سعت الهند إلى إعادة إحياء علاقاتها مع سوريا عبر إرسال أول وفد دبلوماسي رسمي منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، في خطوة تهدف إلى حماية مصالحها وتعزيز التعاون في مجالات حيوية.
وكان وفد هندي برئاسة سوريش كومار، السكرتير المشترك في وزارة الخارجية، قد وصل إلى دمشق في أواخر تموز/يوليو، حيث التقى كبار المسؤولين السوريين، بمن فيهم وزير الخارجية أسعد الشيباني، لبحث آفاق التعاون الصحي والفني والتعليمي، ووضع أسس للمساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار المستقبلية.
موازنة بين المخاطر والفرص
يرى محللون أن الخطوة الهندية تمثل محاولة لعدم تهميش الحكومة السورية الجديدة في مسار إعادة الإعمار، وإشارة إلى استعداد نيودلهي للتعامل مع أنظمة متنوعة لتعزيز الاستقرار.
وفي هذا السياق، قال مدثر قمر، الأستاذ المشارك في مركز دراسات غرب آسيا بجامعة جواهر لال نهرو في دلهي، في تصريح لـ”دويتشه فيله”، إن تواصل الهند يعزز صورتها كقوة غير منحازة مستعدة للتعامل مع أنظمة متنوعة لتعزيز الاستقرار”.
وأفاد قمر أن تقديم أصدقاء الهند الإقليميين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، دعمهم لسوريا في هذه المرحلة الانتقالية الحاسمة، يساعد الهند في تعاملاتها أيضاً.
كما أن بروز سوريا كعنصر رئيسي في العلاقات بين تركيا وإسرائيل، يجعلها ذات أهمية استراتيجية لمصالح الهند الإقليمية بحسب قمر، وأضاف أيضاً: “للهند مصلحة في مستقبل سوريا فيما يتعلق بالطاقة والعوامل الاقتصادية والاستراتيجية، ومن المهم بالفعل تطوير تعامل حذر مع الحكومة الجديدة”.
مصالح استراتيجية للهند
تسعى الهند إلى ضمان استقرار سوريا لحماية طرق التجارة وممرات الطاقة، إضافة إلى حماية مواطنيها المتبقين هناك. واعتبرت شانتي مارييت ديسوزا، المديرة التنفيذية لمنتدى مانترايا البحثي، أن أي دعم في إعادة الإعمار أو المساعدات الإنسانية سيكون موضع ترحيب من دمشق.
وقالت ديسوزا لـ DW: “إن التعاون بين الهند والحكومة السورية الجديدة سيكون خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقرار الإقليمي، بحيث يمكن تمكين النظام الجديد من منع سوريا من أن تصبح ملاذاً للجماعات المتطرفة، وكلما بدأ التواصل في وقت مبكر يمكن للهند أن تحمي مصالحها وتقلل من خطر الفراغ الاستراتيجي الذي قد يستغله الآخرون”.
ليست الهند وحدها، بل دول عديدة أخذت الواقع السياسي السوري الجديد بعين الاعتبار وبدأت تعدّل في سياساتها الخارجية، سواء التي حافظت على علاقات جيدة مع نظام الأسد السابق أو التي سعت إلى إسقاطه، بهدف الحفاظ على مصالحها المتمثلة في الاستقرار والنفوذ والأمن الإقليمي، وبهذا الصدد قالت ديسوزا: “تمثل الزيارة اعترافاً من الهند بأن حقبة الأسد في سوريا قد انتهت، وأنها بحاجة إلى إعادة صياغة سياسة التعامل مع النظام الجديد، الذي يمثل مركز قوة جديد”.
علاقات مستمرة رغم الحرب
ورغم الحرب التي امتدت لـ14 عاماً، أبقت الهند على سفارتها في دمشق مع تقليص طاقمها، وهو ما وصفه مسؤولون هنود بأنه رؤية بعيدة المدى.
ووفقاً لموقع “هندستان تايمز”، فإن التحرك الدبلوماسي الهندي نحو دمشق جاء مدفوعاً بالموقع الجيوسياسي المهم لسوريا في غربي آسيا، كونها تتقاسم الحدود مع خمس دول رئيسية في المنطقة، إلى جانب العلاقات التاريخية بين البلدين، ونقل الموقع عن مصدر مطلع، عقب الزيارة الدبلوماسية، أن “الهند كان لا بد أن تسجل حضورها، وكان لا بد من فتح الباب في وقت ما”، في إشارة إلى أهمية هذه الخطوة في العلاقات الثنائية.
توازن إقليمي ونفوذ دولي
وفي توصيف العلاقات بين البلدين، قال أنيل تريغونايات، الدبلوماسي الهندي السابق لـ DW: “لطالما تمتعت الهند بعلاقات جيدة مع سوريا وشعبها حتى في سياقها التاريخي والحضاري، ولطالما دعمت الهند الحل الذي تقوده سوريا من خلال الحوار والدبلوماسية”، وأضاف أن علاقة الهند مع سوريا هي جزء من علاقة ثنائية كأي علاقة أخرى تسعى إليها الهند.
وبصفته رئيساً لمجموعة خبراء غرب آسيا في مؤسسة فيفيكاناندا الدولية وهي مؤسسة بحثية مقرها نيودلهي، قال تريغونايات “إن نفوذ إيران في سوريا ضعيف اليوم، ولكن تتمتع تركيا بنفوذ كبير من خلال علاقتها مع الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي يتصرّف بدوره بذكاء من خلال محاولة الانخراط مع قوى أخرى، بما في ذلك الهند، إلى جانب الدول الغربية والعربية”، وأضاف: “وبالمثل يجب على الهند التواصل مع جميع الشركاء في غرب آسيا، بما في ذلك سوريا، سواء أكان هناك فراغ أم لا”.
- تلفزيون سوريا