قبل عدة أيام أصدر وزير الصحة في الجمهورية العربية السورية قراراً يقضي بمضاعفة أجور الأطباء الاختصاصيين ، ورفعها من 500 ل.س. إلى 800 ل.س. حد أدنى و1000 ل.س. حد أعلى .
أحدث القرار ضجة كبيرة واستنكاراً واسعاً في أوساط المواطنين جميعاً بما فيهم الأطباء ، وتسبب بشرخ وطني كبير بين الأطباء وبقية المواطنين الذين بدؤوا يلعنون الأطباء وجشعهم ويصفونهم بالقساة وعديمي الضمير وينهالون عليهم بالدعاء كي لا يشبعهم الله من خيراته الخ…
حسب معلوماتي المتواضعة ، يوجد بحث متواصل بين نقابة الأطباء ووزير الصحة لتصحيح التعرفة الطبية وتغيير بنيتها وتحديثها بما يتوافق مع دول الجوار، ليس من حيث الكمية ولكن ، من حيث الشكل والتصنيف ورفعها قليلا .
واقع السوق الطبية يشير: أن بعض الأطباء في دمشق وعددهم لا يتجاوز المائة ، ومنهم وزير الصحة نفسه ، يتقاضون مبلغ 1000 – 1500 ليرة سورية لقاء الكشف الطبي ، خلافا للتعرفة . بالمقابل عدد كبير من الأطباء في أحياء دمشق وريفها ، يتقاضون 200 ليرة سورية فقط عن الكشف . و تبقى الأكثرية العظمى من الأطباء تتقيد بالتعرفة الرسمية القديمة .هذا الوضع موجود أيضا بشكل اخف في بقية المحافظات .
بالرغم أن آداب المهنة لا تسمح بتجاوز التعرفة أو تخفيضها , حيث يخضع الطبيب لمجلس تأديبي في حال المخالفة ، إلا أن النقابة المركزية وفروعها تتغاضى عن هذا الموضوع كلياً ، السبب هو أن قوانين السوق تفرض نفسها على السوق الطبية ، وهذا يلبي بشكل عملي أكثر حاجة المواطنين على اختلاف فئاتهم ويلبي أيضا حاجات السوق .
أعتقد أن الجميع راض بقانون العرض والطلب الموجود في السوق الطبية ، والذي يلبي مختلف حاجات الفئات الاجتماعية . فالسوق فرضت نفسها وفرضت تعرفتها في العاصمة كما في بقية المدن السورية .
ماذا حصل بعد صدور قرار رفع التعرفة :
قسم كبير من المرضى امتنع عن زيارة العيادات واتجه إلى مستوصفات الدولة ومشافيها وهذا انعكس على خفض عدد زوار العيادات الخاصة .
البعض الآخر من المواطنين يتحقق بالهاتف من واقع التعرفة قبل زيارة الطبيب .
واقع الأمر أن الأكثرية العظمى من الأطباء – إذا لم أقل الجميع – لم يزيدوا تعرفتهم نهائيا أو زادوها 100 ليرة سورية فقط .
إذا ما الذي حصل فعلا نتيجة هذا القرار :
وقعت أذية كبرى على الأطباء وسمعتهم وعملهم ودخلهم لأن المواطنين فسروا القرار أنه جاء بعد إلحاح الأطباء وطلبهم ، فكانت ردة الفعل قاسية وعدائية وأحدثت شرخا بين الأطباء ومرضاهم .
إن الأذية وقعت لأن الناس يقولون إن لم يرفع الأطباء تعرفتهم اليوم سوف يرفعونها بالتدريج مستقبلا ، هذا أولا وثانيا سوف يتمنن الأطباء على مرضاهم بأنهم يتقاضون نصف أجرهم وهذا تمنن لا يحبه كثير من الناس .
الأذية حصلت عندما يتساءل المواطنون كيف تمكن وزير الصحة من إصدار هكذا قرار في الوقت الذي يقف فيه الناس صفوفا طويلة طالبين فيها معونة الشتاء التي لا تسمن ولا تغني عن جوع ، هذه المعونة التي إن عبرت عن شيْ فهي تعبر عن حجم الضائقة المالية الكبيرة في المجتمع وعن مستوى الفقر .
الأذية حصلت عندما يتهامس المواطنون فيما بينهم هل زيدت التعرفة لتبرير ما يأخذه ( كبار الأطباء ) في دمشق حتى يصبح دخلهم شرعيا ، وأين دور النقابة البصيمة في هذا كله ، هل يعقل هذا الغياب التام لنقابة الأطباء .
الذي حصل أن الأطباء والمواطنين مستاؤون جداً من قرار مضاعفة التعرفة ، والنتيجة الحاصلة وكأن هذا القرار جاء فقط ليسيء إلى سمعة الأطباء وعملهم ودخلهم .