الجزائر ـ ‘القدس العربي’ من كمال زايت: توفي أمس الخميس الكاتب الجزائري الشهير الطاهر وطار عن عمر يناهز الـ74 سنة بعد صراع مرير مع المرض، وينتظر أن تشيع جنازة الفقيد اليوم الجمعة بالعاصمة الجزائرية.
وكان وطار قد خضع لفترة علاج طويلة من مرض السرطان فرض عليه البقاء في أحد المستشفيات الفرنسية، قبل أن يعود إلى الجزائر منذ فترة قصيرة لمواصلة صراعه مع المرض بين أهله وأحبابه.
ويعتبر الطاهر وطار واحدا من الشخصيات الثقافية الجزائرية المميزة خلال الأربعين سنة الماضية، فهو من أبرز الكتاب باللغة العربية، وبروزه في فترة ستينات وسبعينات القرن الماضي، جعله يتنقل بين عدة مجالات من الكتابة الأدبية إلى جانب الصحافة ومنها إلى السياسة التي كان له فيها آراء تسببت له في مشاكل كثيرة.
ولد الطاهر وطار في بيئة ريفية بولاية سوق أهراس (615 كيلومترا شرق العاصمة) والتحق بمدرسة جمعية العلماء التي فتحت في عام 1950، ونظرا لتوقه للمعرفة قرر والده إرساله إلى مدينة ‘قسنطينة’ (450 كيلومترا شرق العاصمة) ليتفقه في علوم الدين، إلا أنه تعلق بالأدب وقرر أن يتعمق فيه. وانكب وطار في تلك الفترة على قراءة ميخائيل نعيمة وزكي مبارك وجبران خليل جبران والرافعي وطه حسين، و’ألف ليلة وليلة’ و’كليلة ودمنة’، وقد شكلت هذه المراجع خلفيته الثقافية الاولى ورسخت علاقته باللغة العربية.
وسافر في 1954 إلى تونس ودرس لفترة قصيرة في جامع الزيتونة، وعند انطلاق ثورة التحرير عام 1954، لم يستطع الطاهر وطار مقاومة ندائها، والتحق بها بعد سنتين من اندلاعها.
استهوت الكاتب الراحل القصص والروايات والمسرحيات، فنشر عددا من القصص في جريدة ‘الصباح’ وأسبوعية ‘لواء البرلمان’ التونسيتين، وأسبوعية ‘النداء’ و’مجلة الفكر’، وبعد استقلال الجزائر عام 1962 أسس أول جريدة أسبوعية كان عنوانها ‘الأحرار’، وفي عام 1963 أسس أسبوعية ‘الجماهير’، كما أسس في 1973 أسبوعية ‘الشعب الثقافي’ التابعة لجريدة ‘الشعب’ الحكومية، وذلك بسبب توجهاتها اليسارية.
اعتنق الطاهر وطار الفكر الماركسي، والذي كان ظاهرا في كتاباته ذات النفحة اليسارية، ورغم ذلك فإنه كان عضوا نشيطا في حزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم من 1962 إلى 1992) وشغل فيه مناصب متعددة، مثل عضو في اللجنة الوطنية للإعلام إلى جانب شخصيات مميزة مثل المؤرخ الشهير محمد حربي، دون أن يمنعه ذلك من اتخاذ مواقف شجاعة، مثل معارضة الانقلاب الذي قاده العقيد هواري بومدين وزير الدفاع ضد الرئيس أحمد بن بلة في 19 حزيران (يونيو) 1965.
صدرت للراحل عدة مؤلفات في القصة والرواية والمسرحيات والتي نالت جوائز عدة وترجمت إلى أكثر من لغة، وأهمها قصة ‘الشهداء يعودون هذا الأسبوع’ عام 1974، والتي تحولت إلى مسرحية نالت جائزة في مهرجان قرطاج، ورواية ‘اللاز’ التي صدرت في السنة نفسها، ورواية ‘العشق والموت في الزمن الحراشي’ التي صدرت عام 1982، ورواية ‘الولي الصالح يرفع يديه بالدعاء’ عام 2005. ونال وطار جائزة ‘العويس’ الثقافية، كما نال جائزة الشارقة.
وقد أسس عام 1989 ‘جمعية الجاحظية’ التي كانت ملجأ لكل الكتاب والأدباء البسطاء والمغمورين، وكان ينظم ندوات ويصدر كتبا، رغم الإمكانيات المحدودة التي كانت تتوافر عليها الجمـــــعية، وفــــي أواخر ايامه اصدر رواية بعنوان ‘قصيد في التذلل’ عن دار ‘كيان’ في القاهرة، وهي الرواية الحادية عشرة في سجله الروائي وتناول فيها، على نحو ساخر، تذلل بعض الشعراء الذين تقلدوا مناصب في الادارات الثقافية. وقد كتب الروائي الكبير الراحل هذه الرواية وهو على فراش المرض في مستشفاه الباريسي، والغريب ان وطار قال انه كتب هذه الرواية اثناء علاجه بالكيماوي في باريس ‘نكاية بالذين يستعجلون نعيي’.




















