لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للأستاذ في القانون العام في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية (سواس) بجامعة لندن، نمر سلطاني، قال فيه إن تصريحات الدول الغربية حول الاعتراف بدولة فلسطينية “ليست سوى دعاية” تخفي الحصانة التي تمنحها تلك الدول لإسرائيل في ارتكاب الفظائع ضد الفلسطينيين.
وأشار سلطاني إلى صعوبة وصف الألم الناتج عن مشاهدة شعبه يُدمَّر لأكثر من 670 يوما، واعتبر أنه “لأمر لا يصدق” أن نشهد تصعيدا إسرائيليا آخر بعد كل هذه المعاناة والجرائم في قطاع غزة. وتساءل: “كيف يُمكن السماح بهذا على مرأى ومسمع من العالم كل هذه المدة؟ هل سيقف العالم مكتوف الأيدي؟”.
وأوضح أن مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي أعلن التصعيد حين وافق على خطة “احتلال كامل” لقطاع غزة ومهاجمة التجمعات السكانية، بدءا من مدينة غزة نفسها، محذرا من أن عواقب هذا الهجوم يمكن التنبؤ بها. واستشهد بتجارب سابقة، منها هجوم إسرائيل على رفح في أيار/ مايو 2024، رغم التحذيرات الدولية وتحدي أمر محكمة العدل الدولية، ما أدى إلى محو رفح عن الخريطة. كما أشار إلى الهجمات على بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا الشمالية في أواخر 2024، والتي وصفها وزير الدفاع السابق موشيه يعلون بـ”التطهير العرقي”، وانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار من جانب واحد، وفرض المجاعة على مليوني فلسطيني وتدمير مدينة خان يونس.
وأكد سلطاني أن كل تلك الإجراءات مثّلت انتهاكات واضحة لثلاثة أحكام أصدرتها محكمة العدل الدولية في 2024 بشأن الإبادة الجماعية، والتي نصت على ضرورة اتخاذ إسرائيل تدابير لمنع الإبادة، بما في ذلك تقديم مساعدات إنسانية غير محدودة. وبحسبه، “دأبت إسرائيل على انتهاك هذه التدابير”، وأن الهجوم على مدينة غزة سيكون “أحدث مراحل حملة الإبادة الجماعية” في القطاع.
وذكّر بأن القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين أعلنوا بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أنهم سيدمرون غزة ويحرقونها ويسوونها بالأرض، وهو ما شرعوا بتنفيذه فعليا، حيث دُمّر 90% من القطاع، وحُشر السكان في 12% من مساحته في ظروف إنسانية قاسية. وأوضح أنه “بالحصار والقصف، لم تترك إسرائيل أي مكان آمن أو مخرج للمدنيين”، وأن أي هجوم على ما تبقى من التجمعات السكانية في غزة أو دير البلح أو المواصي سيعني المزيد من المجازر والنزوح والتجويع.
وتساءل: “ما هو هدف إسرائيل؟” وأجاب بأن الاحتلال سيكون “مؤقتا” بحسب التصريحات الإسرائيلية، لكنه شبه هذا الخطاب بـ”الأورويلي” الذي يخفي النوايا الحقيقية، مذكّرا بأن الاحتلال “المؤقت” للأراضي الفلسطينية والسورية عام 1967 أصبح دائما، وأن محكمة العدل الدولية قضت في تموز/ يوليو 2024 بأن الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية “غير قانوني” وينتهك قواعد جوهرية في القانون الدولي.
الحديث عن “احتلال كامل” في أغسطس 2025 لا يمكن أن يكون سوى كناية عن هدف آخر في سياق الإبادة الجماعية
وأضاف أن المحكمة اعتبرت إسرائيل محتلة لغزة حتى قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وبالتالي فإن الحديث عن “احتلال كامل” في آب/ أغسطس 2025 لا يمكن أن يكون سوى كناية عن هدف آخر في سياق الإبادة الجماعية. وبيّن أن هذا الهدف هو السعي وراء “الوهم المسياني” و”إسرائيل الكبرى” عبر “أكبر مساحة من الأرض وأقل عدد من العرب”، وهو ما يتجلى في التهجير القسري في الضفة الغربية والدعوات إلى “إعادة توطين” غزة.
ولفت إلى أن نتنياهو لا يسعى لتحرير غزة من حماس، بل لإفراغها من سكانها الفلسطينيين. وأشار إلى أن الأمم المتحدة أعلنت في كانون الثاني/ يناير 2024 أن غزة أصبحت “غير صالحة للسكن”، وأن وزير الدفاع السابق يوآف غالانت قال في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 إن الجيش “لم يتبقَّ له شيء ليفعله” في غزة، متسائلا: “إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يفعله الجيش هناك منذ ذلك الحين؟”.
النشاط الإسرائيلي الأبرز في غزة مؤخرا هو “الهدم المنهجي للمباني” على يد مقاولين مدنيين
كما بيّن أن نوايا إسرائيل واضحة، إذ ضاعف نتنياهو في كانون الثاني/ يناير 2024 من رفضه القاطع لفكرة الدولة الفلسطينية، وأيدت أغلبية الكنيست ذلك الموقف، فيما انتقدت الأمم المتحدة في نيسان/ أبريل 2024 توسع “المناطق العازلة” في غزة لما يعنيه ذلك من تهجير دائم. واستشهد بتصريح نتنياهو في أيار/ مايو 2025 الذي نقلته “تايمز أوف إسرائيل”، وفيه أكد أن تدمير المنازل في غزة يهدف إلى منع الفلسطينيين من العودة إليها، فيما أعلن وزير الدفاع يسرائيل كاتس في تموز/ يوليو 2025 عن خطة لرفح المهدمة شبّهها إيهود أولمرت بـ”معسكر اعتقال”.
وأشار إلى أن النشاط الإسرائيلي الأبرز في غزة مؤخرا هو “الهدم المنهجي للمباني” على يد مقاولين مدنيين، معتبرا أن تصريحات نتنياهو بأن “غزة” – وليس حماس – “لن تشكل تهديدا” تكشف الهدف الحقيقي للحملة، والذي لا يتعلق بحماس أو بالأهداف العسكرية أو حتى بالرهائن، بل “بإبادة جماعية تستهدف حرمان الفلسطينيين من الحرية وفرض التفوق اليهودي من النهر إلى البحر”.
فشل الغرب لعقود في اختبار التزامه بحقوق الإنسان والقانون الدولي، ومنح إسرائيل حصانة وسلاحا مكّناها من ارتكاب الفظائع
وختم سلطاني بالقول إن إسرائيل، بتعهدها بمزيد من التصعيد، تفي بوعد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في نيسان/ أبريل 2024 بـ”الإبادة الكاملة”، وإن الغرب فشل لعقود في اختبار التزامه بحقوق الإنسان والقانون الدولي، ومنح إسرائيل حصانة وسلاحا مكّناها من ارتكاب الفظائع. وأكد أن “التصريحات الأخيرة حول الاعتراف بدولة فلسطينية ليست سوى حيلة دعائية” تخفي غياب أي فعل حقيقي، داعيا إلى اتخاذ إجراءات فورية وفعّالة لوقف إسرائيل، بما في ذلك فرض العقوبات وحظر السلاح وتعليق العلاقات ودعم المحاكم الدولية، محذرا: “ما لم يُتخذ أي إجراء، فإن غزة – كما وصفها سموتريتش – ‘ستدمر’”.
- القدس العربي