يبدو أن فترة التهدئة في الشرق الأوسط، والسعي إلى الحلول والتسويات وتكريس الاستقرار فيه، لم تدم طويلاً. فأخذت نوافذ الانفراج تنغلق في أكثر من مسألة إقليمية، وعادت أجواء التطرف والعنف وتعطيل الحلول لتطفو على السطح مجدداً. ونشهد في الأفق المتطرفين على اختلاف هوياتهم وأنواعهم تتلاقى مصالحهم موضوعياًعلى توتير المنطقة وتفجير بؤر العنف فيها. وربما يمكننا الاستنتاج مما يجري في المنطقة، أن كلاً من التطرف الإسرائيلي والتطرف الإيراني، يريد أن يستغل الوضع العربي المفكك والمهترئ لبناء واقع جديد في المنطقة، يحدد معالم أخرى للوضع الاستراتيجي والسياسي والأمني فيها مستقبلاً، يؤمن تفوق هذا التطرف وتحقيق أهدافه ومصالحه الخاصة.
–I–
ففي الموضوع الفلسطيني؛ لا يجد خطاب أوباما ولا جولات ميتشيل آذانا صاغية في إسرائيل. فعلى العكس، التطرف الإسرائيلي يقفز إلى ذروته. هدم بيوت الفلسطينيين في أحياء القدس الشرقية وبناء المستعمرات في الضفة الغربية يسيران على قدم وساق، ولا تتراجع الحكومة الإسرائيلية قيد انملة عن مواصلة سياسة الاستيطان. و يبدو أن نتنياهو قد حقق نجاحاً أولياً في هجومه على سياسة الرئيس أوباما حول قضية الشرق الأوسط، يدعمه في ذلك اللوبي الصهيوني والمحافظون الجدد والمتطرفون المسيحيون في الولايات المتحدة. ونجدها قد أخذت تخفف من إلحاحها في مطالبة إسرائيل بتجميد الاستيطان بشكل كامل قبل البدء بالمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبدا الكلام على لسان ميتشل حول وقف مؤقت للاستيطان. ولا يبدو في الأفق، أن الولايات المتحدة بصدد أن تحزم أمرها قريباً، لاتخاذ موقف حاسم من أجل حلٍ دولي عادل للقضية الفلسطينية. لأن هذا الحل هو الذي يمكنه أن يسحب البساط من تحت أقدام جماعات العنف والإرهاب، والأنظمة الاستبدادية التي تستخدم القضية الفلسطينية كورقة إيديولوجية وسياسية لخدمة مصالحها الخاصة. فلقد بات حل القضية الفلسطينية مفتاح كل حلول المسائل الأخرى المتفجرة في منطقة الشرق الأوسط.
ولم يعد سراً استغلال حكومة نتنياهو اليمينية للشرخ الفلسطيني الراهن بين فتح وحماس، للسير قدماً في سياستها المتطرفة الرافضة لأي حل يضمن حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعودة اللاجئين إلى أرضهم. وضمن هذه الظروف الفلسطينية المفككة، وصل التطرف الإسرائيلي إلى حد المطالبة بـ"يهودية الدولة"، أي أن تكون إسرائيل دولة يهودية خالصة، وبالتالي تهجير فلسطينيي الداخل من أراضي 1948. وفي الواقع، إن أكثر ما تحاول الحفاظ عليه إسرائيل الآن هو استمرار هذا الشرخ العميق بين غزة والضفة الغربية، فهو على الأقل يؤمن لها ذريعة عدم وجود طرفٍ فلسطينيٍ مفاوض لحل للقضية الفلسطينية.
وفي مقابل التطرف الإسرائيلي، نرى التحالف الإقليمي الإيراني السوري يقوم بتعميق الانشقاق الفلسطيني، ويقوم بدور معرقل لمحاولات الصلح بين الفصيلين الفلسطينيين، وذلك لاستخدام هذا الانقسام كورقة تفاوضية رابحة.
وبالنسبة إلى السياسة الإيرانية، فمسارها يزداد تطرفاً، خاصة بعد التحرك الشعبي الواسع بقيادة المعارضة الديمقراطية، والجناح الإصلاحي في النظام الذي أعقب معركة انتخابات الرئاسة الأخيرة، التي أدت إلى صعود الجناح الأكثر تطرفاً في السلطة الإيرانية. يستخدم متطرفو المؤسسة الحاكمة في إيران أقسى وسائل القمع ضد المعارضة الإصلاحية والقوى الشعبية. وللتغطية على أزمته الداخلية، يحاول النظام الإيراني الهروب إلى الأمام، بتوتير وتفجير القضايا الإقليمية مستغلاً في ذلك التنوع المذهبي و البنيات الاجتماعية المتخلفة، ولقد شرع بعض المتطرفين من رموز النظام يدعو علناً لتصدير الثورة إلى منطقة الشرق الأوسط. وبالفعل، فقد بدأنا نشهد توسع معارك الهيمنة الإيرانية في المنطقة، في كل من العراق ولبنان واليمن والساحة الفلسطينية والصومال والسودان. ولم ينج المغرب في أقصى العالم العربي من هذا التدخل، مما دفعه إلى قطع علاقاته الديبلوماسية مع إيران احتجاجاً على سياستها التدخلية. ولم يقف النظام الإيراني عند هذا الحد، فهو نتيجة الضعف العربي الشامل في هذه المرحلة، واستناداً إلى تحالفه مع النظام السوري، وإلى أوراقه السياسية التي يمتلكها في كل من لبنان وفلسطين والعراق، بدأ يطرح نفسه كدولة كبرى شريكة في وضع حلول قضايا الشرق الأوسط مع مفاوضيه في اللجنة (6+1).
ففي لبنان، وضمن الأجواء الملبدة بالتوتر، يعود مسارالتطرف والتعطيل السياسي بزخم كبير، بعد فترة التهدئة التي بدأت بعد مؤتمر الدوحة. والتي تم فيها إجراء انتخابات الرئاسة اللبنانية ومجلس النواب وإقامة العلاقات الدبلوماسية السورية اللبنانية. فالتجربة الديموقراطية اللبنانية تمر الآن بمخاض عسير، إذ عقدت المعارضة العزم على تعطيل تشكيل الحكومة وإلغاء نتائج الانتخابات وخلق الفراغ السياسي في البلاد. و انتهى الأمر بعد سبعين يوماً إلى اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. ورغم المسئولية الشكلانية التي يتحملها الجنرال ميشيل عون عن هذا التعطيل، فليس بخافٍ على أحد الدور الإقليمي (الإيراني /السوري) الذي يقف وراء هذا التعنت العوني. ويبدو ان الهدف الأساسي من التعطيل هو الذهاب إلى الدوحة رقم(2) والانقلاب على الطائف. وقد هاجمت الصحف السورية الرئيس المكلف ودعت صحيفة الوطن إلى عقد الدوحة(2) وأن الكثير من المتغيرات تستدعي عقد الطائف(2). طبعاً الانقلاب على الطائف في هذه المرحلة يقود مباشرة إلى ضرب الصيغة اللبنانية ومشروع الدولة، ويؤدي موضوعياً إلى تهميش جديد للنظام العربي وتأجيجاً للتمذهب الطائفي السني/الشيعي، وإعطاء مكاسب جديدة للنفوذ الإيراني في العالم العربي. ولم يكن مستغرباً أن يعقب مباشرة هذا الفراغ السياسي الجديد في لبنان، توتر الأجواء الأمنية على أثر انطلاق صاروخين من الجنوب اللبناني باتجاه مستعمرة نهاريا الإسرائيلية، وردت إسرائيل على ذلك بقصف مدفعي محدود على قرية (القليلة) التي انطلق منها الصاروخان. إن التعطيل الجديد في لبنان لا يعني فقط عدم تشكيل الحكومة،وإنما يؤدي إلى عطالة المجلس النيابي ومؤسسة الرئاسة أيضاً، ويفْقِدُ لبنان توازنه تماماً، ويجعله هشاً وضعيفاً إزاء أية هجمة إسرائيلية جديدة.
وكذلك الحال في العراق، فبعد فترة من الهدوء الأمني وتراجع عدد السيارات المفخخة، التي أعقبت هزيمة القاعدة في محافظتي الأنبار وديالى، وضرب الميليشيات بحسم في الجنوب وبغداد، وانتصار القوى الداعية إلى بناء العراق الموحد ونبذ المذهبية في الانتخابات المحلية الأخيرة، نرى أن العنف قد عاد إلى ذروته مجدداً. ومما يدعو للتساؤل تصاعد وتيرة العنف بعد انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية. وكأن الاحتلال الأميركي كان يوفر مؤونة لإيديولوجية (المقاومة والممانعة).
و كانت أعنف هذه الهجمات الانتحارية المتجددة في يوم الأربعاء الدامي في 19 آب بالقرب من وزارتي الخارجية والمالية، وقد خلفت دمارا كبيراً وأكثر من ألفٍ من القتلى والجرحى. وعلى أثرها انفجرت الأزمة السياسية بين العراق وسورية وجرى تبادل سحب السفراء والحملات الإعلامية وطالب المسؤولون العراقيون من النظام السوري تسليم بعض البعثيين العراقيين الذين اعتبروهم مسؤولين عن هذه التفجيرات. وطلبوا من الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة تشكيل لجنة تحقيق دولية حول الموضوع. لقد اختلف المحللون السياسيون فيمن يقف خلف هذه التفجيرات، وكذلك اختلف أطراف الطبقة الحاكمة في العراق حول هذا الموضوع. وراح بعض المحللين يعتبرها نتيجة صراع ايراني سوري على النفوذ في العراق. وبعضهم راح يتكلم على تواطؤ مسؤولين أمنيين عراقيين مع جهة إقليمية لإضعاف رئيس الوزراء نوري المالكي قبل الانتخابات النيابية القادمة، وذلك من أجل العودة إلى خوض الانتخابات على أساس التمذهب الطائفي والخوض من جديد في سياسة الأقاليم والفيديرالية التي تقود إلى التقسيم.
في كل الأحوال، وبغض النظر عمن يقف خلف يوم الأربعاء الدامي في بغداد، فهذه التفجيرات لا تضر فقط في مصلحة بناء الدولة العراقية الموحدة، وإنما تضر بالمصلحة العربية بشكل عام. وتتسبب في تفكيك العراق والكيانات العربية الأخرى المجاورة، وخاصة سورية التي تصبح أكثر من أي قطر آخر في دائرة الخطر.
طبعاً لم يكن غير متوقع، عدم قدرة النظام العربي وجامعته العربية على احتواء الأزمة السورية العراقية الناشئة، وهذا أفسح في المجال لأن يسارع الفاعلون الإقليميون (ايران وتركيا) لتأكيد حضورهم وإبراز دورهم في نزع فتيل التوتر المتصاعد بين الدولتين. إن التداعيات السلبية لمأساة الأربعاء الدامي في بغداد، لم تقتصر فقط على تجديد التوتر المزمن بين البلدين، وإنما امتدت لتزيد النظام العربي تصدعاً وضعفاً، وتقوي الأدوار الإقليمية لكل من تركيا وإيران على حساب الدول العربية الرئيسية التي تزداد ضعفاً وعجزاً وانسحاباً من الانخراط المباشر في حل القضايا العربية.
وفي اليمن، الحرب دائرة على أشدها بين الحوثيين والقوات الحكومية. ولم يعد سراً التدخل الإيراني في هذا الصراع(يتهم الرئيس اليمني ايران بتمويل وتسليح الحوثيين). لكن لا يتحمل مسؤولية الوضع الناشئ في اليمن التدخل الخارجي فقط. فلابد هنا من إماطة اللثام عن مسؤولية النظام اليمني، سواء بالنسبة إلى ما يحدث في الشمال في محافظتي صعدة وعمران، أوعما يحدث في محافظات الجنوب اليمني من مظاهرات وأحداث عنف.
فالرئيس اليمني علي عبدالله صالح مثل غيره من الحكام العرب، مسلْطِنٌ على رأس الدولة اليمنية منذ 31 عاماً. وكذلك الديموقراطية اليمنية وتداول السلطة فهما شكليان، وقبل سنتين عدل الدستور للسماح للرئيس المزمن بالترشيح لفترة أخرى. أما الوضع الاجتماعي والاقتصادي في اليمن فهو في أسوء أحواله، والنفط الذي اكتشف حديثاً في طريقه إلى النضوب، والوضع القبلي لا يزال على حاله.
وكذلك لا يوجد أدنى شك، في أن الكثير من المشاكل التي يواجهها النظام اليمني تعود جذورها إلى أحداث تاريخية مفصلية عرفها اليمن منذ النصف الثاني من القرن الماضي، ومن أهمها: الانقلاب الجمهوري بقيادة عبدالله السلال الذي أطاح بالإمامة الزيدية الحاكمة عام 1962، وثانياً الوحدة التي تمت في عام 1990 بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي الذي كان تحت حكم الحزب الاشتراكي، ومن ثم طرد اليمنيين الذين كانوا يعملون في السعودية(1.5-2مليون) على أثر تأييد النظام اليمني لاحتلال الجيش العراقي للكويت في عام 1990. ثم في عام 1994 حاول الجنوب ان ينفصل عن الشمال؛ وانتهت الحرب بعد إراقة الكثير من الدماء باستمرار اليمكن موحداً. وبالإضافة إلى كل ذلك فإن اليمن قد أصبح أحد مقرات تنظيم القاعدة وساحة للنشاط الإرهابي. وكذلك هنالك حركة سلمية في الجنوب الآن تضغط من أجل الانفصال مجدداً، وهنالك كلام كثير ومتواتر عن سياسة تمييز ووصاية ضد السكان في الجنوب. وكذلك في الشمال، فقد شهد هذا الصيف عدداً من التظاهرات العنيفة ضد الحكومة في صنعاء.
وأيضاً هنا مما يدعو للتساؤل، تقاعس النظام العربي عن الإسهام في حل المشاكل اليمنية، في الوقت الذي تسارع تركيا إلى التوسط لحل مسألة التمرد الحوثي على النظام. المشهد العام في العالم العربي في هذه المرحلة، يشي بإمكانية تفكك وتحلل العديد من الدول العربية، وفي المقدمة لبنان والعراق وفلسطين واليمن والسودان والصومال. ولكن تفجر هذه الدول لن يكون نهاية الانحدار، وعدم الاكتراث بهذا التفكك لن يبقي جدران سورية والأردن والسعودية ومصر وباقي الدول العربية بمنأى عنه. وكل النظام العربي يتحمل مسؤولية وقف التدهور الخطير الراهن، وفي المقدمة مصر والسعودية وسورية والأردن.
–II–
ويهمنا هنا كسوريين أن نتناول المطلوب من النظام السوري إزاء الوضع العربي الراهن، الآيل إلى التفجر والتفكك والفوضى؟
في اعتقادنا، لا يوجد سياسة خارجية لدولة ما، منقطعة عن كونها امتداداً للسياسة الداخلية. وهذا ينطبق على النظام الحاكم في سورية، فهو ينطلق منذ نشأته من استراتيجية الحفاظ على السلطة ووجودها ومصيرها، وليس من استراتيجية تنمية المجتمع والعمل على تمتين وحدته وقوته والحفاظ على الدولة. ولذلك فإذا نظرنا لمسار النظام منذ بداياته؛ نرى أن ثوابته الأساسية، في عهدي الرئيسين حافظ وبشار الأسد، تتمحور حول الحفاظ على السلطة، وإعادة إنتاجها بالنهج والمسار ذاتهما اللذين اختطتهما لنفسها منذ عام 1970، وذلك من خلال السيطرة بالقوة والغلبة على المجتمع، وعزل الشعب بمختلف قواه السياسية والمدنية والاجتماعية عن المشاركة في القرار السياسي وإدارة البلاد. وكل ماعدا ذلك من طروحات وشعارات تتعلق بالمقاومة والممانعة يعتبر تفاصيل، يمكن تغييرها تكتيكياً لخدمة هذا الهدف الأساس والرئيس.
فمنذ حوالي أربعة عقود، ما يجري في سورية لم يكن غير تكريس السلطة القائمة وإعادة إنتاجها بمواصفاتها ذاتها، في الوقت الذي كانت مسألة بناء الدولة وتطويرها وتنميتها باتجاه الحداثة والعقلانية والمدنية والمواطنة أمراً ثانويا وهامشياً. هذا المرتكز الأساس في سياسة النظام الداخلية لا يزال، هو الذي يحرك سياساته الخارجية.
لكن بعد عام 2000 استمر النظام في عهد الرئيس بشار الأسد، بالثوابت الذاتها: في الداخل قمع المعارضة السياسية والمجتمع المدني، وفي الخارج الاستمرار في توجيه رسائل الطمأنة للغرب وطلب تجديد التفويض في لبنان وغير لبنان مدعياً أنه النظام الأقدر على احتواء الأخطار وتجاوز الخطوط الحمراء في المنطقة.
لكن المتغيرات الدولية، ومن ثم التغيرات الإقليمية وانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني واحتلال العراق وسقوط نظام صدام حسين الذي كان قائماً على المعادلة ذاتها القائم عليها النظام السوري، كل هذه التغيرات أصبحت على تناقض مع الثابت الرئيس للسياسة الخارجية السورية. ولذلك بدأت سياسة النظام تبدو متوترة ومغامرة وبدأ ينتاب النظام القلق المتزايد على وجوده ومصيره. وابتدأت هذه المرحلة تقريباً منذ عام 2004، حين بذلت السلطة كل جهدها لكي تمدد للرئيس اللبناني إميل لحود أملاً في استمرار السيطرة على لبنان، وأزداد قلق النظام بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وما أعقبه من تداعيات على الساحة اللبنانية بدءاً من انسحاب الجيش السوري وانتهاء بالمحكمة الدولية. ويبدو أن هنالك أوساطاً نافذة في داخل النظام تحاول أن تفهم محاولة الغرب فتح بعض الأقنية الدبلوماسية على سورية الحوار معها تأكيداً على صحة السياسة الخارجية السورية. وإذا كانت وجهة النظر هذه هي الراجحة، فستشكل وبالاً على سوريا و الشعب السوري بشكل عام.
نحن لسنا على الإطلاق مع تعكير العلاقات مع الدول الإقليمية الجارة(تركيا وايران)، بل مع إقامة أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، ولكننا نعتقد أن إقامة علاقات تحالفية مع هذه الدول على حساب العلاقات مع المحيط العربي، قد تجلب أكثر الأخطار على بلدنا وشعبنا وتضعها في دائرة الخطر. ونحن نرى أن سياسة الأحلاف التي يدعو إليها النظام الآن في المنطقة، تشكل خطراً على المصالح الوطنية والقومية للشعب السوري وعلى الدور التاريخي لسوريا، ولبلادنا تاريخ حافل من الصراع ضد الأحلاف في المنطقة، والقوى الكبرى التي حاولت فرضها حفاظاً على الاستقرار الوطني، ومن أجل بناء أفضل العلاقات مع الفضاء العربي المحيط. وإن الحلف المقترح بين تركيا والعراق وسوريا وإيران، فهو عدا عن كونه حلفاً لا يتسم بالواقعية و إمكانيةالتحقيق، هو بكل المستويات يدخل في إطار مواجهة البيت العربي، وتهديداً لأمنه واستقراره.
في رأ ينا، لقد حان الوقت لأن تعود سورية إلى محيطها العربي، وعودتها هذه تتطلب من السلطة الحاكمة الشروع في سياسة خارجية جديدة، تقوم على نزع فتيل التوتير والتعطيل في لبنان واحترام سيادته واستقلاله وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وكذلك العمل في الساحة الفلسطينية على تيسير كل السبل وتوفير كل الإمكانيات لتوحيد الفلسطينيين، و عدم التدخل في شؤون العراق والعمل على حماية أمنه وحدوده من تسلل الإرهابيين والمخربين، والمساعدة على توطيد أركان الدولة فيه. ومن غير المجدي بالنسبة إلى سورية الدخول في سياسات متعارضة مع المجتمع الدولي، فمثل هذه السياسات تشكل أفدح الأضرار على بلدنا وشعبنا. إن سياسة خارجية جديدة، قائمة على الانفتاح والحوار والاحترام المتبادل،تخلق المناخات الملائمة التي يمكننا في ظلها استعادة أرضنا المحتلة، والحفاظ على مصالحنا واستقلالنا.
مثل هذه السياسة الخارجية، لا بد وأن تكون امتداداً لسياسة داخلية جديدة تعيد لشعبنا إرادته وإشراكه في تقرير مصيره وبناء دولته الديموقراطية. وهذا يتطلب رفع حالة الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية وتحرير السجناء السياسيين ومنح المواطنين حرية التعبير والقول والكتابة والتنظيم، وتشكيل الأحزاب والجمعيات المختلفة، و تحرير المجتمع المدني من هيمنة السلطة ومنحه إمكانيات توسعه في كل مجالات الشأن العام، وتكريس النظام الديموقراطي القائم على تداول السلطة، والانتخابات الحرة، وسيادة القانون، واستقلال القضاء…
———–