يتحدّث أطباءُ نبلاء مرابطون في غير مستشفى بقطاع غزّة، في أتون المذبحة الإسرائيلية المتواصلة هناك، إن ذلك المستشفى خرَج من الخدمة، وذاك قد يخرُج منها في أي لحظة، جرّاء الاستهداف المتعمّد للمستشفيات في القطاع بالقذائف، وقد استُشهد طبيبان أمس. وفيما كانت الحرب العدوانية على المنشآت الطبّية هناك تتوالى أخبارها على شاشة التلفزيون، تزامنا مع إدلاء رئيس النظام في سورية، بشّار الأسد، كلمته في القمّة العربية الإسلامية في الرياض، جاء إلى البال أن إخراج مستشفىً من الخدمة ليس جديدا تماما على أسماعنا، وليس صنعةً إسرائيليةً محضة، فقد اقترف نظام الأسد هذا الفعل، بعونٍ روسيٍّ مشهود، في غير موضع من سورية. وذلك مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية أعلن، في إبريل/ نيسان 2017، أن من بين مستشفياتٍ خرجت عن الخدمة في شمال سورية، بعد قصفٍ من النظام والطيران الروسي، واحداً متخصّصاً في الولادة ورعاية الأطفال. وعلى ذمّة “رويترز”، في حينه، إنه جرى قصف مستشفيين في قريتيْن في محافظة إدلب، “بعد ضرباتٍ أخرى عديدةٍ على منشآتٍ طبّيةٍ في شمال غرب سورية في الأسابيع الأخيرة”. ونقلت الوكالة عن شهود عيانٍ إن خمسةً قُتلوا، بينهم ثلاثة مُسعفين، عدا عن عدّة إصابات. وحسب منسّق المكتب الأممي ذاك، كيفن كيندي، إن من غير المقبول قصف المنشآت الطبية والناس الذين يحاولون إنقاذ حياة آخرين. وقد أخبر الوكالة الإخبارية العتيدة، “أسفرت الهجمات على مستشفياتٍ عن مقتل مئاتٍ من الأطقم الطبية منذ بداية الحرب”.
ليس الغرض هنا التورّط في مجادلةٍ عقيمةٍ عن وطنية بشّار الأسد ونظامه، مع مشايعيه وأنصاره ومحبّيه، ممن اغتبطوا بوجودِه في قمّة السبت. ولا تُستلّ لهذا الأمر تلك الجذاذة الإخبارية من أرشيف النظام السوري المثقل بفظائع مثل هذه وأكثر، من قبيل إعاقة وصول المساعدات إلى المنكوبين والمهجّرين، واقتحام المستشفيات واعتقال أطباء منها بسبب معالجتهم متظاهرين، وإنما هو التذكير بأن واحداً من مظاهر البؤس والركاكة في القمّة المفتعلة أن يُعطى بشّار الأسد حقّ التكلّم عن فلسطين وغزّة والاحتلال وعن “مسؤولياتٍ غير مسبوقةٍ في جسامتها إنسانياً وسياسياً بالحدّ الأدنى هذا، إنْ وضعنا جانباً الأمن القومي لمنطقتنا”، على ما أفضى وسمعناه. ولا يعود استفظاع مشهد الرجل، وهو يقول ما يقول، إلى مفارقة المُضحكات اللواتي كالبكاء، وقد تحدّث عنهنّ المتنبي في قصيدة عن “بلاء” عظيمٍ في مصر، وإنما إلى أن التطبيع العربي إيّاه مع سلطة الحكم في دمشق يتطرّف في تعظيم شأن الأسد الذي لم يردّ تحايا عربياتٍ كثيراتٍ إليه بأحسن منها. كما أنه يقترف في أثناء المذبحة الإسرائيلية في قطاع غزّة مقتلةً نشطةً في إدلب، بالصواريخ والقذائف إياها، استئنافا منه قتل أسباب الحياة في هذه المحافظة التي لا يريد أهلوها التسليم له برئاسته البلاد والعباد. ومن أخبارٍ رشَحت من هناك أن التصعيد العسكري الذي شنّته الآلة العسكرية للنظام (وبعون روسي غالبا) تسبّب في تعليق العيادات عملها، وتوقّف دوام المدارس، واضطرار كثيرين من السكّان إلى النزوح من البلدات والمدن إلى العراء والخلاء.
ولا يجوزُ أن تغيب عن الأنظار الحقائق المشهودة بشأن سلوك نظام الأسد، ليس فقط قلّة احترامه إعادة النظام العربي شخصَه إلى مؤتمرات القمّة، وإنما أيضا، وهو الأهم، أنه لم ير في الحرب العدوانية الجارية في غزّة سوى فرصة لإغماض العيون عن الذي يقترفُه في السوريين في الشمال، تحت راية محاربة الإرهابيين. والبادي أنه، بسبب أحقادِه الباقية والنائمة على حركة حماس اشترط الجهاز الأمني لديه حصول أي مسيرةٍ شعبيةٍ للتضامن مع غزّة على إذنٍ مسبق، لم يُحرزه أحد، فشهدنا المسيرات والاحتجاجات في شوارع لندن وواشنطن وبرشلونة، ولم نشهد مثلها في دمشق وحمص، وهو النظام الذي طالما استخدم الموضوعة الفلسطينية في دعائيّاته القومية الكاذبة إياها، غير أنهم هناك في إدلب شمالا وفي السويداء جنوبا، الخارجتيْن عن سلطته، أكّدوا في اعتصاماتٍ ومسيراتٍ المؤكّد عن ارتباط عموم الشعب السوري بقضية فلسطين وبنصرة أهل غزّة.
زاره قياديون من “حماس”، تعبيرا عن اعتذار عن ازورارهم عنه في مطالع الثورة السورية التي واجهها بالقتل والرصاص، غير أنه استخسَر كلمة حقّ بشأن المقاومة الباسلة في غزّة الصامدة، في كلمته المدرسية الركيكة في قمّة الرياض. … ولكن، من قال إنهم هناك في صمودهم يحتاجونها منه، بل يتوقّعونها؟
“العربي الجديد”