بغداد – من فاضل النشمي:
خلافاً لبقية الاطراف السياسيين العراقيين الذين غالبا ما تحدثوا عن طرحهم ورقة عمل سياسية تفضي الى حلحلة الازمة الحكومية المستمرة منذ خمسة اشهر، فجّر الاكراد امس مفاجأة كبيرة عندما اعلنوا اقتراحات، لعلها "شروط"، لتأليف الحكومة ولإدارة الدولة في المرحلة المقبلة، من خلال طرح ورقة عمل اختير لها عنوان: "اقتراحات ائتلاف الكتل الكردستانية لتأليف الحكومة".
المفاجأة قد لا تتعلق بإظهار الأكراد ورقتهم الى العلن بمقدار تعلقها بشروط كردية اعتبرت "قاسية" في نظر الكثيرين، وخصوصا في 5 من اصل 19 اقتراحاً اوردتها الوثيقة.
ورأى بعض المراقبين في الوثيقة انها لاتقترح حلا عمليا لقضية تأليف الحكومة، بمقدار مساهمتها في تعقيد الامور اكثر مما هي معقدة.
وبحسب العضو في ائتلاف "دولة القانون" عزت الشابندر، فان الاقتراحات الكردية تمثل "شروطاً تساهم في تعقيد الازمة وليس حلها"، معرباً في الوقت عينه عن اعتقاده بأن ازمة تأليف الحكومة القائمة مع اعلان الاقتراحات الكردية "ماضية في اتجاه التعقيد وليس الانفراج".
الا ان شخصيات كردية دافعت بقوة عن البنود الـ19، معتبرة انها "اقتراحات وطنية". وفي هذا الاطار قال القيادي في "التحالف الكردستاني" محسن السعدون: "ان الاكراد ليسوا طرفا في تأخير تأليف الحكومة، ذلك ان المشكلة الحقيقية هي الصراع على منصب رئاسة الوزراء الذي لا يتنافس عليه الاكراد ".
اقتراحات تثير الجدل
واستهلت الورقة الكردية اقتراحاتها بتأكيد الالتزام بالدستور وحماية النظام الاتحادي واقرار مبدأ المشاركة في صنع القرار السياسي، وهذه أمور مفهومة لا تثير حفيظة اي من الكتل والشخصيات السياسية، غير ان خمسة بنود وردت فيها اثارت التساؤل في شأن رغبة الاكراد في المساهمة بنجاح مساعي تأليف الحكومة، واوجدت نوعا من عدم الرضا داخل الاوساط العربية. واذا لم تفهم هذه الاقتراحات في اطار سعي الاكراد الى رفع سقف مطالبهم اثناء عملية التفاوض من اجل الحصول على مكاسب جيدة في الحكومة المقبلة، فانها ستوجد نوعاً جديداً من التوتر يضاف الى تعثر العملية السياسية.
وبالعودة الى البنود الخمسة المهمة في الوثيقة الكردية، يلاحظ ان اللافت فيها والذي سيكون سببا لاثارة مزيد من المشاكل، هو اتيانها اولا على مسألة توزيع صلاحيات مجلس الوزراء على الرئيس ونوابه، وهي قضية لا يمكن اي رئيس وزراء مقبل القبول بها، اذ ان ذلك يعرّض اهم منصب تنفيذي في البلاد لخطر شديد، في الوقت الذي يحتاج هذا المنصب الى صلاحيات حقيقية لمواجهة تحديات الامن والاقتصاد والبناء التي تفتقر اليها البلاد بشدة، بل ان القبول بذلك يعني ان عمل رئيس الوزراء المقبل سيفقد قوته وفاعليته.
وثانية القضايا الخمس ابقاء حق نقض القوانين لرئيس الجمهورية ونائبيه، وهو ما يتقاطع تماما مع الدستور العراقي الدائم لعام 2005، الذي اعطى حق النقض المشار اليه لدورة انتخابية واحدة، انتهت صلاحيتها مع انتهاء عمل الحكومة الحالية.
ولعل المطلب الثالث المتمثل بمطالبة الاكراد بمنصب الامين العام لرئاسة الوزراء، واحد من اهم القضايا التي ستثير جدلاً كبيراً، ذلك ان هذا المنصب تحديداً يمثل واحدا من اهم المناصب الحكومية التي تتجه جميع الانظار اليه، وكان قد طالب به الائتلاف الوطني العراقي في مقابل تجديد ولاية رئيس الوزراء نوري المالكي، وكان يعتقد في حينه ان هذا المطلب كان احد اسباب عدم الاتفاق بين المالكي والائتلاف الوطني العراقي، وعندما يأتي هذه المرة من الجهة الكردية فلا شك في انه سيثير مشاكل عدة.
وبالنسبة الى المطلب الرابع الداعي الى تأييد ترشيح مرشح "الكتل الكردستانية" لرئاسة الجمهورية، فينظر اليه على اساس انه يعود الى "الكتل الكردستانية" ذاتها وليس لغيرها، وهو اقتراح استغربه البعض ويرجح انه أتى على خلفية تنافس الكتل الكردية في ما بينها وقبول البعض بولاية ثانية للرئيس جلال طالباني في مقابل ممانعة كتل اخرى.
حتى ان الناطق الرسمي باسم "كتلة التغيير" (كوران) محمد توفيق صرح قبل ايام: "ان ائتلاف القوائم الكردستانية متمسك بتصوراته وببرنامجه الحكومي اكثر من تمسكه بالاشخاص"، في اشارة الى احتمال عدم قبولهم بولاية ثانية لطالباني.
اما خامس الاقتراحات الكردية، فهو اعتبار "الحكومة الائتلافية مستقيلة حال انسحاب الطرف الكردستاني" وهو ما يضع رضا الاكراد او عدم رضاهم على اداء الحكومة في مقابل رضا وقبول الاطراف السياسيين الآخرين، ومن المستبعد قبول اي كتلة سياسية بهذا الشرط، لأن ذلك يعني ان الحكومة المقبلة ستكون عرضة لسحب الثقة منها في اي لحظة.
يشار الى ان تحالف الكتل الكردستانية حصل على 57 من أصل 325 مقعداً يتألف منها مجلس النواب، منها 43 مقعدا لـ"التحالف الكردستاني"، وثمانية مقاعد لـ"كتلة التغيير"، واربعة مقاعد للاتحاد الاسلامي، ومقعدان للجماعة الاسلامية.
"النهار"




















