توفر لدى مراقبي العلاقات السورية ـ الأمريكية إجماع واسع النطاق حول إطلاق الصفة التاريخية على زيارة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى البيت الأبيض، واجتماعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبار رجال الإدارة أمثال نائب الرئيس ووزير الخارجية ووزير الخزانة.
وليس ثمة مبالغة في توصيف حدث هو الأول من نوعه لأي رئيس في تاريخ سوريا الحديث ومنذ استقلالها سنة 1946، خاصة وأن الشرع يحلّ ضيفاً على العاصمة الأمريكية وخلفه «تاريخ صعب» حسب تعبير ترامب، فيجتمع مع رئيس القوة الكونية الأعظم للمرة الثالثة خلال فترة قياسية تقلّ عن 12 شهراً.
وصحيح أن وسطاء تدخلوا لتسهيل هذه اللقاءات، إلا أن اعتبارات أخرى جوهرية حكمت خيارات البيت الأبيض، على رأسها موقع سوريا الأثير على الخرائط الجيو ـ سياسية في المنطقة، خاصة بعد انطواء 54 سنة من نظام «الحركة التصحيحية» وما سبقه وأعقبه من تحوّلات إقليمية عميقة ذات امتدادات كونية.
والسمة التاريخية تشمل أيضاً مفارقة اجتماع هذا الرئيس الأمريكي تحديداً، بما يمثله من سياسات وعقائد وانحيازات، مع هذا الرئيس السوري الانتقالي تحديداً، الذي كان قبل سنة فقط قائداً لفصيل جهادي إسلامي لم يكن على وفاق مع التحالف الدولي على أرض سوريا، وسبق له أن قاتل الاحتلال الأمريكي في العراق.
ومن غير المستبعد أن بعض عناصر هذا «التاريخ الصعب» تجسدت قبلئذ، لدى ترامب وكبار مساعديه ورجال إدارته، في مفارقة أخرى مماثلة خلال استقبال الشرع في الكرملين، من جانب رئيس قوة كونية عظمى أخرى سبق لها أن تدخلت عسكرياً لمساندة نظام بشار الأسد، وشاركت مراراً في قصف فصائل المعارضة و«هيئة تحرير الشام» الجهادية التي كان يتزعمها أبو محمد الجولاني، الشرع لاحقاً.
وفي المقابل كانت معادلات سوريا المستقبل بما تنطوي عليه من آفاق بناء واستقرار واستثمار وتنمية، وتحديات جيو ـ سياسية وأمنية محلية ولكنها بالغة التأثير إقليمياً ودولياً، تتوازى مع تلك المفارقات وسواها، أو بالأحرى تتفوق عليها لجهة تدشين علاقات بين واشنطن ودمشق، عمادها مصالح عليا ومنافع متبادلة. وبالتالي لم يكن مفاجئاً خروج الشرع من البيت الأبيض بمكسب هو الأهم في ناظر المواطن السوري، وسلطة الشرع المؤقتة ذاتها، بصدد تعليق ما تملك الإدارة الأمريكية التحكم فيه من عقوبات ضدّ سوريا، ووعود من ترامب بالتدخل لدى أنصاره أعضاء الكونغرس لإلغاء المزيد من العقوبات المنصوص عليها في «قانون قيصر».
وأياً كان حجم تأثير واشنطن في لجم الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا عموماً ومنطقة الجولان وجنوب البلاد خصوصاً، فإن الحصيلة الواقعية سوف تكون مكسباً تكتيكياً على الأقل، في سوريا الجديدة غير القادرة على مواجهة عسكرية مع دولة الاحتلال. وأما انضمام دمشق إلى التحالف الدولي ضد «تنظيم الدولة» فإنه تحصيل حاصل، لأن الشرع كان في حالة عداء مع ذلك التنظيم أصلاً وقبل سقوط النظام.
وفي العموم، لن يطول الوقت حتى تتبلور ملامح أكثر وضوحاً لزيارة الشرع التاريخية هذه، وللتفاعلات الحيوية بين مفارقات الماضي ومعادلات المستقبل.
- القدس العربي


























