لا تملك الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني السيطرة كاملة على السلطة التنفيذية، في ظل وجود تحالف الإطار التنسيقي الذي هو عبارة عن مجموعة الأحزاب الشيعية التابعة لإيران.
فالسوداني ما كان له أن يصبح رئيساً للحكومة لولا أن تحالف الإطار قرر ذلك ودعم ترشيحه وجهّزه بالوزراء الذين اكتشف بعد شهور أن نصفهم لا يصلح لقيادة وزارة. ولا يملك الرجل قدرة التحرر من تلك التبعية إلا عن طريق الانقلاب الذي لا يملك أدواته، فهو محاط برجال التحالف من كل الجهات. وليس خافياً على أحد أن الرجل لا يملك أسباباً تضطره للانقلاب على التحالف.
لم تعد شعارات التغيير مرفوعة في الشارع الذي تعرض لحالة من الإحباط بعد فشل الاحتجاجات الجماهيرية عام 2019 قد لا يخرج منها إلا بعد سنوات، كما أن التطورات الإقليمية أشاعت نوعاً من حالة الاسترخاء، من المفترض أن تستفيد منها الحكومة العراقية في ضبط سيطرتها على مشاريع التنمية، بعيداً من التوتر الذي تسبب به سلوك بعض الميليشيات في المرحلة السابقة تحت شعار المطالبة بخروج القوات الأميركية. غير أن من اللافت أن السوداني لم يطرح برنامجاً حكومياً متكاملاً، بل اكتفى بإجراءات لا تؤثر كثيراً على الوضع الذي أُريد له أن يكون مستقراً عند حدود الظاهر منه. أما الوعود التي أطلقها في الأشهر الأولى من عهده فقد تبين أن جزءاً منها كان جراء حماسة شخصية، كان السوداني قد انجرّ وراءها كونه أول رئيس وزراء في مرحلة ما بعد الاحتلال يتم اختياره من عراقيي الداخل.
دولة الحشد أم حكومته؟
قبل قيام احتجاجات عام 2019 بكل عنفوانها المفاجئ كان الحشد الشعبي، وهو مجموعة الميليشيات الشيعية التابعة للحرس الثوري الإيراني يستعد لإعلان دولته تعبيراً عن التحدي الذي واجهه يوم تحققت هزيمة التنظيم الإرهابي “داعش” في الموصل ومحافظات الغرب العراقي. لم يتأخر زعماء الحشد في استثمار نتائج النصر في حرب الاستعادة من خلال بسط السيطرة، لا على الأراضي المحررة حسب، بل أيضاً على الدولة التي كانت حكومتها بقيادة عادل عبد المهدي لا ترى في وجود كيان مسلح يقع خارج سيطرتها أي مشكلة، بل كانت في حقيقة موقفها تميل إلى فتح أبواب الدولة كلها أمام ذلك الكيان. كانت حكومة عادل عبد المهدي على وشك إعلان اتفاق شراكة مع الحشد الشعبي في إدارة الدولة، يوم قامت الاحتجاجات ليُغلق الملف موقتاً بعدما صار التخلص من حكومة عبد المهدي ضرورياً من أجل منع سقوط النظام الذي بدا أنه أكثر هشاشة من أن تتمكن ميليشيات الحشد من إنقاذه، وبخاصة أن إيران لم تكن في تلك المرحلة الحساسة راغبة في قيام حرب أهلية، تكون فرصة لتوجيه أصابع الاتهام إليها.
كان على الحشد الشعبي أن ينسحب من المشهد بعد قتل أكثر من سبعمئة من المحتجين، تمهيداً للتوصل إلى تعيين مصطفى الكاظمي رئيساً لحكومة ستقود مرحلة للتهدئة على المستوى الشعبي، غير أنها لم تكن كذلك بالنسبة إلى عدد من فصائل الحشد التي كان زعماؤها قد شعروا بأن حكومة الكاظمي ستشكل منعطفاً في العملية السياسية قد يؤدي إلى تقلص دور الحشد الشعبي وانخفاض شعبيته عل مستوى طائفي. لم ينخفض مستوى التوتر بين الحشد والحكومة الذي وصل إلى درجة قصف بيت رئيسها إلا بعدما وقع الاختيار على محمد شياع السوداني الذي صار رئيساً لحكومة تدين بالولاء في الجزء الأكبر منها للحشد الشعبي.
حماية النظام أولاً وأخيراً
عبر الأشهر التي حكم فيها السوداني عادت فصائل الحشد الشعبي الغاضبة على الوجود العسكري الأميركي إلى قواعدها صامتة. صار تهديد الأراضي السعودية بالصواريخ جزءاً من الماضي. غير أن الثمن كان باهظاً. ففي الوقت الذي ارتفعت مخصصات القوات المسلحة 5%، ارتفعت مخصصات الحشد الشعبي 95%، وذلك بسبب الزيادة المفرطة في أعداد المنتسبين إليه. شخص مثل السوداني لا يمكنه أن يعترض على ذلك الواقع الغرائبي. فليس لدى الرجل ما يدعوه إلى الاعتراض على سلاح يقع خارج الدولة، ولا أظنه يكذب على نفسه كما فعل حيدر العبادي من قبله فيتوهم أن الحشد صار في قبضته باعتباره قائداً أعلى للقوات المسلحة. محمد شياع السوداني، رغم إيمانه بالغيبيات، رجل واقعي يعرف جيداً أن لا حياة لحكومته من غير رضا الحشد الشعبي الذي هو واحد من أهم شروط تحالف الإطار التنسيقي. في ظل اختصار المسافة بينه وبين الحشد الشعبي تتسع المسافة التي تفصل السوداني عن المطالب الشعبية. لن يكون الرجل مستعداً للتضحية بمرجعيته من أجل قاعدة شعبية لم يكن استناداً إلى مرجعيته الحزبية مؤهلاً للثقة بها. ما لا يمكن نسيانه أن محمد شياع السوداني كان إلى سنوات قليلة عضواً في “حزب الدعوة” الذي يقود الآن تحالف الإطار التنسيقي.
السوداني هو ابن تلك الفكرة التي لا ترى ضرورة في العودة إلى القوانين حين يتعلق الأمر بالحشد الشعبي الذي وُجد أصلاً لحماية النظام السياسي الذي يقوده الآن التحالف الذي تدين له الحكومة بالولاء. وفي سياق تلك الفكرة تعتبر حماية النظام أهم بكثير من قدرة الحكومة على العمل. لذلك ستكون الحكومة، أي حكومة، في ظل تلك المعادلة أشبه بحكومة تصريف أعمال.
“النهار العربي”


























