ترقّب السوريون، باهتمام كبير، قرار الكونغرس الأمريكي إلغاء قانون قيصر، الذي يعتبر عقبة عظيمة في وجه انطلاق الاقتصاد، وانفتاح البلاد أمام إمكانيات الاستثمار وإعادة البناء والإعمار. انتشرت، في هذه الأثناء، المخاوف الاعتيادية من تطوّر مفاجئ نتيجة التدخّلات الدبلوماسية لإسرائيل، التي يتواجد وزير خارجيتها جدعون ساعر، في واشنطن، حاليا، والذي قيل إنه التقى رئيسي وأعضاء لجنتي الخارجية في مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين، ووزير الخارجية ماركو روبيو.
أكدت وكالات أنباء أن ساعر قام بإثارة الموضوع السوري مع مسؤولين أمريكيين، وأنه استخدم لقطات مصوّرة ظهر فيها جنود سوريون خلال الاستعراضات العسكرية الأخيرة احتفالا بسقوط نظام بشار الأسد وهم يرددون شعارات تأييد لفلسطين وغزة، كمسائل يفترض أن يأخذ بها الكونغرس قبل قراره إلغاء العقوبات على سوريا، واقتراح شروط لإعادة العقوبات في حال قام النظام السوري الجديد بـ»تهديد إسرائيل».
قال ساعر، في تصريح له أمس، إن إسرائيل هي أبعد ما يمكن عن «اتفاق أمني» مع سوريا، وأن «الفجوة» مع دمشق توسّعت خلال الأسابيع الأخيرة، والواضح أن ساعر يقصد بذكر «الأسابيع الأخيرة» ما حصل في بلدة بيت جن في ريف دمشق، الشهر الماضي، حين تصدّى بعض الأهالي لدورية لجيش الاحتلال، وجرحوا 6 جنود إسرائيليين، وهو ما ردّت عليه تل أبيب بغارات أوقعت 13 قتيلا سوريا.
كانت الولايات المتحدة قد رعت، في الأشهر الماضية، وساطة بين سوريا وإسرائيل، وقد تم الاتفاق فيه على عودة إسرائيل إلى خط ما قبل سقوط نظام الأسد، ووقف الغارات الجوية، لكن تل أبيب اشترطت منع وجود مظاهر مسلحة سورية في «المنطقة الفاصلة» التي احتلتها، وفرضت منطقة حظر تواجد عسكري وجوي لأغراض عسكرية بين المنطقة العازلة وتشمل محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة، كما منعت نصب أو تفعيل بطاريات صواريخ مضادة للطائرات في منطقة تصل إلى منتصف سوريا بما يشمل ريف حماه والبادية.
تعثّر هذا الاتفاق إثر مسعى تل أبيب لموافقة دمشق على «حق إسرائيل» في شن ضربات استباقية «لمكافحة الإرهاب»، وتبعته لقاءات رعتها واشنطن بين الطرفين في أذربيجان اعتبرتها السلطات السورية قبولا إسرائيليا بدخول قواتها إلى مدينة السويداء، التي تسكنها غالبية من الدروز، ما أدى إلى انتهاكات عنيفة بحق الدروز، استغلّته إسرائيل لقصف القوات المهاجمة، ومبنى الأركان، ومحيط القصر الرئاسي، في رسائل عنيفة هزّت النظام الجديد.
اعتبر الرئيس السوري أحمد الشرع ما حصل «فخا مدبرا» هدفه السماح لإسرائيل بالتهرب من الاتفاق الأمني الذي رعته واشنطن، أما الشرخ الأهلي فتعمّق وتم استثماره من إسرائيل التي تشددت في رفع مطالب أمنية أكبر، وطالبت بموافقة سورية على التدخّل «لحماية الدروز»، كما زادت الضغط على الحكومة السورية لدفعها للتخلي بشكل كامل عن الجولان السوري المحتل.
برفعها مطالب تتشدد أكثر فأكثر، وبزيادة تصعيدها العسكريّ ضد الحكومة السورية، وسكان الجنوب، تطمح حكومة بنيامين نتنياهو المنتشية بفائض القوة وفرضية «إعادة تشكيل الشرق الأوسط» لصالحها، إلى ربط الاتفاق الأمني بتنازل سوري عن الجولان، وهو أمر ترفض الحكومة السورية حصوله.
تعديل هذا الاختلال الكبير بين سوريا وإسرائيل لا يمكن أن يحصل من دون ضغط عربي وإقليمي ودولي لموازنة قوة الإبادة الدموية الإسرائيلية، وهو ما يفترض أن يتزامن مع مساع حقيقية لحل الإشكالات التي وسّعت الشروخ الأهلية، عبر الاستجابة لمطالب السوريين في العدالة الانتقالية، والحوار الوطني… ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
- القدس العربي


























