ربيع الجنرال
يعتبر الوزير السابق والباحث غسان سلامة ان ما حصل في لبنان من تغيير الأكثرية والحكومة يعود الى “انه في السنتين الماضيتين تم الضغط بوسائل مختلفة على فئات كانت من الأكثرية النيابية وحمل هذا الضغط بعض هذه الفئات الى تغيير موقفه”. ويضيف: “الضغط كانت له أبعاد أمنية لا سيما في 7 أيار 2008، تالياً الوسائل التي استُعملت غير قانونية وغير سياسية لكن نتيجتها سياسية. انتقلت الأكثرية النيابية من مكان الى آخر. وبانتقالها فإن لبنان أمام وضع جديد: الظاهر فيه أن حكومة سعد الحريري انتهت وبدأت حكومة نجيب ميقاتي. لكن ما هو أعمق، انتقال توجه لبنان السياسي في المنطقة. لا نعلم تماماً المدى الذي سيذهب إليه هذا التغير في التوجه”. تستكمل جمعية “إعلاميون ضد العنف” ما بدأه سلامة، فتستهجن قول رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون أنّ “هناك نهجاً كاملاً يجب أن يتغيّر في تفكير السياسيين والصحافيين”، وتشير الجمعية الى ان “نهج عون منذ اعتلائه السلطة في العام 1988 إلى اليوم غير مطمئن، فهو لم يتردد في إقفال الصحف في عهده المشؤوم، أو إسكات كل صحافي يخالف أقواله المنزلة”. وتنتقد دعوته إلى “التغيير الجذري في الجمهورية التي سقطت في لحظة انقلابية يخيّل فيها لصاحب الأدوار الانقلابية أن الفرصة باتت مواتية لقيام جمهورية ولاية الفقيه والرأي الواحد والصوت الواحد على أنقاض أول جمهورية تعددية وديموقراطية في هذا الشرق”. لكن الجنرال يعيش ربيعه بأسلوبه ويحشد مؤمنيه الى حلب للاحتفال بمار مارون، سعياً الى كراس وزارية للأقارب والصهر، في حين تتظاهر الشعوب تحت المطر لإسقاط طغاتها.
ربيع دمشق
يطعمنا الحج و”الناس راجعين”، فالديكتاتوريات تحاول ترقيع ارتكاباتها لتضمن استمراريتها. السوريون يتندرون في جلساتهم الخاصة ببركات الانتفاضتين الشعبيتين في كل من تونس ومصر، اللتين انجبتا قرارات حكومية إيجابية وصناديق للمعونة الاجتماعية لمساعدة الفقراء وتدفئتهم. وتراجع بموجبهما وضع اليد على عقارات مملوكة للأفراد قبل صدور قرارات باستملاكها وفقا لأحكام قانون الاستملاك النافذ. يا للروعة، الديكتاتور يعلن انه لن يصادر املاك الشعب الا بالقانون.
على فكرة أكدت الجبهة السورية الحاكمة دعمها الشعب المصري. وبالتزامن، حاكمت علي العبدالله، وهو سجين سياسي في الخمسينات من العمر بتهمة الاساءة الى دولة صديقة. ذنبه انه انتقد الانتخابات الايرانية من سجنه بعد توقيعه “اعلان دمشق” الذي يدعو إلى وضع دستور ديموقراطي وانهاء احتكار حزب البعث للسلطة المستمر منذ خمسة عقود، مستعيراً شهادات المعارضين الايرانيين الذين شككوا في حق الرئيس محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية. المتهم الثاني محمود باريش وهو شيوعي سابق وقّع ايضاً “اعلان دمشق”، ولم يتورع عن انتقاد الفساد امام محكمة جنائية.
بدون تعليق
الديموقراطية نقرأها ايضا في صحيفة سورية كتبت ببراءة منقطعة النظير انه “لوحظ في شوارع العاصمة دمشق قبل يومين من الموعد المفترض في الخامس من الجاري لمظاهرة في سوريا، مسيرات جوالة لسيارات تلتف بالعلم السوري وتحمل صوراً للرئيس الأسد وكانت تجول بين حين وآخر”. بالبراءة ذاتها علمت الصحيفة من أحد المشاركين في هذه المسيرات أن “الشعوب تحرق نفسها لتغيير رئيسها ونحن نحرق العالم وأنفسنا وأولادنا ليبقى قائدنا الأسد”. تتابع الصحيفة ببراءتها التعميمية ان “العديد من السوريين تمكنوا من كشف هوية المحرضين على إثارة الشغب في سوريا حيث تبيّن أن بعضهم من الإسرائيليين، وبعضهم من السوريين الذين يعيشون في الخارج منذ سنوات، وآخرين من لبنان”.
بالطبع لا اسم او صورة او دليل على الخبر من اساسه. اما في التحليل البريء ايضاً فالصحيفة دسّت ان اللبنانيين اسقطوا حكومة سعد الحريري دستورياً وعبر البرلمان اللبناني، ومن خلال مشاركة كل القوى الوطنية والشعبية، على الرغم من الدعم الأميركي الواضح والمباشر، وذلك في اطار افتتاحيتها عن ثورة تونس ومصر.
ايضاً لا لزوم للسؤال عن ايّ لبنانيين يتحدثون، وعن دورهم في تغيير وجهة لبنان، بمعزل عن تأييد الحريري او معارضته. هذا التغيير كان بالتهديد المسلح. لا عجب. فهذا هو السلوك المعهود للديكتاتوريات، التي نتمنى ان تخرج شعوبها ولا تتوقف الا بعد اسقاطها كلها.
ربيع القلب يا لبنان
حقيقة، لا يمكن الجزم ان لبنان بعيد عن هذه الجمهوريات الديكتاتورية، لكن الاكيد ان له طريقته الخاصة في ادارة ديكتاتورياته الحالية. وبما انها سيرة وانفتحت، فإن الكلام لا يمر ببراءة عن ان “رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يترأس حركة “امل” منذ 31 عاماً والبرلمان منذ 20 عاماً، كسر رتابة الكلمات في المؤتمر الـ17 للاتحاد البرلماني العربي في الدوحة عندما تحدث عن “ربيع عربي” و”اطلق وروده في حدائق العرب التي يخاف حكامها محطات التلفزة وثورة الانترنت”. بري ليس وحده المنتخب وفق الديموقراطية اللبنانية الهجينة، لأن لبنان مرصود للديكتاتوريات الطائفية… ولأن زعماءنا صامدون الى الابد. لكي تنكسر رتابة اسطوانة “الى الابد”، لا بد من العودة الى المربع الاول لقوى 14 آذار التي منحها خروجها من السلطة فرصة لها مفاعيل متعددة تساعدها في التخلص من شوائبها. اولى هذه الشوائب، الطائفية التي انجرّت اليها، والتنازلات التي حسبت انها مد يد للشريك في الوطن، ذلك ان مد اليد للمصافحة والشراكة لا يستقيم مع مد اليد على السلطة بقوة السلاح والتأسيس للفتنة المذهبية والابتزاز بالاستقرار.
ننتظر ربيع القلب في 14 شباط، ننتظر رؤية واضحة للمرحلة المقبلة، تلبي مطالب الذين افتتحوا الربيع قبل ستة اعوام ولم يخافوا من الوصاية وفظاعات الاغتيالات. عندما نتحرك بهذه الحرية فسيخاف الحزب الحاكم، وسيفقد جأشه لأنه لم يتمكن من الغائنا ولو قام بألف 7 أيار. لمواجهة النهج الديكتاتوري ستزهر 14 آذار في ساحة 14 آذار
“النهار”