مع ان انتقال قوى 14 آذار الى “المعارضة الواضحة” كان محسوباً بل حتمياً، فان ذلك لم يفقد هذا الحدث الداخلي طابعه الاستثنائي من حيث بروز هذه القوى بصورة معارضة متشددة واجهت خصمها الداخلي المتمثل خصوصاً بقوى 8 آذار بمناهضته الجذرية في ملفين خلافيين في “حكمه” المقبل وهما تأييد بلا هوادة للمحكمة الخاصة بلبنان وجعل السلاح غير الشرعي أولوية لا رجوع عنها. وهما الملفان الاساسيان اللذان دفعا 8 آذار الى تكوين “الاكثرية الجديدة” من أجل طيهما بعد اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري.
هذه الخلاصة العريضة برزت بقوة في مضامين الكلمات الاربع التي القاها في مهرجان “البيال” الحاشد رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري والرئيس امين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية لحزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون والتي جاءت في الذكرى السادسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر “شهداء ثورة الارز” بمثابة الانطلاقة العلنية الاولى للمعارضة الجديدة التي بدأت على وقع هذه الذكرى التحضيرات لتظاهرة حاشدة بعد شهر في ذكرى “انتفاضة 14 آذار”.
وبدا طبيعياً ان تتجه الانظار الى كلمة الرئيس الحريري في اطلالته العامة الاولى منذ اسقاط حكومته وكل ما رافقها من احتدام وجدل وتغييرات سياسية جذرية في البلاد. وبدا واضحاً ايضا ان الحريري اعد للمناسبة كلمة في حجم هذا التحول. فالى المواقف التي اطلقها والتي اتسمت بتشدد مماثل للمواقف التي عبر عنها كل من الجميل وجعجع خصوصاً، كشف للمرة الاولى جوهر ما سمي مبادرة “السين سين” بمضمون لا يخلو من مفاجأة، من حيث الاعداد لمؤتمر مصالحة شاملة، بما يخالف كل ما سبق تسريبه او الكلام عنه في الحقبة السابقة.
واكتسبت هذه الكلمة اهميتها في ادراج الحريري مواقفه تحت عنوان “العودة الى الجذور”، مفندا فيها الاتجاهات الاساسية لمعارضة قوى 14 آذار واذ اعلن ان “دماء شهدائنا ليست ملكاً لاحد ولا أولياء دم عندنا”، اكد ان “المحكمة ليست اميركية ولا فرنسية ولا اسرائيلية (…) وتمثل في نظرنا أعلى درجات العدالة الانسانية”.
ورأى ان “المحكمة ستنزل القصاص باذن الله فقط بالقتلة الارهابيين وستوجه التهمة الى افراد” مضيفاً: “اذا اراد احد ان يضع نفسه في خانة المتهمين فهذا خياره، أما نحن فسندعم المحكمة وقرارها وحكمها ولن نقول يوما ان التهمة موجهة الى طائفة او حزب او فئة”. واستدرك: “لن نكون يوماً في معرض مواجهة مع الطائفة الشيعية”.
وتناول الحقبة السابقة و”سياسة اليد الممدودة”، فلاحظ انه “قد يكون خطأنا اننا في كل مرة مددناها بصدق (…) لكننا في كل مرة قوبلنا بخديعة. وشدد على “اننا لا نقبل السلاح ولا الخضوع للسلاح عندما يوجه الى صدور اللبنانيين واللبنانيات ويصبح وسيلة لابتزازهم أو عندما يصبح وسيلة ضغط على النواب ليقوموا بعكس ما كلفهم اياه الناخب ولينكثوا العهود. واعلن “اننا لن نسلم ابدا لبقاء السلاح مسلطاً على الحياة الوطنية في لبنان”.
اما في موضوع المبادرة السورية – السعودية، فكشف الحريري انها “كانت قائمة على فكرة واحدة واساسية اننا وبكل صدق مستعدون للمشاركة في مؤتمر مصالحة وطنية لبنانية يتصالح فيه جميع اللبنانيين ويتسامح فيه جميع اللبنانيين ويعقد في الرياض برعاية الملك السعودي وفي حضور رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس الجمهورية السورية وعدد من الرؤساء العرب وقادتهم والجامعة العربية (…) وتصبح بعده تداعيات القرار الاتهامي مسؤولية وطنية وعربية جامعة… فاذا بنا مرة جديدة نقابل بطلب الاستسلام (…) وأنا اقول امامكم لا عودة الى “السين سين” وشدد على “اننا لا نتمسك بالسلطة ولا نتمسك بشيء سوى بنظامنا الديموقراطي ودستورنا… مبروك عليهم الاكثرية المخطوفة بترهيب السلاح والسلطة المسروقة من ارادة الناخبين”.
وفي اشارة ضمنية الى رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي قال الحريري: “الوسطية كما نفهمها هي الاعتدال في مواجهة التطرف ولا وسطية بين الجريمة والعدالة ولا بين السيادة والوصاية ولا بين الصدق والخديعة”.
وخلص الى القول: “نحن اليوم في المعارضة” وحدد ثلاثة مبادىء هي “التزام الدستور والتزام المحكمة وحماية الحياة العامة والخاصة من غلبة السلاح… “اننا سننزل في 14 آذار لنقول لا لتزوير ارادة الناخبين وخيانة روح العيش المشترك وتسليم القرار الوطني ولا للوصاية الداخلية المسلحة”.
اما الرئيس الجميل فوصف الاكثرية الجديدة بانها “اكثرية مبيضة وتم تبييضها بالبزات السود”. وقال: “اننا ظاهريا امام اسقاط حكومة، لكننا حقيقة امام مشهد محاولة اسقاط لبنان وهويته ورسالته”.
واذ اضاف “كفى تنازلات”، حذر من ان “الانقلاب الزاحف سيجد في وجهه معارضة زاحفة مفتوحة ومقاومة”.
وشدد جعجع بدوره على “اننا لن ندع الانقلاب الاسود الذي قام به ذوو القمصان السود والذي افرزته اكثرية وهمية سوداء ينال من عزيمتنا”. وقال: “اذا كانت ممارسات سلطة الوصاية الاولى أدت الى ثورة الارز فمجرد بزوغ ملامح سلطة وصاية ثانية سيؤدي الى ثورات أرز لا نهاية لها حتى اقتلاع المرض من اساسه هذه المرة”.
اما الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون الذي اعتبرت اطلالته مفاجأة المهرجان وانطوت على رسائل ودلالات، فأبرز ما تضمنته كلمته انتقاده “الشيعية السياسية” محذراً من “وقوعها في أخطاء من سبقها”. واعتبر ان “عبادة الاشخاص مدخل لعسكرة الطائفة وجعلها تبدو كثكنة عسكرية”. وقال: “ماذا فعلت الشيعية السياسية منذ ست سنوات وهي تتهم الآخرين بالخيانة والتآمر وتمارس أبشع انواع التصنيف؟”.
وفيما يتوقّع ان تتبلور ردود الفعل تباعاً على هذا المهرجان، رأت اوساط رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي في بعض الكلام الذي قيل في “البيال”، “اشارات ايجابية تنسجم مع نهج ميقاتي واقتناعاته الدائمة بالحوار والاعتدال والبناء على الايجابيات”. وأملت “ان يترجم الكلام الايجابي الذي قيل من خلال التجاوب مع الدعوة التي اطلقها رئيس الوزراء المكلّف للمشاركة في حكومة جامعة تعمل على تحقيق ما يتمناه اللبنانيون في كل المجالات”. كما املت “ان تترجم ايضاً بالرد ايجاباً على يد الرئيس ميقاتي الممدودة للجميع لتشكيل حكومة تعطي الشركة الوطنية معناها الحقيقي والعملي”. ورفضت “الرد على اي انتقاد لان الرئيس ميقاتي يعتبر ان ما يتمناه اللبنانيون في هذا الظرف الدقيق هو تحقيق العمل الفعلي والابتعاد عن السجالات التي لا طائل منها”.
وعلمت “النهار” ان ميقاتي زار امس رئيس الجمهورية ميشال سليمان وتشاور معه في عملية تأليف الحكومة التي كانت ايضاً مدار بحث بين ميقاتي والوزير جبران باسيل موفداً من العماد ميشال عون. وعلم ان اللقاء الذي انعقد في منزل ميقاتي في فردان تناول الاسماء والحقائب التي يريدها “تكتل التغيير والاصلاح”، كما علم ان ميقاتي استقبل المعاونين السياسيين لكل من الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري، حسين الخليل وعلي حسن خليل.
وأفادت مصادر اطراف شاركوا في هذه الاجتماعات التي انعقدت بعيداً من الاضواء، ان ولادة الحكومة هذا الاسبوع مستبعدة لان المشاورات تتقدم، لكنها لم تنضج بعد ولا تزال تحتاج الى مزيد من البلورة.
• في واشنطن، حرصت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في مقابلة مع قناة “العربية” الفضائية التي تتخذ دبي مقراً لها ان “حزب الله” اللبناني “يشكل قوة مناوئة للدولة”. وقالت: “اننا ندعم استمرار التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري والمسؤولين الآخرين، ويجب ان ندعم المحكمة الخاصة بلبنان بقوة”.
وفي نيويورك (من علي بردى) كرر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون أمس “التزام” المنظمة الدولية جهود المحكمة الخاصة بلبنان لكشف الحقيقة في اغتيال الحريري و”جلب المسؤولين عن هذا الهجوم الإرهابي الى العدالة”.
وفي الذكرى السنوية السادسة لاغتيال الحريري، صرّح الناطق بإسم الأمم المتحدة مارتن نيسيركي بأنه “فيما يحيي لبنان الذكرى السنوية السادسة للجريمة الإرهابية التي أودت بحياة (…) الحريري و22 آخرين”، أكد بان “وقوفه الى جانب الشعب اللبناني في احياء ذكرى حياة السيد الحريري وانجازاته”، مجدداً تعازيه لذوي ضحايا هذه الجريمة”. وأضاف أن الامين العام “يكرر تأكيده التزام الأمم المتحدة الجهود التي تقوم بها المحكمة الخاصة بلبنان لكشف الحقيقة، بما يؤدي الى احالة أولئك المسؤولين عنها على القضاء، وتوجيه رسالة تفيد أنه لن يجري التسامح مع الإفلات من العقاب”. وختم بأن الأمين العام “يدعو الى التنفيذ التام لكل قرارات مجلس الأمن الخاصة بلبنان”.
وأبلغ مصدر في الأمم المتحدة “النهار” أن بان “طلب رسمياً” من رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي “التزام كل قرارات مجلس الأمن”. وأوضح أن الطلب نقله المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان مايكل وليامس.
“النهار”