كل العقلاء في العالم العربي ظلوا طيلة العامين الماضيين يقولون، إن الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة ليس لها علاقة بهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وإنما هي مقدمة لمشروع الهيمنة الاسرائيلية والأجنبية على المنطقة بأكملها، وإن قطاع غزة ليس سوى حلقة في مسلسل التركيع الذي يُراد تنفيذه، وإن غزة ليست سوى البداية، وبينما كان العقلاء يقولون ذلك كان الموهومون واللاهثون وراء الكراسي يتأملون أن ينالوا الرضا الإسرائيلي والأمريكي، إذا تركوا غزة تموت وحدها.
ربما أدرك بعضُ الموهومين، خلال الأيام القليلة الماضية، أن الحرب لم تكن تقصد غزة وحدها، وإنما كان القطاع هو الحلقة الأولى فقط في تلك الحرب، وشاهد العربُ جميعاً أن الاعتداءات الإسرائيلية تتوسع في كل الاتجاهات، بما في ذلك سوريا، التي لم تُطلق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل منذ أربعة عقود، لا خلال فترة حكم بشار الأسد ولا والده، ولا بعد سقوط نظامهما، ومع ذلك فهذا كله لم يكن كفيلاً بأن يحمي السوريين من هذه الحرب الإسرائيلية.
ليس أمام العرب اليوم سوى اتخاذ موقف موحد، يبدأ بتفعيل الجامعة العربية وإحيائها بعد موتها، ومن ثم إحياء العمل العربي المشترك، والتحرك دولياً كوحدة واحدة وليس دولا منفردة
بات واضحاً أن اسرائيل تخوض حرباً شاملة في المنطقة، وقطاع غزة ليس سوى جزء يسير من هذه الحرب، التي لا تستثني الضفة الغربية ولا لبنان ولا سوريا، وليس معلوماً ما إذا كانت ستتوسع أكثر خلال الشهور والسنوات المقبلة، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدث صراحة وعلانية في مقابلة تلفزيونية عن مشروع «إسرائيل الكبرى»، الذي يقوم أصلاً على التهام ثماني دول عربية، منها اثنتان بشكل كامل وكلي والست دول الباقية بشكل جزئي. الإسرائيليون بدؤوا يتحدثون مؤخراً، وأكثر من أي وقت مضى، عن توسع الحرب في سوريا واشتعالها أكثر، وذلك على الرغم من وجود توغلات واعتداءات يومية وعمليات ضم للأراضي واعتقالات، خلال الشهور الماضية، حيث فقدت سوريا مساحات واسعة من أراضيها لصالح الاحتلال الإسرائيلي خلال الشهور الـ11 الماضية، وكان الواهمون يقولون، طيلة الفترة الماضية، «إن علينا الالتفاف لبناء البلد من جديد بعد سنوات من الحرب» لكنهم لم يكونوا يدركون أن اسرائيل لن تتركهم يبنون البلد، بل تريد التهام ما تيسر منه. الوزير الإسرائيلي المتطرف عميحاي تشيكلي، رجّح أن تتطور الجبهة السورية إلى ما سماه «مسرح حرب كبيرة»، وذلك بعد أن تصدى السوريون إلى توغل إسرائيلي كبير في ريف دمشق، واشتبكوا مع القوات الإسرائيلية، مسجلين أول مواجهة من نوعها بعد عشرات التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية. وقال تشيكلي وهو وزير شؤون الشتات الإسرائيلي، في تدوينة نشرها على شبكة إكس، «إن تبادل إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية ومسلحين في قرية بيت جن جنوب سوريا يوم الجمعة، هو حادث حاسم يمثل بداية حقبة جديدة». ووصف تشيكلي المسلحين الذين دارت معهم الاشتباكات بأنهم «جهاديون من نظام الجولاني التابع لتنظيم القاعدة». وأضاف: «لم نعد نواجه جماعة إرهابية، بل دولة عدو جديدة، لها جيش واقتصاد وتحالفات استراتيجية. من المهم إدراك أن الجبهة السورية من المرجح أن تتطور إلى ساحة حرب مهمة».
هذه التصريحات على لسان الوزير الإسرائيلي وغيرها الكثير، تعني في نهاية المطاف، أن الحرب الإسرائيلية توسعت، ولم تعد تتوقف على قطاع غزة، وإنما هي في الضفة الغربية ولبنان وسوريا أيضاً، وهي مرشحة لمزيد من التوسع، بينما العربُ يتفرجون ويصطفون على الطابور بانتظار أن يصل إليهم الاسرائيلي، بل أن المشهد العربي أشبه بممالك الأندلس قبل سقوطها عندما كانت كل دولة تظن أنها بمنآى عن الخطر، بل ذهب بعضهم للتحالف مع عدوهم على أمل البقاء والإفلات. ليس أمام العرب اليوم سوى اتخاذ موقف موحد، يبدأ بتفعيل الجامعة العربية وإحيائها بعد موتها، ومن ثم إحياء العمل العربي المشترك، والتحرك دولياً كوحدة واحدة وليس كدول منفردة، وبعد ذلك يتوجب على العرب وهم «أمة واحدة» أن يؤمنوا بأن لديهم ما يكفي من أوراق ضغط وقوة يُمكن استخدامها في ردع إسرائيل والتصدي لبعض السياسات الدولية الداعمة للاحتلال، وأوراق القوة هذه تبدأ من النفط والثروات الطبيعية، ولا تتوقف عندها، بل تمتد إلى كثير من العوامل التي يُمكن أن تجعل من العرب كتلة دولية وسياسية قوية ومهمة.
كاتب فلسطيني
- الشرق الأوسط



























