ليست أولى المجازر الصهيونية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد الآلة العسكرية الإسرائيلية الباغية ، ويرجح أن لا تكون الأخيرة . فتاريخ الاستيطان وبناء دولته وتوسعها تاريخ من المجازر المستمرة على شعب فلسطين منذ أكثر من قرن . ولا جديد في الموضوع طالما أن الدم هو الدم وزعماء العصابات ارتقوا إلى جنرالات بأوسمة ، والقوة العارية تعربد في السماء دون رادع أو وازع .
غير أن هول ما يجري بغزة وفظاعته منذ صباح السبت 27 / 12 / 2008 لا يتأتيان من المشهد الدموي البشع الذي تحدثه آلة الحرب الرعناء المنفلتة من كل عقال أو قيد أوحساب فقط ، إنما من المشهد العربي العاجز والممزق والمشهد الفلسطيني المنهك والمنقسم أيضاً .
كثيرة هي الدول التي تدعي تبني قضية فلسطين ومأساة شعبها ، عربية وغير عربية . وكثيرة هي المنظمات العربية والإسلامية والدولية التي تعلن تأييدها للحق الفلسطيني ومساندتها لـ " السلام العادل والشامل " في المنطقة . إلا أن غزة تبقى وحدها في المعاناة ، ومحاصرة بين البحر والمعابر والموت القادم من الجو .
وإذا كان العام المنصرم 2008 يختم أيامه الأخيرة على وقع هذه الأعمال والمشاهد ، فما الذي يمكن أن يحمله العام القابل 2009 ، الذي يؤسس له على أرضية كهذه ؟ وأين صارت " المبادرة العربية " و" حل الدولتين " الذي ينادي به العالم ؟ !
حتى الآن لم يسمع الغزاويون الذين ينتشلون لحم أبنائهم من أنياب الوحوش المعدنية ومقذوفاتها غير بيانات الشجب والاستنكار المكرورة وتصريحات الأسف لما يجري . وهم لا يبنون كبير أمل على النداءات والدعوات للاجتماعات والمؤتمرات الموعودة ، فلطالما جربوها وكانت مناسبات لتبرئة الذمم واستعراض المواقف " الوطنية " الزائفة .
يمكن للدم المسفوح في شوارع غزة أن يكون كبير أثر في أروقة السياسة في تل أبيب . فقد يدعم مواقع جنرالات الحرب أو مواقف جنرالات التسويات المرتقبة . وقد يحمل إلى السلطة العليا في الانتخابات القادمة معتدلاً أو متطرفاً من كاديما أو الليكود أو العمل . وقد يؤدي وظيفته إسرائيلياً على وجه كامل بتوحيد المنصرية الصهيونية ومواقفها تجاه القضية الفلسطينية .
كما يمكن أن يقدم فرصة مبكرة لإدارة دولية جديدة ، كي تبرز مؤهلاتها وإمكاناتها في الامتحانات الصعبة للشرق الأوسط وقضاياه الشائكة والمعلقة .
وقد يؤدي إلى دعم قوى إقليمية في تثمير مواقفها ودعم أجندتها الخاصة على طاولة المفاوضات أو في كواليس الصفقات ، لتقبض ثمن تسليفات سابقة .
وقد يستجر نشاطاً أوروبياً و أممياً و عربياً تتلهى به الماكينة الإعلامية ، لتطرح أوهام السلام في المنطقة من جديد .
ويبقى السؤآل المصيري والأهم لدم أبناء غزة المستباح :
هل يمكنه أن يلغي حالة الانقسام ، ويوحد الحركة الوطنية الفلسطينية من جديد على وقع الهتاف الشعبي الذي صرخ به أبناء المخيمات من حرقتهم " يافتح وياحماس وحدتكم هي الأساس " . فالانتفاضة الثالثة التي يدعو إليها خالد مشعل ، ووقف العدوان وهزيمته التي يعمل من أجلها محمود عباس تتطلبان هذه الوحدة .
فهل يقلب الفلسطينيون الطاولة ويكسبون الرهان ؟ !
عندها فقط لا يذهب الدم الفلسطيني رخيصاً ، بل يكون جديراً بتحقيق ما عجزت عنه الوساطات واللقاءات والاتفاقات . ويضع قطار الكفاح الوطني الفلسطيني من أجل تحرير الأرض والاستقلال الوطني على السكة من جديد .
28 / 12 / 2008
هيئة التحرير