بينما كان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي جون كيري يجري محادثات مع الرئيس السوري بشار الاسد في دمشق، افادت مصادر اميركية مطلعة في واشنطن ان ادارة الرئيس باراك اوباما تأمل في ارسال السفير المعين لدى دمشق روبرت فورد الى مكان عمله في اسرع وقت ممكن بعد مصادقة مجلس الشيوخ على تعيينه فور العودة من عطلة عيد الفصح. وفيما تبدو العلاقات الاميركية – السورية ماضية نحو التحسن، لا تزال واشنطن تنتظر اجوبة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن قائمة مطالب قدمتها اليه واشنطن من اجل احياء المسار الفلسطيني. واطلقت اسرائيل امس عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عباس زكي الذي كانت اعتقلته في احد الشعانين لمشاركته في مسيرة بالضفة الغربية.
وقالت المصادر الاميركية في واشنطن لـ"النهار" ان ادارة اوباما تأمل في ارسال فورد الى سوريا في اسرع وقت ممكن "لاننا نريد حضورا اميركيا على مستوى السفير في دمشق لابقاء الرئيس الاسد على اطلاع على آخر المواقف الاميركية كي لا يسيء تقدير او يسيء فهم سياستنا الاقليمية، كما حصل في السابق".
ونفت وجود طلب من اعضاء مجلس الشيوخ لتعليق ايفاد فورد الى دمشق احتجاجا على المواقف السورية الاخيرة، ومنها اجتماع الاسد مع الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد والامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في دمشق، والتي كانت موضع اجتماع من ثمانية اعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ نبهوا وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في رسالة بعثوا بها اليها مطلع الشهر الماضي، الى ان اميركا تدفع ثمنا غاليا عندما تعطي حتى "الحد القليل من الشرعية الدولية لنظام مثل النظام السوري".
وتوقعت المصادر ان يتولى كيري ايصال هذه الرسالة الى الاسد. واكدت ان ادارة اوباما تمنت على كيري التوقف في بيروت قبل زيارة دمشق. وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية فيليب كراولي بان الوزارة تريد ان يصل فورد الى "سوريا في اسرع وقت ممكن".
واوضحت المصادر التي تحدثت الى "النهار"، ان الوضع الراهن في المنطقة والمحفوف بمختلف المخاطر والمعرض لسوء في الحسابات والتقدير، بما في ذلك على الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية، يتطلب وجود سفير اميركي في دمشق قادر على ايصال الرسائل الاميركية مباشرة الى الرئيس السوري. ولاحظت انه من الصعب ادارة العلاقة مع دمشق من خلال الزيارات التي يقوم بها بين وقت وآخر المبعوثون الاميركيون لدمشق وانه لا بد من احياء القنوات الديبلوماسية الرسمية. وكان ثمة قلق في الحكومة من ان يطالب بعض الاطراف اللبنانيين – الاميركيين بعض اعضاء مجلس الشيوخ بتعليق ايفاد فورد الى دمشق. وذكرت المصادر ان الحكومة الاميركية ابلغت المعنيين بالامر ان "العلاقات الاميركية – السورية لن تصل الى مرحلة التطبيع الحقيقي، اذا لم تتصرف سوريا بطريقة تحترم السيادة اللبنانية".
وقال مصدر مطلع ان اكثر ما تتخوف منه الادارة الاميركية الان ليس لجوء اسرائيل او سوريا او "حزب الله" الى اتخاذ قرار باشعال الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية، بل استخدام طرف او تنظيم صغير الاراضي اللبنانية لمهاجمة اسرائيل وايقاع خسائر مدنية، الامر الذي سيؤدي الى رد اسرائيلي قد يتسبب بخسائر مدنية لبنانية، وان تتطور حلقة العنف هذه الى حرب مدمرة كما جرى في 2006.
وفي هذا السياق تخوفت المصادر من اتساع رقعة القتال وعدم بقائه محصورا بلبنان واسرائيل. وأبدت قلقها العميق، وهو قلق نقله الى الاسد مباشرة المبعوثون الاميركيون الذين اجتمعوا به في الاشهر الاخيرة، والناتج مما تعتبره واشنطن تسليحا استفزازيا لـ"حزب الله" يتضمن صواريخ أرض – أرض موجهة ومتطورة تضع تل ابيب وغيرها من المدن في العمق الاسرائيلي في مداها.
ولم تخف احباطها بسبب "الانكار غير المقنع" الذي سمعه المبعوثون الاميركيون من الاسد مباشرة لهذه التهم. لكن مصدراً آخر لم يستبعد وقف اسرائيل عمليات تهريب الصواريخ عبر الحدود السورية – اللبنانية بالقوة.
وقبل ايام ردّ مساعد وزيرة الخارجية الاميركية للشؤون التشريعية ريتشارد فيرما على الرسالة التي وجهها الاعضاء الجمهوريون الثمانية في مجلس الشيوخ الى كلينتون في شأن السفير فورد. وقال ان الحكومة تشاطرهم قلقهم الجدي من نشاطات سوريا في مجالات مختلفة بينها سجلها الرديء في مجال حقوق الانسان "والذي انحدر منذ 2008"، كما تشاطرهم الحكومة قلقهم من العلاقة السورية – الايرانية "إذ نشاطر الكثير من الدول العربية مواقفها من ان نيات ايران ليست من مصلحة سوريا على المدى البعيد او مصلحة المنطقة". وبعدما أضاف ان "المواقف والاجراءات السورية الاخيرة لم تساعد الاستقرار في المنطقة"، لفت الى ان سوريا لا تتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وان المسؤولين البارزين من البيت الابيض ووزارة الخارجية الذين زاروا سوريا في الاشهر الاخيرة "قد انتقدوا بقوة ومباشرة هذه النشاطات السورية".
الا ان فيرما اكد ايضا ان تغيير السلوك السوري يحتاج الى "دفع الحكومة السورية بطريقة قوية ومنسقة في كل القضايا… ولهذا السببب فان الحكومة تعتزم ارسال سفير الى دمشق، وخصوصاً مع ازدياد التوتر في المنطقة". ورأى ان وجود سفير في سوريا سيؤدي الى تنسيق الجهود الاميركية بينما تواصل الولايات المتحدة تحريك عملية السلام في الشرق الاوسط "وانهاء دعم تنظيمات ارهابية مثل "حزب الله" وحماس". أضف ان وجود سفير اميركي في دمشق يضمن الوصول الى المجتمع المدني السوري والتعبير عن الدعم الاميركي لاحترام حقوق الانسان في سوريا.
وتحدث فيرما ايضا عن "تحسن تدريجي" في بعض القضايا العالقة بين الطرفين، منها ان الجهود الاميركية الهادفة الى اقناع سوريا بوقف تدفق المقاتلين الاجانب الى العراق قد ادت الى "انحسار هذا التدفق وان لم تؤد الى وقفه". وقال ان المسؤولين السوريين ابدوا استعدادا للتعاون مع الحكومتين الاميركية والعراقية لتحسين الامن على الحدود المشتركة. واضاف ان هناك مجالات عدة يمكن ان تتخذ سوريا فيها اجراءات تساعد على تحسين العلاقات، منها عدم التسامح مع التنظيمات التي تسعى الى تقويض الاستقرار في العراق، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تفتيش المواقع النووية "ووقف تسليح حزب الله" وايضا اطلاق المعتقلين السياسيين.
الأسد وكيري
• في دمشق، أفادت الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا" ان الأسد جدد خلال لقائه كيري "موقف سوريا الساعي الى تحقيق السلام العادل والشامل، وأهمية الدور الأميركي الداعم للدور التركي في عملية السلام، محذراً من خطورة الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن خطورة استمرار رفض إسرائيل للقبول بمتطلبات السلام".
وقالت انه "جرى التأكيد على ضرورة مواصلة الحوار البناء بين البلدين المبني على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة للوصول إلى حلول إيجابية للقضايا ذات الاهتمام المشترك".
وأضافت انه في الموضوع العراقي، أعرب الأسد و كيري "عن أملهما في أن تشكل الانتخابات العراقية انطلاقة جديدة لتحقيق أمن واستقرار العراق ووحدته".
وحضر اللقاء وزير الخارجية السوري وليد المعلم، والمستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان، ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد، والوفد المرافق لكيري.
كيري
وقال كيري في بيان صادر عن السفارة الاميركية في دمشق :"ان سوريا لاعب اساسي في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. وان الولايات المتحدة وسوريا لديهما اهتمام كبير جداً، اهتمام مشترك باجراء حوار صريح جداً في شأن أي خلافات في وجهات النظر قد تكون قائمة، وايضا (نقاط) التوافق الكثيرة بيننا من حيث امكانات السلام في المنطقة".
واضاف: "ان قرار ادارة اوباما ارسال سفير الى دمشق انما يشير الى ان التعامل مع سوريا هو اولوية على اعلى المستويات لحكومتنا… اني واثق من انه سيمثل بامتياز سياسات الرئيس (اوباما) وسيكون موفداً ممتازاً لدى الحكومة السورية". وأشار الى انه سيسعى مع الرئيس اوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للتعجيل في اجراءات المصادقة على تعيينه في مجلس الشيوخ.
وأفاد انه عقد مع الاسد "لقاء ايجابيا جدا حول التحديات التي نواجهها في المنطقة". وكانت "هناك امور يمكن ان تفعلها الولايات المتحدة… وسوريا… واسرائيل وتركيا، بعضها احادية الجانب واخرى متعددة الطرف، لكن علينا جميعا ان نعمل معاً لاغتنام الفرص الحقيقية".
من جهة اخرى، عبر كيري عن القلق الاميركي من "تدفق الاسلحة في المنطقة، الى حزب الله" اللبناني. وقال: "يجب ان يتوقف ذلك لتحقيق الاستقرار والامن في المنطقة"، وان "الولايات المتحدة تدعم جهود سوريا لتحسين العلاقات الديبلوماسية" مع لبنان و"بين الشعبين".
وقبل زيارته لدمشق، زار كيري لبنان الاربعاء.
واشنطن – من هشام ملحم/ دمشق – الوكالات
( و ص ف، ي ب أ )




















