محمد ابرهيم
اللقاء الثلاثي الذي جمع الرئيسين الاميركي والفلسطيني ورئيس الحكومة الاسرائيلية، فشل لاثنين ونجاح لواحد.
الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي تحدث كثيرا عن المقاربة الجديدة للعلاقة مع العالم الاسلامي، وضمنه العربي، تعثر عندما انتقل الامر الى الترجحات الملموسة.
الخطوة الاولى في سياسته الخارجية كانت تعيين المبعوث الخاص للشرق الاوسط جورج ميتشل، باعتبار ان الرئيس الاميركي لا يريد تضييع الوقت، لكن الجولات التي لم تعُد تُعدّ للمبعوث انتهت كما بدأت. والانجاز الاول للادارة الجديدة المتمثل باجبار الحكومة الاسرائيلية على اعلان تجميد البناء في المستوطنات تحوّل الى ما يشبه عكسه.
لقد نجح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في المراوغة لاشهر طويلة، مُدخلا ادارة اوباما في تفاصيل منهكة، وبانيا في الوقت نفسه ما يشبه الاجماع الاسرائيلي على رفض تجميد الاستيطان.
وتحول ما هو وارد في "خريطة الطريق" باعتباره الخطوة الاولى في الطريق الى المفاوضات "بفضل" نتنياهو الى شروط مسبقة يحاول الطرف الآخر، الفلسطيني، فرضها قبل بدء المفاوضات، والحكومة الاسرائيلية الحالية لا تخضع بالطبع للشروط المسبقة.
ادخال القدس في التجميد المقترح غير ممكن لان القدس ليست مستوطنة. والتجميد في مستوطنات الضفة غير ممكن لانه يستحيل وقف النمو الطبيعي، للسكان. لا بل ان طرح تجميد الاستيطان كان الاساس لقرار بتعجيل البناء فيها. قيل اولا انه التمهيد لاعلان التجميد، ثم تبين لاحقا ان الموضوع برمته مرفوض.
اما الحجة الاخيرة التي دخلت السوق التفاوضية، فهي انه من الاجدى التفاوض حول شؤون الحل النهائي، الذي يتضمن المستوطنات، دون تضييع الوقت في الجدل حول مستقبل مستوطنات قد تبقى واخرى قد تزال.
فوز نتنياهو الاول هذا على الرئيس الاميركي الذي قيل انه سيفرض على اسرائيل مراجعة كل سياستها الخارجية، يعود في قسم كبير منه الى الوضع الداخلي المهتز للرئيس الاميركي. فالهجوم الذي يتعرض له من الجمهوريين، في الشارع، في قضية اصلاح التأمين الصحي، يجعله غير قادر على فتح معركة مع اللوبي اليهودي يتأثر بها اولا الحزب الديموقراطي، ذو العلاقة الوثيقة بهذا اللوبي.
الخاسر الثاني في اللقاء هو بلا شك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فهو اعلن مرارا وتكرارا ان لا مفاوضات ولا لقاءات مع نتنياهو قبل اعلانه تجميد الاستيطان.
لقد كان واثقا من جدية الرئيس الاميركي في هذا الملف، فلم يترك إبهاما حول موقفه، مما جعل تراجعه بالقبول باللقاء الثلاثي بمثابة اعلان صارخ على ان الطرف الفلسطيني هو الذي يتلقى الضغوط الاميركية ويرضخ لها.
يستطيع الرئيس الفلسطيني ان يميز بين القبول باللقاء والقبول ببدء المفاوضات الرسمية. وبدون الحكم سلفا على التنازلات التي يمكن ان تُقدَّم للطرف الاميركي لاحقا، فان الرئيس الفلسطيني يخرج من مؤتمر لـ"فتح"، واعادة ترميم لمنظمة التحرير الفلسطينية، كان شعارهما استعادة المبادرة، باستعادة "كل اشكال النضال"، مما عنى بان القيادة الفلسطينية لن تترك الساحة الفلسطينية منقسمة بين انصار المقاومة وانصار التفاوض. وان قيادة "فتح" تستطيع في اللحظة المناسبة ان تقول "لا"، وعندما جاء اوان الـ"لا"، قالت "نعم".
بعد اللقاء الثلاثي بالمواصفات التي باتت معروفة، لم يعد من مصلحة طرفي الخسارة، الاميركي والفلسطيني، العودة الى جولات مكوكية للمبعوث الاميركي، تتركز شروط انطلاق المفاوضات، مما حصله نتنياهو لن يتنازل عنه بدون تغيير في المعطيات.
لذلك ربما تكون المصلحة الفلسطينية في تغيير قواعد المفاوضات بالتركيز على فكرة مطروحة تحظى بقبول اميركي وبحماسة اوروبية، هي اعطاء سنتين للمفاوضات، يتم في نهايتها اعلان الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة ايا تكن نتيجة التفاوض.
اسرائيل ترفض بالطبع هذه الفكرة، لكن رفضها هذا لا يستطيع ان يشكل عائقا امام المباشرة الفعلية بالتفاوض مع احتفاظ كل طرف بموقفه.
اما بديل ذلك فهو تصميم القيادة الفلسطينية على عدم التفاوض بدون تجميد الاستيطان، لكن مع الوعي الكامل، بان هذه مفتوحة حتما على تجديد انتفاضة ما، وإلا كان التنازل الفلسطيني اللاحق أفدح من الحالي.