من منا لايذكر هذا النبيل ذي الوجه الطافح بالبشر والابتسامة الدائمة،وهوالذي أمضى سحابة عمره في سجون الاستبداد؟
من من الذين عاشوا معه محنة السجن لايشتاق لسماع لكنته الحلبية (الغميقة) التي تختصر بنبرتها الشعبية قيعان المدينة وضواحيها ، بكل حمولاتها وتفاصيلها الحية؟
من منا لم يدمن نكات (أبو حسين) وقفشاته الذكية والموحية و يسعى لاستدراج تعليقاته ونهفاته المرحة؟
وحين يستهدفه بعض (الخبثاء) منا بمقلب أو ممازحة، وتستولي نوبة الضحك على محياه مستسلماً لها كطفل بريء، إذ ينقل لك عدواها وأنت تتأمل بصيص نظراته الوديعة والمحبة للناس وللحياة كل الحياة، تتأمله بشرود من يكتنهه متوسلاً روحه، حقيقة من لايعرفك لايصدق يا أباحسين بأن وراء كل هذا المرح الدامع العفوي والانساني تختفي حقيقة أخرى لاتقل جمالاً عن سابقتها، صلابة نادرة، وإصراراً يدعو إلى الإعجاب بالتمسك بكل القيم والمبادئ التي آمنت بها وفطرت عليها، كنت تفاجئنا في كثير من الأحيان حين تنبري فجأةً وتنطلق كشلال هادر مدافعاً وشارحاً لموقفك من هذه الفكرة أو تلك وكأنها تقع في صميم حياتك، وكيف تحيلنا جميعاً إلى التاريخ والوقائع والأشخاص للتدليل على صحة ما تذهب إليه وتدافع عنه.
قليلون من عاشوا مثلك بهذا الانسجام الروحي الرائع مختتماً حديثك بالقول /أنا عند الجد ما بمزح/.
كان يوزع حبه واهتمامه على الجميع دونما تمييز وكأي أب حنون يتفقد النيام معدلاً أغطيتهم خشية البرد، مقدماً للجميع الأخفاف واللفحات والأكف الصوفية التي ينسجها على سنارته الصغيرة لكأنه المسؤول عن دفء رفاقه وصحتهم.
سوف نفتقدك كثيراً أيها الرفيق الدافئ بحبه ووفاءه وإخلاصه ونحن مصرون أن نتمكن من الوفاء لذكراك وتسديد شيء من رصيدك.