انطوى كتاب جديد صدر اخيرا في إسرائيل على تفاصيل جديدة عن الغارة الإسرائيلية على موقع دير الزور السوري وتدمير ما يصفه الإسرائيليون بأنه "مفاعل نووي" واغتيال العميد السوري محمد سليمان الذي كان مقربا من الرئيس بشار الأسد.
وورد في كتاب "الموساد – العمليات الكبرى" للباحث ميخائيل بار زوهار والصحافي نيسيم ميشعال أن الطائرات الحربية الإسرائيلية أغارت على "مفاعل" دير الزور ودمرته بعلم الولايات المتحدة وبعد جمع أدلة "دامغة" تؤكد وجود نشاط نووي في المنطقة الصحراوية السورية.
وجاء في الكتاب، الذي نشرت امس صحيفة "يديعوت أحرونوت" فصلا منه، أن الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية وغيرهما من الأجهزة السرية في الدول الغربية لم تتمكن من معرفة النشاطات الجارية في موقع دير الزور (الكبر) وكشفها إلا بعد فرار النائب السابق لوزير الدفاع الإيراني وأحد قادة الحرس الثوري الإيراني الجنرال علي رضا عسكري إلى الولايات المتحدة وكشف تفاصيل المشروع النووي المشترك لكل من سوريا وإيران وكوريا الشمالية.
وبعد فراره في شباط 2007 بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي اي" وجهاز المخابرات الاسرائيلي "الموساد"، خضع الجنرال عسكري لتحقيقات أجراها معه عملاء هذين الجهازين الاستخباريين.
وعقب ذلك جمع عملاء "الموساد" وأفراد سرية هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، وهي وحدة كوماندوس النخبة التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "امان"، ما يصفه الكتاب بأدلة "دامغة" تؤكد النشاط النووي في الأراضي السورية.
وبدأت إسرائيل تتأكد من هذه النشاطات بعدما زرع اثنان من عملاء "الموساد" برنامج "حصان طروادة" في جهاز كومبيوتر نقال تابع لمسؤول سوري كان ينزل في فندق راق في لندن ويخضع لمراقبة "الموساد" في نهاية تموز2007.
وبعد زرع هذا البرنامج الالكتروني صار في الإمكان تشغيل برنامج "الباب الخلفي" الذي يمكن "الموساد" من مراقبة تحركات المسؤول السوري، لكن الأهم من ذلك تمكن "الموساد" بواسطة هذا البرنامج من نسخ كل المعلومات الموجودة في جهاز الكومبيوتر ومنها معلومات عن "مفاعل" دير الزور.
وأورد الكتاب ان من المعلومات التي توافرت في جهاز الكومبيوتر كانت هناك صور يظهر فيها "المفاعل" مغطى بالاسمنت وأخرى يظهر فيها شخصان أحدهما مسؤول كوري شمالي في المجال النووي والآخر هو رئيس لجنة الطاقة النووية السورية إبرهيم عثمان.
وهذه المعلومات، إلى اعترافات الجنرال عسكري، جعلت إسرائيل في حال جهوزية عسكرية ولذلك جرى رصد قوى وموارد، فيما عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه ايهود أولمرت اجتماعا خاصا شارك فيه قادة أجهزة الأمن وكان واضحا من المشاورات أن إسرائيل لن تسلم بوجود مشروع نووي سوري.
وأضاف الكتاب أن "الموساد" نجح أيضا في تجنيد أحد العاملين في "مفاعل" دير الزور الذي زود إسرائيل صورا كثيرة وحتى شريط فيديو من داخل مبنى "المفاعل" وظهر في الصور مبنى دائري الشكل وكبير وإلى جانبه مبنى آخر، اصغر، وفيه عدد كبير من مضخات الوقود وحوله شاحنات. كذلك كان هناك مبنى ثالث أشارت التقديرات إلى أنه زود "المفاعل" المياه المطلوبة لتشغيله.
وحرصت إسرائيل على اطلاع الولايات المتحدة طوال الوقت على "الأدلة" التي جمعتها ومنها الصور من خلال اتصالات مع مستشار الأمن القومي الأميركي ستيف هادلي ومارست ضغوطا كي تشغل الولايات المتحدة اقمارا اصطناعية تجسسية وتركز على منطقة دير الزور، كما شغلت إسرائيل قمرها الاصطناعي للتجسس "أوفيك – 7".
وفي حزيران 2007 سافر أولمرت إلى الولايات المتحدة وفي حوزته جميع المواد السرية التي جمعتها الاستخبارات الإسرائيلية عن "المفاعل" السوري، إلا أن الأميركيين لم يوافقوا على شن إسرائيل هجوما لتدميره.
وإثر ذلك ومن أجل إحضار دليل يقنع الأميركيين بوجود نشاط نووي سوري ذكر الكتاب أن مروحيتين عسكريتين نقلتا جنودا من سرية هيئة الأركان للجيش الإسرائيلي إلى موقع دير الزور وأحضرت هذه القوة من هناك عينات من التربة التي كانت مشبعة بإشعاعات نووية.
وزود الإسرائيليون مستشار الأمن القومي هادلي المعلومات الجديدة وأرسلوا اليه عينة منها دقق فيها خبراء أميركيون وتأكدوا من صحتها وأطلق الأميركيون على ملف "المفاعل". النووي السوري اسم "البستان".
بعدها عقد أولمرت اجتماعا بمشاركة وزير الدفاع ايهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني وقادة أجهزة الأمن وتقرر فيها تدمير "المفاعل" وبحث ايضا في رد الفعل السوري المحتمل، كما ابلغ أولمرت رئيس المعارضة آنذاك بنيامين نتنياهو القرار.
ويذكر أن نتنياهو كان القيادي الإسرائيلي الذي أكد قصف إسرائيل منطقة دير الزور بعد الغارة بأسبوعين وخلال لقاء مع القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي.
وليل 4 أيلول 2007 أدخلت قوة إسرائيلية من وحدة "شالداغ" النخبوية إلى دير الزور وكانت مهمتها توجيه إشارات إلى الطائرات الحربية بواسطة أشعة لايزر إلى الموقع الدقيق لـ"المفاعل" وبعد منتصف الليل التالي أغارت الطائرات الإسرائيلية على الموقع بصواريخ جو – أرض من طراز "ماوريك" وقنابل تزن كل منها نصف طن.
وتحسبت إسرائيل لرد فعل سوري، فاتصل أولمرت برئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وأبلغه رسالة موجهة إلى القيادة السورية مفادها أن "وجهة إسرائيل ليست نحو الحرب".
وتقول الرواية التي يسردها الكتاب الجديد إن "صدى الطلقات الأخيرة لقصف المفاعل السوري تردد بعد 11 شهرا (على الغارة الجوية) وفي 2 آب 2008" عندما اغتيل محمد سليمان خلال إجازة استجمام في مدينة طرطوس السورية الساحلية.
وعرض الكتاب للعلاقات المتينة بين سليمان وعائلة الأسد وكونه "اخطبوطا متعدد القوائم" وأنه كان "رجل الأسد" في الجيش والمخابرات، وحلقة الوصل بين القيادة السورية وكل من إيران و"حزب الله".
وعن عملية الاغتيال جاء في الكتاب الإسرائيلي أنه كان في ضيافة العميد سليمان في منزله الصيفي على شاطئ طرطوس عدد من الاشخاص الذين كانوا يسهرون معه ويجلسون الى المائدة على شرفة المنزل في تلك الليلة.
ولم يشر الكتاب إلى هوية غطاسين – قناصين كانا في البحر وعلى مسافة 150 مترا من شرفة بيت سليمان بعدما أنزلتهما سفينة على مسافة كيلومترين من الشاطئ، وبعدما تأكدا من وجود سليمان جالسا الى المائدة خرجا إلى الشاطئ وأطلقا النار على رأسه وقتلاه ولاذا بالفرار وسط الجلبة في المنزل.
(ي ب أ)
"النهار"




















