في مثل هذا اليوم الخامس من تشرين الأول من عام 1962 ، حدث الإحصاء المشؤوم في محافظة الحسكة . والذي مازال طعمه المر تحت كل لسان في المحافظة ، ونتائجه الظالمة تثقل على الحياة العامة في البلاد ، وترهق حياة آلاف الأسر الكردية هناك ، التي كانت الضحايا المباشرة لذلك الإحصاء . حيث جاءت النتائج لتحرم آلاف المواطنين الكرد من الجنسية السورية ، وهي حق طبيعي ودستوري لهم ، فقد ولدوا وعاشوا في سورية على أرض آبائهم وأجدادهم ، ويقومون بواجباتهم تجاه وطنهم مثل باقي المواطنين في جميع أنحاء البلاد . ولم يتخلفوا يوماً عن أداء مستوجبات هذا الانتماء وتقديم التضحيات من أجل ذلك .
بعد أكثر من أربعة عقود مضت على هذه الواقعة ، ازدادت تفاقماً المؤثرات والنتائج الظالمة التي حصلت ، وتوسع وقعها وازداد ضحاياها لينوف عددهم اليوم عن مئتي ألف مواطن ، يعيشون دون هوية أو جواز سفر ، ودون اعتراف بانتمائهم الوطني مع ما يحمله هذا من جرح معنوي عميق ومصاعب مادية وحياتية مدمرة . حيث لا إمكانية لحصولهم على درجة من التعليم اللائق ، لمن يريد ذلك ويستطيعه ، ولا توفر لفرصة عمل مناسبة في إطار الدولة التي يعيشون في كنفها ، ولا إمكانية متاحة للسفر والعيش في بلاد أخرى .
يتحدث المواطنون الكرد في المحافظة عن وقائع وأمثلة تراجيدية وسريالية في غرائبيتها من نتائج ذلك الإحصاء . كأن ينعم الأخ بالمواطنية في الوقت الذي يفتقدها إخوته الآخرون . أو يكون الأب مواطناً ، بينما يكون الأبناء من المحرومين منها . أو يتمكن الابن من الحصول على بطاقة هوية شخصية ، بينما لا يتمكن أبوه أو أمه من ذلك ، رغم أنهم جميعاً لم يغادروا البلاد منذ عقود من الزمن .
وعلى الرغم من المطالبات المستمرة التي قدمتها الأحزاب السياسية الكردية والنخب الاجتماعية والثقافية في المحافظة من أجل إنصاف المجردين من الجنسية وإعادة هذا الحق لهم ، وعلى الرغم من الوعود الكثيرة التي قدمتها السلطة في غير مناسبة لمعالجة هذا الملف وتصحيح الوضع ، إلا أن الأمور بقيت على حالها ، بل ازدادت تفاقماً بصدور المرسوم 49 لعام 2008 ، الذي منع عمليات البيع والشراء والتصرف بالملكيات العقارية في المحافظة . وضاعف معاناة هؤلاء وأمثالهم من المواطنين الذين أحاقت بهم شروط الظلم والحرمان والفاقة بسبب السياسات التمييزية التي مورست ضدهم ، وزادت من تهميشهم وسوء أحوالهم .
بعد صدور إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي عام 2005 ، أصبحت قضية المجردين من الجنسية من المواطنين الكرد نتيجة ذلك الإحصاء قضية وطنية بامتياز ، تبنتها معظم القوى والأحزاب في المعارضة الوطنية الديمقراطية ، وصارت شأناً عاماً وهماً وطنياً واجتماعياً وإنسانياً بذات الوقت ، لا يخص الضحايا وحدهم ولا المواطنين الكرد بشكل خاص ، إنما المجتمع السوري بأسره . فما يمكن أن يحمله الظلم المستمر والتهميش المستمر والتمييز المستمر من مخاطر على استقرار البلاد وأمنها والوحدة الوطنية فيها أكبر من أن تغطيه تهم باطلة ووعود لا تنفذ ، وأخطر من أن يستمر السكوت عنها تحت أي ذريعة . وليس غير دولة الحق والقانون التي تضمن الحقوق المتساوية لجميع مواطنيها ، بغض النظر عن انتماءاتهم المختلفة ، يمكنها أن تشكل وطنأً بالمعنى الحقيقي ومزدهراً بالشكل الفعلي ، يتوجب على الجميع حمايته والدفاع عنه والعمل على تطوره وازدهاره ، وبذل ما يمكن من أجل صيانة سيادته واستقلاله .
إننا نضم صوتنا إلى جميع الأصوات التي تطالب بإلغاء الإحصاء المشؤوم ونتائجه الظالمة ، وتأمين حق المواطنة لجميع مستحقيها . فعلى البلاد أن تنصف أبناءها ، لتطلب منهم الولاء لها والتضحية من أجلها . ولسنا نرضى لسورية وشعبها غير ذلك .
5 / 10 / 2009
هيئة التحرير
——————————-
* مصدر الصورة موقع ثروة