراً في المصادر والصور والفيديوهات الحيّة من أرض الحدث، في حين كانت المصادر الأكثر تداولاً هي عبر الصور والمنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي التي شاركها المواطنون السوريون في مناطق النظام.
عوامل عديدة ساهمت في غياب المؤسسات الاعلامية الغربية والعربية عن تغطية الحدث في مناطق سيطرة النظام. الموانع اللوجستية ومعوّقات حركة الملاحة الجويّة إلى مطارات سوريا وصعوبة الحصول على تأشيرات للفرق الاعلامية بعدما قوبلت بالرفض مرّات عديدة سابقاً، الأمر الذي جعل النظام يحاصر نفسه، وهو ما لا ينفيه مراسلون وممثلون لوسائل اعلام عربية ودولية في تصريحات لـ”المدن”، علماً أن أبرز العوائق تتمثل في التدابير الأمنية والتصاريح المفروضة من النظام على الإعلاميين.
إضافة الى ذلك، يعقّد وجود أسماء صحافيين في لوائح أجهزة المخابرات السورية السوداء، مسألة عبورهم الى سوريا. حتّى المراسلين الموالين للنظام، هم عرضة للاعتقال في حال صدر عنهم أي نقد اتجاه الحكومة السورية أو مسؤوليها. ونشرت سابقاً منظمة “مراسلون بلا حدود” تقريراً عن ضغوط متزايدة على وسائل الإعلام الموالية للنظام، تحدثت فيه عن اعتقال صحافيين موالين نتيجة مواقف وتصريحات ناقدة، كما حصل مع مراسل قناة “الميادين” رضا الباشا وآخرين تم اعتقالهم. يُضاف إلى هذه العوامل، الموقف المُتخذ من قبل كبرى المؤسسات الاعلامية بمقاطعة النظام نتيجة الحرب الدائرة منذ عشر سنوات.
في مقلب آخر، حيث المناطق المُتضرّرة والمنكوبة والتي تخضع لنفوذ المُعارضة السورية، القريبة من الحدود التركية، حضرت أبرز وسائل الإعلام الغربية والعربية عبر مراسليها المنتشرين في أهم مناطق الشمال السوري إضافة إلى التغطية من خلال شهود عيان ومقابلات مع رجال “الخوذ البيضاء” ومسؤولي فرق الإنقاذ وغيرها.
حظي الحدث بتغطية واسعة ومتواصلة، وتصدّرت مشاهد معاناة الشعب السوري شاشات الفضائيات الغربية والعربية، بينها “بي بي سي”، و”فرانس 24″، و”سي أن أن”، و”الجزيرة”، و”التلفزيون العربي” و”تلفزيون سوريا” إضافةً إلى العديد من الفضائيات الأخرى.
هذا الحضور الإعلامي جعل مصادر الخبر أكثر واقعيةً وتنوعاً وانتشاراً بالمقارنة مع التغطيات التي شهدتها المناطق التي تنضوي تحت سيطرة النظام السوري.
في الواقع، يسعى النظام السوري وحلفاؤه لإستثمار الكارثة التي عصفت بالبلاد، للترويج لفكرة خروج دمشق من عزلتها، فقد نشطت وسائل الإعلام الموالية في هذا الإطار، كما ظهرت حملات في وسائل التواصل الاجتماعي والتي تضم مجموعة من الناشطين والاعلاميين الموالين للمحور، للتعويض عن غياب المادة الإعلامية والخبرية للمناطق المنكوبة تحت سيطرة النظام.
مما لا شك فيه أن النظام السوري لن يترك هذه الفرصة من دون توظيفها لصالحه واغتنام الفرصة وتحويل التعاطف الدولي تجاهه بعد كارثة الزلزال لمكاسب سياسية على الأرض يصعب تحقيقها في أوقات أخرى.
من المبكر الحديث عن كسر العزلة الإعلامية للنظام السوري بالحد الأدنى لغاية الوقت الحالي. لم ينل الأسد وحلفاؤه ما طمحوا اليه، فما حدث على أرض الواقع وتعاطي المؤسسات الاعلامية بإختلافها، غربيةً كانت أو عربية، لا يعكس أي أداء يُمكن أن يترجم بالتطبيع الاعلامي مع النظام.
يبقى الشعب السوري الضحية الأولى والأخيرة، والسوريون الذين يموتون كل دقيقة تحت الأنقاض إلى جانب المشردين بلا مأوى، والذين لا يجدون مكاناً يلجأون إليه من البرد، فمَن لم تقتله الرصاصات والقذائف والبراميل، قتلته الجدران والأسقف المتساقطة.
“المدن”