لا تزال حالة المراوحة والاستعصاء تسيطر على السويداء. لم تحرز خريطة الطريق التي توافقت عليها السلطات السورية مع الأردن والولايات المتحدة تقدماً ملحوظاً لأسباب كثيرة، منها ما هو مرتبط بالانشغال الدولي بغزّة والتطبيع المحتمل بين دمشق وتل أبيب، ومنها ما هو متعلق بالتعنّت الداخلي من قبل الشيخ حكمت الهجري ورفضه كل الحلول المطروحة.
لقاء تشاوري موسّع
لكن تبقى خريطة الطريق المذكورة، الحل الأمثل الذي ستعود إليه الأطراف المعنية متى حان الوقت لإنهاء ملف السويداء. وانطلاقاً من هذا المبدأ، تطرح بعض هيئات المجتمع المدني في المحافظة الدرزية، مقترحات من شأنها تسريع عجلة الحلول، كان آخرها مقترح لقاء تشاوري جامع في السويداء، تعمل عليه “مبادرة مثقفي ونشطاء المجتمع المدني في السويداء”.
يقوم الحوار المقترح على جملة من العناوين، أبرزها رفض التفرّد بقرار السويداء ومصيرها، ووضع إطار تشاوري لمواجهة فوضى السلاح والأمن والإدارة والخروج من حالة الاستعصاء، والتوافق على آلية حكم محلي على أساس اللامركزية مع الدولة السورية تنسجم مع خريطة الطريق، فضلاً عن التواصل مع الهيئات السورية المعنية بالمرحلة الانتقالية لضمان الاعتراف بدور المجتمع المدني.
مبادرة مدنية ومستقلة
وقال مصدر في السويداء على صلة بمنظمي المبادرة لـِ “المدن”، إن أصحاب المبادرة هم شبّان يحاولون أن ينشطوا على الخط السياسي – الاجتماعي، ويصفهم بـِ “المفكرين وأصحاب الاجتهاد الفكري والرؤيوي”. ويشير إلى أنهم “مستقلون لا يتبعون لأيّة مرجعية في السويداء”، نافياً أن يكون هؤلاء على صلة بالشيخ الهجري، أو بنظام الأسد. لكنهم في الآن عينه، وفقاً للمصدر، “قوىً مدنية ضعيفة سيصطدمون بقوّة الهجري وفصائله المسلّحة”.
لم يحدّد موعد الحوار، ولا مكانه، ولا الشخصيات التي ستُدعى إليه، وفق ما يقول المصدر، مضيفاً أن ما انتشر هو “مجرد فكرة الحوار بهدف جسّ النبض في السويداء، وتقصّي مدى قابلية الفكرة المطروحة”. ولهذا السبب طلبت المبادرة تواقيع المؤيدين لها.
ويشير المصدر إلى أن المبادرة “في طور التشاور ورصد ردود الفعل ووجهات النظر، وستكون بحالة اسمتهال على المدى القصير”.
وفي تقييمه للعناوين العريضة المطروحة للحوار المذكور، يقول المصدر إن الورقة “هامة”، مضيفاً أنها “تنطلق من خريطة الطريق التي تم التوافق عليها بين دمشق وعمان وواشنطن، كونها تضمن حقوق السويداء وتؤكّد هويتها السورية”. ويشير المصدر إلى بعض البنود التي من الممكن أن تُعدَّل “حتى لا تصوّر كأنها طريق نحو الفيدرالية أو الحكم الذاتي”.
ردود الأفعال على المبادرة
العين على كيفية تلقّف الشارع السياسي والاجتماعي والديني في السويداء لهذه المبادرة. في هذا السياق، يقول المصدر إن الوقت سيحسم الأمر، ولا ردود فعل بعد، ويضيف: “لكن النقمة ضد الهجري آخذة بالاتساع، والأصوات المعارضة للجنة القانونية التابعة للهجري، ترتفع على نحوٍ أوضح من ذي قبل”. ويتابع: “من المتوقع أن يحاول الهجري امتصاص هذه المبادرة أو حتى تفخيخها عبر ناسه لحرف مسارها وإفشالها”.
ويبقى نجاح أو فشل هذه المبادرة وغيرها، رهينة المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية، وفق المصدر، ويرى أنَّ “العامل الأبرز سيكون زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى نيويورك، إضافة إلى جهود التطبيع بين إسرائيل وسوريا”. وعليه، تُنتظر مستجدات الشهرين المقبلين، التي سيكون لها وقعها على كل سوريا، وضمناً السويداء للبناء على الشيء مقتضاه.
اتصالات عربية – تركية
إلى ذلك، علمت “المدن” من مصدرين أنَّ اتصالات عربية وتركية تجري مع شخصيات في السويداء من خارج دائرة الهجري، لكن على مستوىً فردي، في محاولة لحلحلة الأزمة. ويقوم التواصل التركي على فكرة تشكيل لجنة مشتركة من الوجهاء والمثقفين وعشائر البدو، لكن لا أدوات تنفيذية لها على أرض الواقع حتى الآن. ويرى المصدران أن “المساعي تصطدم بتعنّت الهجري”.
ويكشف أحد المصدرين أيضاً معلومات عن حراك لترتيب لقاء في الأردن، يضم ممثلين عن السويداء، وممثلين عن الأردن والولايات المتحدة. ويقول إن المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس برّاك “نشط على هذا الخط”. ويرى أن مشاركة الهجري “تعني الموافقة على خريطة الطريق”، علماً أنه لم توجه الدعوات ولم توضع أسماء المشاركين بعد.
في المحصلة، فإن الجهود متواصلة لإخراج السويداء من عنق الزجاجة، لكن التعويل يقع على المتغيرات الدولية التي قد تطرأ في الأيام المقبلة للبناء على نتائجها، خصوصاً في ما يتعلّق بالتطبيع بين إسرائيل وسوريا. ثمّة إجماع على أن الحلول ستكون مستوحاة من خريطة الطريقة الثلاثية، وثمة قناعة أن لا حلول ممكنة خارجها، بانتظار موعد الحل وآلية تطبيقه.
- المدن























