في حديثه أمام مجالس رجال الأعمال السوريين بتاريخ 8 / 2 / 2010، تحدث السيد رئيس الحكومة عن حاجة البلاد لجهود جميع أبنائها من أجل التنمية، وعلى الأخص لمساهمة المبدعين والمنتجين منهم من أجل زيادة حجم الاستثمارات الهامة للنهوض بالاقتصاد الوطني. وقد أكثر من استعمال كلمات الوطن – الوطني – الوطنية إلى درجة أنه شمل القطاعات الاقتصادية ( العام، الخاص، التعاوني، المشترك ) بتعبير واحد، إذ أطلق عليها ما أسماه " الاقتصاد الوطني ". وأوحى لمستمعيه بأن الحكومة تبذل قصارى جهدها لتأمين مشاركة المواطنين في العمل العام والنهوض بمسؤولياتهم الوطنية، وهم الذين يتأخرون عن تلبية الواجب، رغم توسلات الحكومة العديدة والملحاحة. وأعطى انطباعاً بأن حكومته لا تنام الليل سعياً وراء تحقيق هذا القصد.
وفي إحدى لحظات التجلي الحماسي قال : " أنا أسمي رجال الأعمال السوريين الذين بنوا سورية في خمسينيات القرن الماضي، وفي مراحل أخرى ساهموا في بناء دول عربية أخرى بالطيور المهاجرة، وقد حان الوقت لأن تعود هذه الطيور إلى رحاب الوطن لتقوم بدورها الوطني في عملية البناء ".
ليس لأحد أن ينكر أو يتجاهل الشحنة الوجدانية والعاطفية التي يحملها الكلام المذكور، وقد يكون لها موقع وضرورة. لكن المطلع والخبير بتلك الفترة وما تلاها لا بد أن يسأل :
هل زالت الأسباب التي دفعت هذه الطيور إلى الهجرة؟!
وهل وفر السيد رئيس مجلس الوزراء وحكومته الأرضية القانونية والمناخات السياسية والثقافية والاجتماعية، التي وفرها أسلافه رؤساء الحكومات في فترة الخمسينيات التي يقرظها؟!
هل يدعو المستثمرين للعودة والاستثمار في بلادهم على قاعدة المساواة التامة أمام القانون، وفي ظل قضاء مستقل وعادل، ومن خلال توفر الحريات العامة والخاصة التي يحفظها القانون والصحافة الحرة والحياة الحزبية التعددية، كما كان الحال قبل هجرتهم أو تهجيرهم؟!
وهل أمن الشروط القانونية والإدارية المتوازنة لعمل أسواق السلع والمال والعمالة وانتقالها بحرية وفق القوانين الاقتصادية والمصلحة الوطنية، بعيداً عن الرشوة والفساد والابتزاز وسطوة الأجهزة؟!
ألا يشير فشل قانون الاستثمار بعد عقدين على صدوره في جذب الاستثمارات الوطنية والعربية والأجنبية إلى أن الموضوع يتعلق بأكثر من تسهيلات وإعفاءات، وأبعد من الدعوات الوجدانية والحمية الوطنية. بل يتجاوز الاقتصاد ليطرق أبواب السياسة والنظام العام في البلاد؟!
وماذا عن المهاجرين والمهجَّرين الآخرين؟! أليست سورية بحاجة إلى جهودهم أيضاً؟!
عشرات الآلاف من الكوادر السياسية والثقافية والعلمية الأكاديمية والمجربة، التي أعدتها البلاد من أجل خدمة شعبها، غير أن الاستبداد نجح في " تطفيشها "، ووضعها بخدمة الشعوب الأخرى في أربع أصقاع الأرض. وهل من أمل بعودتهم أو استعادتهم على الأرضية نفسها التي أدت إلى تهجيرهم؟!
وإذا كانت السلطة تؤمن بحاجة سورية لجهود جميع أبنائها وبضرورة حشد طاقاتهم في الداخل وفي بلاد المهجر، فلماذا لا توفر الأسباب الواقعية والموضوعية اللازمة لتأمين هذا الحشد على أرض الوطن؟! وهل يمكن أن يتم ذلك دون إصلاح جذري شامل وتغيير؟! فالوطن الذي يوفر الحريات الديمقراطية والمساواة التامة لجميع مواطنيه هو وحده القادر على جذب طيوره المهاجرة من أجل العودة. ومن دون شك فإن السوريين في الخارج يتوقون لهذه الفرصة، وينتظرون تحقق هذا الشرط.
" إن كل مواطن مسؤول مسؤولية مباشرة عن تقديم كل ما يقدر عليه لإعلاء شأن الوطن، سواء أكان في الإطار السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.. ولدينا طاقة كامنة يجب أن تتفجر.. " يضيف رئيس الحكومة.
هكذا إذن.. السلطة تدعو المواطنين لمباشرة مسؤولياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهم يتمنعون. قدمت لهم الأسباب التي توفر المشاركة بالشأن العام الوطني وهم الذين يتأبون ويترددون. مسكينة هذه الحكومة، عملت ما عليها غير أن الشعب يتخلف عن أداء واجباته وممارسة حقوقه، وهو المسؤول عن عدم تفجير الطاقات الكامنة فيه.
رفقاً بالناس أيها السادة، بل رفقاً بالحقيقة وعقول السامعين. فالحق بيّن والباطل بيّن. السلطة وحدها تتحمل مسؤولية هدر طاقات الشعب السوري وتبديدها، عبر إصرارها على الاستمرار بنفس العقلية ونفس النهج والتمسك بنظام الاستبداد. وخليق بها أن تمارس مسؤولياتها الوطنية تجاه الشعب أولاً، ليحق لها أن تطالبه بمثل ذلك.
18 / 2 / 2010
هيئة التحرير