منحت لجنة نوبل النرويجية نرجس محمدي الناشطة الإيرانية المدافعة عن حقوق المرأة جائزة نوبل للسلام لعام 2023، في خطوة اعتبرت على نطاق واسع تكريماً لحركة “نساء حياة حرية” التي نشأت في إيران غداة مقتل الشابة الكردية مهسا أميني في الاعتقال تحت وطأة التعذيب.
ومحمدي هي المرأة التاسعة عشرة التي تفوز بجائزة نوبل للسلام وثاني إيرانية بعد الناشطة في مجال حقوق الإنسان شيرين عبادي التي فازت بالجائزة عام 2003.
هي من أبرز ناشطات حقوق الإنسان الإيرانيات ومن أشد الرافضين للقمع الذي يقوم به النظام الإيراني، فماذا نعرف عنها؟
نرجس محمدي ناشطة أمضت حياتها في الدفاع عن حقوق الإنسان في إيران، حيث ظلت سجينة معظم العقدين الماضيين. وحُكم عليها مراراً بسبب حملتها المتواصلة ضد عقوبة الإعدام والحبس الانفرادي، والتي كان عليها أن تتحملها لأسابيع في كل مرة.
محاربة النّظام “باهظة الثّمن”
وتقول صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية إن محمدي نشأت في مدينة زنجان شمالي إيران، في أسرة من الطبقة المتوسطة، حيث عمل والدها طباخاً ومزارعاً، وبرزت محمدي بسبب انتقاداتها اللاذعة للأوضاع في بلادها، خاصة في الفترة الأخيرة مع الاحتجاجات التي اندلعت بعد مقتل الشابة الكردية مهسا أميني.
وفي مقابلة أجرتها مع وسائل إعلام أميركية قالت محمدي إنها عندما كانت صغيرة، قالت لها والدتها ألا تصبح ناشطة سياسية أبداً، لأن ثمن محاربة النظام في بلد مثل إيران سيكون باهظاً للغاية.
وسلّطت محمدي الضوء على انتهاكات تمارسها السلطات الإيرانية بحق المسجونين، إذ نشرت رسالة من السجن كشفت فيها عن تعرض سجينات لاعتداءات جنسية، كما أشارت إلى حالات اغتصاب نساء أثناء استجوابهن.
والناشطة الإيرانية اعتُقلت مرات عدة، آخرها كان في أيار (مايو) من عام 2015. وهي تقضي اليوم أحكاماً متعددة في سجن إيفين في طهران ومجمل العقوبات 12 عاماً تقريباً، وذلك وفقاً لمنظمة “فرانت لاين ديفندرز” المعنية بالدفاع عن الحقوق.
ومن خلف القضبان، ساهمت محمدي بمقالة رأي لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وكتبت محمدي: “ما قد لا تفهمه الحكومة هو أنه كلما زاد عدد السجناء منا، أصبحنا أقوى”.
وحُكم عليها أيضاً بالجلد 154 جلدة، وهي العقوبة التي تعتقد جماعات حقوق الإنسان أنها لم تطبق حتى الآن، بالإضافة إلى حظر السفر وغيره من أشكال الحظر.
وقبل سجنها، كانت محمدي نائبة رئيس مركز المدافعين عن حقوق الإنسان المحظور في إيران. وكانت قريبة من عبادي التي أسست المركز.
وعام 2018، حصلت محمدي على جائزة أندريه ساخاروف لعام 2018.
وفي رسالة وجهتها في نيسان (أبريل) بعد فوزها بجائزة “يونسكو” العالمية لحرية الصحافة، قالت إن “النظام الإيراني يعتزم من خلال دعم هجمات الغاز على المدارس، منع تعليم الفتيات مثل طالبان أفغانستان”.
وتابعت أن “الجمهورية الإسلامية، مثل حركة “طالبان” الأفغانية، تسعى إلى حرمان الفتيات من حقهن في التعليم، والاختلاف هو أن “طالبان” تعلن ذلك عبر مكبرات الصوت في الوزارات، لكن الجمهورية الإسلامية تتبع هذا الهدف بسياسة خادعة”.
“قلب ينكسر”
لم ترَ محمدي طفليها منذ ثماني سنوات، وكتبت في إجابات من زنزانتها في سجن إيوين لـ”وكالة فرانس برس”: “لم أرَ طفلَي كيانا وعلي منذ أكثر من ثماني سنوات، ولم أسمع صوتيهما منذ عام ونصف عام. إنها معاناة لا تحتمل ولا توصف”. ويعيش زوجها وطفلاها التوأمان البالغان 16 عاماً في فرنسا.
وبحسب منظّمة “مراسلون بلا حدود”، تتعرّض محمدي التي تُرسَل في بعض الأحيان إلى الحبس الانفرادي أو تُحرم من المكالمات الهاتفية، لـ”مضايقات من القضاء والشرطة لإسكاتها”،
وكتبت محمدي: “ثمن النضال ليس فقط التعذيب والسجن، بل إنّه قلب ينكسر مع كل حرمان، في معاناة تخترق عظامك حتى النخاع”.
وأضافت: “ليس لدي أي أمل في الحرية تقريباً”.
من وراء القضبان
وفي رسالة من سجنها في إيفين، قالت: “أتطلع إلى المساهمة في إحداث تغيير عميق في المجتمع. إنّ دور الشعب في إحداث تغييرات أساسية ودائمة أمر حاسم لإرساء الحرية والديموقراطية والمساواة. خلال 29 عاماً من النّضال الاجتماعي، تعلّمت ألّا أغفل عن تأثير عوامل أخرى، مثل السلطة السياسية”.
وتحدّثت محمّدي عن ثقتها في مستقبل الحراك الشعبي في إيران وقالت: “لم تتمكّن حكومة الجمهورية الإسلامية من قمع احتجاجات الشعب الإيراني، فيما تمكّن المجتمع من تحقيق أمور هزّت أسس الحكومة الدينية الاستبدادية وأضعفتها”.
وأضافت “ساهمت الحركة الاحتجاجية في تسريع عمليّة السعي إلى الديموقراطية والحرية والمساواة” التي أصبحت الآن “لا رجعة فيها” وفق قولها، رغم حملة القمع التي تسبّبت بمئات القتلى، وفق منظمات غير حكومية، وآلاف التوقيفات منذ عام.
وتابعت محمدي أنّ الاحتجاجات التي كانت حاشدة عندما انطلقت عقب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني بعد توقيفها من شرطة الأخلاق لعدم التزامها قواعد اللباس الصارمة، لم تعد ظاهرة الآن لكنها تنتشر في المجتمع.
وأشارت إلى أنّ النساء هن على خط المواجهة، ودورهن “حاسم” بسبب عقود من “التمييز والقمع” في حياتهن العامة والشخصية.
“النهار العربي”