الثابت أنّ معظم المعارضين لنظام آل الأسد لم يستغربوا ما سرّب بعدسة لونا الشبل مستشارة الرئيس المخلوع بشار الأسد من سلوكيّات مراهقة، فالأسد الذي كان منذ نشأته بعيدًا عن السياسة منشغلًا بدراسته طبّ العيون في لندن والانصراف ليوميّاته الشبابيّة قد فرضت عليه منذ وفاة شقيقه باسل حتى وفاة والده حافظ الأسد عام ٢٠٠٠ الشخصيّة القياديّة.
المقاطع تظهر أن الأسد لم يبرع- كما تخيّل معارضوه عبر التسريبات المكتوبة والأفلام الكرتونيّة التي كثرت بعد سقوط نظامه وهربه – في قيادة سوريا وتشكيل هويّته كحاكم مطلق للبلاد، فهو على صعيد الشكل ورث الحكم، وعلى صعيد الممارسة طوّر من حيث لا يدري استبداد والده ووحشيّته من خلال التغافل والتغاضي وكلاهما فعلان اجتماعيّان يعكسان اشتراكه إلى جانب الضباط والمخبرين حوله بكل جرائم الحرب المعلن والمضمرة في بدايات القرن الواحد والعشرين.
يلعن ابو الغوطة
سلّم الأسد نفسه في لحظة لاواعية إلى عدسة لونا الشبل التي تخلّص منها قبل أن يقفز من القارب…شتائم لعناصر ” يعبدونه” إكراهًا وجهلًا، تسخيف بجغرافيّة البلد “” يلعن أبو الغوطة، قهقهة عالية كلّما استدرجته لونا الشبل للسخرية من هذا المسؤول وذاك، تحقيره لحزب الله والتبشير بضعفه العسكريّ، لكنّ العين اليوم تتمركز حول جمهوره الذي ازداد صمتًا حين رأى ” أميرهم” يشتمهم.
في العقود السابقة نجحت شعوب غربيّة وعربيّة سيّما الإشتراكيّة عدّة بالثأر من غيبوبتها أمام حاكمها المستبد…ف نيوكولاي تشوشيسكو في رومانيا اقتصّ منه بشكل مفاجئ شعبه الذي تضوّر جوعًا لأكثر من عقدين، وكذلك حصل في مصر حين اختار الرئيس المصري أنور السادات أن يمحو إرث عبد الناصر بعد وفاته سواء عبر الاعتقالات او تغيير مسار الدولة السياسي…وصولًا إلى معمّر القذافي في ليبيا الذي بقي اشتراكيّا خطابيًّا وأعدم أمام الملاييين.
التصفية الجماهيرية لتشاوشيسكو والقذافي أتت نتيجة إمعانهما بتصفية أفراد شعبهما ماديًّا ومعنويًّا وتأخر بناء الدولة وهيكلتها ما حال دون محاكمتهما بصيغة قضائية حضاريّة وهذا ما يجب العمل عليه سوريًّا- وفي كل بلد يسقط فيه نظام مستبدّ- المحاكمة العدالة القضائية لترسيخ القيم وبناء منطق الدولة والقانون في فكر الشعوب.
بانتظار محكمة الشعب
جمهور بشّار الأسد والبعث السوري…اختاروا لبوس الصمت على قاعدة فإذا ابتليتم المعاصي فاستتروا…وكأنهم على مدى عقود كانوا يتمتعون بذاكرة مثقوبة تنص لخطابات آل الأسد تردد بعضها وبعد فترة تنساها، أمر يعيدنا للتفكير هل كان أصل البعث بدءًا من ميشيل عفلق إنشائيّا كما يعلّق حازم صاغيّة؟ أم أنّ الأسد كان يقول ما لا يسمع ولا يُفهم؟
يدرك الشعب السوري أن محاكمة الأسد قد يطول أمدها، لكنه ينتظر بشغف حصولها بعد تعميمه لثقافة الموت واليتم والخوف على مدى ربع قرن تقريبًا، وبيت القصيد من كل المقاطع المسرّبة يبدأ مطلعه بانكسار صورة الحاكم الوثنيّة التي كان يرسمها جمهور بشار في مخيالهم
وتنتهي بتبخر شظاياها إلى الأبد.
- جنوبية


























