بيروت: «الشرق الأوسط»
استأثر الوضع المتفجر في غزة بالاهتمام السياسي والشعبي في لبنان امس، خصوصا أن لبنانيين كثراً متخوفون من امتداد النار بشكل او بآخر الى الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية، فيما ذكريات حرب يوليو (تموز) 2006 لا تزال ماثلة في الأذهان. وفي هذا الاطار توالت ردود الفعل التي شابها التخوف، مع قراءات مختلفة لخطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله مساء الأحد.
وكان موضوع غزة مدار بحث بين الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان والسفير الفرنسي اندريه باران الذي زاره تحضيرا لزيارة رئيس بلاده نيكولا ساركوزي للبنان في السادس من الشهر المقبل. وأفادت مصادر القصر الجمهوري أن التشاور شمل «ما تتعرض له غزة من مجازر تنفذها اسرائيل وضرورة تدخل فرنسا لوقفها».
وبرزت مواقف أطلقت في بكركي حيث مقر البطريرك الماروني نصر الله صفير الذي كان من زواره رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط. ولم يشأ الأخير الإدلاء بأي تصريح سياسي بعد الزيارة التي لم تستمر أكثر من سبع دقائق، مكتفيا بالقول ان «الزيارة تقليدية سنوية للتهنئة». غير أن عضو كتلة «المستقبل» النائب احمد فتفت الذي زار صفير بدوره صرح بعد اللقاء «ان ما يجري في فلسطين اليوم، وتحديدا في غزة جريمة شنعاء تدعونا الى صرخة كبيرة من اجل وحدة وطنية حقيقية والتلاقي لحفظ هذا البلد وصونه من اي أخطار تصيبه نتيجة عدم المسؤولية في اي موقع من المواقع. وما قاله فخامة الرئيس (سليمان) بالامس كان مثالا يحتذى على طريقة صون هذا البلد والحفاظ عليه وعلى ابنائه». ورأى «ان ما يحصل في غزة ليس عملية عادية كما انها ليست اعتداء ولا عدوانا بل اكثر من جريمة، انها مذبحة حقيقية، للاسف افسحنا المجال لها بسبب الشرذمة في الصف العربي والشرذمة ايضا في الصف الفلسطيني». ولاحظ «اننا نسمع بعض التصريحات التي تحاول ان تشرذم الصف اكثر، وتوجه اتهامات بالعمالة والشراكة في الجريمة لاطراف عربية او ما شابه، في وقت نحن في امس الحاجة الى وحدة الصف، وحدة الصف الفلسطيني اولا ووحدة الصف العربي، ثانيا لانها الطريقة الوحيدة للحفاظ على مصالحنا العربية والوطنية». وسئل: هل تنفي وجود تواطؤ عربي؟ فأجاب: «أنا لست في موقع النفي او الاتهام. انا اقول ان ما جرى في غزة هو فرصة اعطيت لاسرائيل نتيجة تراكم اخطاء، نتيجة خطأ في الشرذمة العربية، خطأ في درس موازين القوى ايضا وخطأ في عدم العمل على تفعيل وحدة الصف الفلسطيني كما كانت تسعى له بعض الدول العربية، والذي كان من الممكن ان يشكل رادعا جديا لاسرائيل من ان تقوم بعمل كهذا». وبعد زيارته مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني قال فتفت: «نحن اليوم أمام معركة لاحتواء ما يجري عبر توحيد الصف العربي، وليس توجيه الاتهامات يسارا ويمينا باتجاه دول عربية أو ربما بعد ذلك صديقة. علينا أن نسعى جميعا لتوحيد الصف العربي، وبداية لتوحيد الصف الفلسطيني لأنه المدخل الحقيقي للصمود». وعن التظاهرة التي أقيمت قرب السفارة المصرية في بيروت أول من أمس قال: «مصر قدمت الكثير وسعت بكل جهدها لرأب الصدع بين أركان الشعب الفلسطيني، ولكن، للأسف هناك أطراف رفضوا المبادرة المصرية… المستغرب أن نشهد يوما هجوما ضد السعودية ويوما آخر ضد مصر، ونسأل لماذا لا يوجهون التهم ضد من هدد وصعّد وقال إنه سيقف خلف حماس وسيساعد الشعب الفلسطيني إذا ما تعرض، واليوم الشعب الفلسطيني يتعرض. وهذه الدول القريبة والبعيدة التي هددت ودعمت لا نرى من دعمها إلا الكلام وكلاما غير ذي مضمون» وأضاف: «ما سمعته بالامس كان فيه الكثير من العقلانية في ما يخص لبنان، إذ أقر السيد حسن نصر الله بأن إسرائيل قادرة لأول مرة عكس ما كنا نسمع منه سابقا، على فتح جبهات عدة في وقت واحد، وقادرة على خوض حروب عدة في وقت واحد». ووصف كلام نصر الله بأنه «موزون أرجو أن يتم تنفيذ ما يترتب عنه على أرض الواقع من ناحية توحيد الصف الداخلي اللبناني». وعلى الأرض، شهدت بوابة فاطمة الحدودية تظاهرة نظمها تجمع «مسلمون بلا حدود» وتخللهتا محاولة لرشق الحجارة باتجاه الجانب الاسرائيلي قوبلت باستنفار عسكري اسرائيلي. وفي ظل تدابير مشددة اتخذها الجيش اللبناني، احتشد المتظاهرون في الباحة المواجهة لأحد المواقع العسكرية الاسرائيلية ورفعوا الاعلام الفلسطينية ورايات سوداء وصورا للمجازر الاسرائيلية في غزة، اضافة الى لافتات تندد بالعدوان الاسرائيلي وبتواطؤ بعض الانظمة العربية مع هذا العدوان. وأدى المحازبون صلاة الظهر عند مدخل البوابة، وحاول البعض منهم رمي الحجارة باتجاه السياج الشائك، الامر الذي دفع بجنود الجيش اللبناني لاحكام الطوق الامني في المنطقة حفاظا على سلامة المتظاهرين، وقابل ذلك أستنفار عسكري اسرائيلي فانتشر عشرات الجنود في البساتين وعند التلة المقابلة لبوابة فاطمة واتخذوا وضعيات قتالية وصوبوا بنادقهم الى المتظاهرين.