مؤتمر ما يُتوهّم “وحدة الموقف لمكوّنات إقليم شمال شرق سورية”، لقسد وأخواتها وأشباهها جاء بنتائج مخالفة لمرامي القائمين به وعليه! فكان مؤتمر “وحدة الموقف للخارجين على الدولة والقانون”! إيديولوجياً مسبق التخيّل، أو مستحيلاً لا يقارب كل ممكنات الواقع الجديد ومتغيّراته، إذ أن الحاضر إمّا داعية انفصال، أو انفصالي بجلباب مشاريع للتسويق السياسي، أو مَن يقرأ الواقع ومتغيّراته بالمقلوب! فقد شارك “غزال الساحل” و”مهجِّر السويداء” و”شبّيحة النظام البائد”؛ ترويجاً لبضاعة كسدت في سوق المرحلة السورية، وجَلْباً لشفقة مَن يخالونهم صُنّاع القرار، تقوية لطروحات خَبَت معانيها وتآكلت، وهي تناحر تياراً يدعو لبناء دولة حديثة قوية موحّدة تنهض بعد كبوات عقود! وكأنما تسعى إلى مزيد من تبديد الجهود وتفويت فرص قطع طريق الآلام السورية! فإن كان “شيوخ قسد” العرب قد انسحبوا بعد إدراكهم اللعبة فإن الكُرد أغلبهم لم يشاركوا، ولكلّ ملاحظاته وأسبابه، وما حضر إلا جاهل بأن المرحلة الانتقالية وإعلانها الدستوري، لا يمكنها تحقيق ما يطرحون!
فالمتغيّرات الإقليمية والدولية تبحث عن استقرار المنطقة، ليس حبّاً بشعوبها، بل صوناً لمصالح واستثمارات كبرى لا يمكن العبث بها، فهي منطقة النفط والغاز والممرات البرية والبحرية والمعادن، وخطوط التجارة والاتصالات والموانئ وما يريده مؤتمر “الأقلّويين” لا يشي بفهم المعادلة الدولية في سورية وتعقّد الصراع فيها وعليها، فيتسابقون للانجراف في مشاريع على حساب وطنهم!
لذا لا جديد عند ” قسد ” إلا لفْت النظر وبهرجة الحضور في احتفالية إعلامية استعراضية، فيضعون العلم الوطني السوري وسط أعلامهم، واستحضار مَن خرج على الدولة وأهان رموزها؛ ليؤكّد طريقه وطريقهم، الذي لن يتمكّنوا، من اجتيازه، وهم أسرى مرتهنون لأعداء الوطن لتفتيت وحدته، والاستئثار بفرض إرادتهم بالقوة التي لا تريد تمكين الدولة منها عبر الحوار.
يرومون استعراض وحدة صفّ قوى المارقين ضغطاً وابتزازاً، للحصول على مكاسب وتنازلات في أي حوار، تسوقهم أوهامهم أنهم رابحون بعد انكشاف أحابيلهم للقاصي قبل الداني، فاستجلبوا مزيداً من التدخلات الخارجية استقواءً؛ لفرض شروط تعيق تقدّم ووحدة سورية.
والواقع قبل الوقائع يؤكّد ألّا أحد ضد مشاركة مكوّناتِ سورية في بناء الدولة الجديدة، أو ضد حقوقهم في كل المجالات، أو ضد ما يُستفتى عليه السوريون في الدستور المرتقب بانتهاء المرحلة الانتقالية لكل المكونات، أمّا أن تفرض رؤية لشكل الدولة بالقوة أو الاستقواء، فتكون دولة داخل دولة لتثبت المشاركة، أو أن تستثمر في وقائع مؤلمة هنا أو هناك، وتدعو الخارج للحماية، بينما القانون والقضاء يمكنه أن يفعل ذلك، أو تستند على قوى خارجية لفرض الإرادة، أو تعتمد القوة لتحصل على ما لا تستحقّه، مستغلّاً الظروف الصعبة المحيطة بالدولة الجديدة، ليعود للفدرلة بعد الوحدة، فيكون مثالاً معاكساً للتاريخ، إلا أن ذلك تبدّده أفاعيل التائهين في أحلام لامركزية غامضة، لا يعرفون عنوانها، ولا انعكاسات تفعيلها في مرحلة انتقالية لمّا تتمكّن من إمساك أمور البلد المزروعة خواء وفساداً وإفلاساً ودماراً وحاجة لأساسيات استمرار حياة الناس بعد عقد ونصف من الانهيار والنهب والخراب.
وإن كان مؤتمِرو الحسكة، يريدون تفصيل لا مركزيتهم على مقاسهم بقوة السلاح، وفرض تشاركيتهم على هواهم بمحاصصة طائفية وقومية، فهم يعرفون ألّا أحد لا يريد الحوار باللامركزية الإدارية، ولا أحد ضدّ حرية المعتقد والرأي والتعبير والمواطنة التي تحميها القوانين، في دولة يشارك في صياغة عقدها الاجتماعي كل السوريين، وتضمن الحقوق والمساواة لكل مكوّناتها، وتفصل بين السلطات، وتقدّم الانتماء للوطن على كل الانتماءات الفرعية الأخرى، وحصر القوة بيد الدولة.
فإن كان شعارهم اليوم وحدة الصفّ، فهم يتوحّدون ضدّ الدولة التي لم يقرّ دستورها، لا معارضو رأي، وإن وافقت الحكومة الانتقالية على كلّ ما يطلبون، وهو ليس من حقها، فلن ينصاعوا لأن لعبتهم المفضلة المماطلة والتسويف والانقلاب كلما تغيّر الواقع؛ فيقتنصوا ما يستثمرون فيه، لينتجوا في الخلفية تشتيتاً وتعميقاً للشروخ الاجتماعية، ويعملوا بدأب على هدر القوى وتأجيل الانطلاقة إلى غد مشرق لسورية الجديدة.
- رئيس التحرير