• الرئيسية
  • رأي الرأي
  • سياسة
    • سورية
    • العرب
    • العالم
  • مقالات
  • تحليلات ودراسات
  • حوارات
  • ترجمات
  • ثقافة وفكر
  • منتدى الرأي
الخميس, أكتوبر 9, 2025
موقع الرأي
  • Login
  • الرئيسية
  • رأي الرأي
    بين انتفاضة القدس والحرب على غزَّة

    رسالة سياسية صادرة عن اجتماع اللجنة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري

  • سياسة
    • سورية
    • العرب
    • العالم
  • مقالات
    قواعد مرور جديدة.. الطاقة تقود والسياسة تلتحق

    اتفاق السويداء المزعوم: بين الحقيقة والدعاية

    أمن الشرق الأوسط تقرّره «الحسابات التكتيكية»

    اختصاصنا تحويلُ الأخطاءِ خطايا

    بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

    دفاعًا عن الاختلاف والخصومة الشريفة

    دفاعًا عن الاختلاف والخصومة الشريفة

  • تحليلات ودراسات
    سوريا الآن تواجه أخطر سيناريو

    سوريا الآن تواجه أخطر سيناريو

    سوريا…. في شرعية القيادة الانتقالية والحق في مساءلتها

    سوريا…. في شرعية القيادة الانتقالية والحق في مساءلتها

    قمة ترمب وبوتين… “تمرين على الاستماع”

    قمة ترمب وبوتين… “تمرين على الاستماع”

    قنبلة “إسرائيل الكبرى” التي ألقاها نتنياهو

    قنبلة “إسرائيل الكبرى” التي ألقاها نتنياهو

  • حوارات
    جورج صبرا: الشرع رجل المرحلة… وسورية في الاتجاه الصحيح

    جورج صبرا: الشرع رجل المرحلة… وسورية في الاتجاه الصحيح

    مارتن غريفيث لـ”المجلة”: إنها إبادة جماعية في غزة… وهكذا أرى الشرق الأوسط بعد هزائم إيران

    مارتن غريفيث لـ”المجلة”: إنها إبادة جماعية في غزة… وهكذا أرى الشرق الأوسط بعد هزائم إيران

    المبعوث الأممي إلى سوريا لـ”المجلة”: لا يمكن فرض الولاء للدولة بالقوة

    المبعوث الأممي إلى سوريا لـ”المجلة”: لا يمكن فرض الولاء للدولة بالقوة

    باربرا ليف لـ “المجلة”: تقاسم السلطة الطائفي ليس حلا لسوريا

    باربرا ليف لـ “المجلة”: تقاسم السلطة الطائفي ليس حلا لسوريا

  • ترجمات
    مستقبل سوريا في أزقّة دمشق القديمة

    مستقبل سوريا في أزقّة دمشق القديمة

    إسرائيل تستنجد بحلّ الدّولتين

    إسرائيل تستنجد بحلّ الدّولتين

    فريدمان يهاجم ترامب.. أميركا تتلاشى

    فريدمان يهاجم ترامب.. أميركا تتلاشى

    ميدل إيست آي: إسرائيل تستخدم الأقليات كحصان طروادة ضد الحكومة السورية

    ميدل إيست آي: إسرائيل تستخدم الأقليات كحصان طروادة ضد الحكومة السورية

  • ثقافة وفكر
    • All
    • خواطر سوريّة
    نخبنا الدينية المتنورة وقيم العيش المشترك

    نخبنا الدينية المتنورة وقيم العيش المشترك

    تمثال الأب وصورة الابن  –  نصب التماثيل وتحطيمها كتاريخ رمزي

    تمثال الأب وصورة الابن – نصب التماثيل وتحطيمها كتاريخ رمزي

    الخطاب الشعري في ضوء علم النص

    الخطاب الشعري في ضوء علم النص

    بعد سخريته من الحرية: زياد الرحباني شوّه ذاته في مرايا السوريين

    بعد سخريته من الحرية: زياد الرحباني شوّه ذاته في مرايا السوريين

  • منتدى الرأي
No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • رأي الرأي
    بين انتفاضة القدس والحرب على غزَّة

    رسالة سياسية صادرة عن اجتماع اللجنة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري

  • سياسة
    • سورية
    • العرب
    • العالم
  • مقالات
    قواعد مرور جديدة.. الطاقة تقود والسياسة تلتحق

    اتفاق السويداء المزعوم: بين الحقيقة والدعاية

    أمن الشرق الأوسط تقرّره «الحسابات التكتيكية»

    اختصاصنا تحويلُ الأخطاءِ خطايا

    بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

    دفاعًا عن الاختلاف والخصومة الشريفة

    دفاعًا عن الاختلاف والخصومة الشريفة

  • تحليلات ودراسات
    سوريا الآن تواجه أخطر سيناريو

    سوريا الآن تواجه أخطر سيناريو

    سوريا…. في شرعية القيادة الانتقالية والحق في مساءلتها

    سوريا…. في شرعية القيادة الانتقالية والحق في مساءلتها

    قمة ترمب وبوتين… “تمرين على الاستماع”

    قمة ترمب وبوتين… “تمرين على الاستماع”

    قنبلة “إسرائيل الكبرى” التي ألقاها نتنياهو

    قنبلة “إسرائيل الكبرى” التي ألقاها نتنياهو

  • حوارات
    جورج صبرا: الشرع رجل المرحلة… وسورية في الاتجاه الصحيح

    جورج صبرا: الشرع رجل المرحلة… وسورية في الاتجاه الصحيح

    مارتن غريفيث لـ”المجلة”: إنها إبادة جماعية في غزة… وهكذا أرى الشرق الأوسط بعد هزائم إيران

    مارتن غريفيث لـ”المجلة”: إنها إبادة جماعية في غزة… وهكذا أرى الشرق الأوسط بعد هزائم إيران

    المبعوث الأممي إلى سوريا لـ”المجلة”: لا يمكن فرض الولاء للدولة بالقوة

    المبعوث الأممي إلى سوريا لـ”المجلة”: لا يمكن فرض الولاء للدولة بالقوة

    باربرا ليف لـ “المجلة”: تقاسم السلطة الطائفي ليس حلا لسوريا

    باربرا ليف لـ “المجلة”: تقاسم السلطة الطائفي ليس حلا لسوريا

  • ترجمات
    مستقبل سوريا في أزقّة دمشق القديمة

    مستقبل سوريا في أزقّة دمشق القديمة

    إسرائيل تستنجد بحلّ الدّولتين

    إسرائيل تستنجد بحلّ الدّولتين

    فريدمان يهاجم ترامب.. أميركا تتلاشى

    فريدمان يهاجم ترامب.. أميركا تتلاشى

    ميدل إيست آي: إسرائيل تستخدم الأقليات كحصان طروادة ضد الحكومة السورية

    ميدل إيست آي: إسرائيل تستخدم الأقليات كحصان طروادة ضد الحكومة السورية

  • ثقافة وفكر
    • All
    • خواطر سوريّة
    نخبنا الدينية المتنورة وقيم العيش المشترك

    نخبنا الدينية المتنورة وقيم العيش المشترك

    تمثال الأب وصورة الابن  –  نصب التماثيل وتحطيمها كتاريخ رمزي

    تمثال الأب وصورة الابن – نصب التماثيل وتحطيمها كتاريخ رمزي

    الخطاب الشعري في ضوء علم النص

    الخطاب الشعري في ضوء علم النص

    بعد سخريته من الحرية: زياد الرحباني شوّه ذاته في مرايا السوريين

    بعد سخريته من الحرية: زياد الرحباني شوّه ذاته في مرايا السوريين

  • منتدى الرأي
No Result
View All Result
موقع الرأي
No Result
View All Result

مقالات:

18/02/2011
A A
0
SHARES
0
VIEWS
Share on FacebookShare on Twitter

«محنة» الجمهوريات العربية!

خالد الدخيل 

بعد تونس، البلد العربي الصغير، تتجه الأنظار الآن إلى مصر، أو البلد العربي الكبير. طوال يومي الجمعة والسبت الماضيين، كانت الانتفاضة في المدن والمحافظات المصرية هي الحدث الرئيسي في صحف وفضائيات العالم. لا يعود هذا الاهتمام لحجم وأهمية مصر، وإنما أيضاً لأنه المؤشر الأكبر خلال أقل من شهرين على المأزق الذي وصلت إليه الجمهوريات العربية. قبل حوالي أسبوعين سقط النظام في تونس تحت وطأة الضغط الشعبي. التوقعات أو الآمال أو المخاوف الآن أن تتسع انتفاضة الشعب المصري، وأن تؤدي إلى النتيجة ذاتها. ليس مهماً إن كان هذا نوع من التمني أو من المخاوف أو التحليل البارد. الأهم من ذلك أنه في زمن قصير، أطلقت تونس شرارة الانتفاضة الشعبية، لتمتد أولاً إلى الجزائر ثم إلى الأردن واليمن، والآن وصلت الشرارة كما يبدو إلى مصر. والأهمية الكبيرة لما بدأ بشكل مفاجئ تماماً في البلد المغاربي الصغير، وتداعياته المتوقعة، أنه يؤشر إلى شيء جديد لم يعهده الناس في العالم العربي، وهو أن الشعب طفح به كيل الاستبداد الذي يجمع القمع مع الخوف والفقر. بعد أكثر من نصف قرن على حكم هذه الأنظمة، خلع الشعب ربقة الخوف من الأجهزة الأمنية، ونزل إلى الشارع يريد أن يعيد الأمور إلى حالها الطبيعية، بأن يفرض نفسه طرفاً في العملية السياسية، وأن تأخذ الطبقة الحاكمة رأيه ومصالحه في الاعتبار. حاجز الخوف الذي أخرج الشعوب من المعادلة السياسية يتداعى الآن في أكثر من بلد عربي. وهذا إذا استمر يعتبر تطوراً تاريخياً كبيراً يجب أن تتعامل معه الأنظمة بما يتطلبه من شجاعة وحكمة وشفافية، هذا إذا بقيت هذه الأنظمة في مكانها. هل العالم العربي على أعتاب مرحلة تاريخية لم يعرفها من قبل؟ هكذا تبدو الأمور.

اللافت أن رياح هذا التغيّر السياسي لم تأت من بوابة بغداد، التي كانت في الماضي البعيد عاصمة الحضارة العربية، وكانت توصف في الماضي القريب بأنها عاصمة «النضال» قبل الاحتلال وحكم الطوائف. يبدو كما لو أن ثقل التاريخ والطائفية حال دون ذلك. ولم ينطلق التحول من بوابة بيروت الثقافة والحرية. وأنى لها ذلك وهي أيضاً عاصمة الطائفية في المنطقة، بل لم يبدأ العالم العربي دخول مرحلة «الثورة» من قاهرة ثورة يوليو. على العكس انطلق التغيّر من بوابة تونس، وتحديداً من بلدة سيدي بوزيد في وسط البلاد. هل للأمر دلالة ذات صلة أن أطلق التونسيون على انتفاضتهم اسم «ثورة الياسمين»؟ بعد تونس بدأت أسئلة الانتفاضة تلوح في السماء العربية. وأخطر هذه الأسئلة ما يعتمل الآن في اليمن، والأخطر منها انتفاضة الشعب المصري.

صحيح أنه قد يكون من المبكر التنبؤ بأن ما يحدث في اليمن ومصر هو تكرار لما حصل في تونس. لكن إلى جانب المؤشرات الأولية يصعب تصور أن النموذج التونسي لن يكون له أي تأثير في المنطقة، خصوصاً في مثل هذه الأيام. من هذه المؤشرات أن نسبة التعليم، ومتوسط الدخل، وثقل المؤسسات المهنية أفضل في تونس مقارنة مع دول عربية أخرى. وبالتالي كان المفترض أن تنطلق الانتفاضة في سورية أو اليمن أو مصر. لكنها انطلقت من تونس. كيف يمكن تفسير ذلك؟ المؤشر الآخر أن الانتفاضة تبدو يا الدهشة أنها جماهيرية على نطاق واسع، وأنها بدأت عفوياً، ومن دون تدخل من منظمات وأحزاب المعارضة. وهذا أكثر ما يخيف النظام السياسي الأمني، لأنه يعني أن جدار الخوف قد تصدع تماماً، وأنه يصعب السيطرة على هذه الانتفاضة لأنها من دون نقطة ارتكاز واحدة يمكن القضاء عليها قضاء مبرماً. لو أن انتفاضة الشعب التونسي حصلت قبل الثورة الهائلة للاتصالات، وتحديداً قبل أكثر من عشرين سنة، لربما أمكن محاصرة تأثيرها، خصوصاً خارج حدود المغرب العربي. لكن أنها حصلت في زمن ثورة الإنترنت والفضائيات والجوال، فهذا يعني أن حدود تأثيرها أصبحت مفتوحة تماماً وفي كل الاتجاهات. من هنا سيكون نوعاً من المغامرة غير المحسوبة عدم توقع تكرار الانتفاضة التونسية، بما يتجاوز مصر واليمن.

أكثر ما يلفت الانتباه في موجة الانتفاضة الشعبية التي تبدو وكأنها أطول من عمرها الحقيقي هو أنها تكاد تكون محصورة في حال الجمهوريات العربية. تبدو الأنظمة الملكية حتى الآن باستثناء ما جربته الأردن بمنأى عن العدوى التونسية؟ هل هذا صحيح؟ ولماذا؟ لن نستبق أنفسنا بمحاولة الإجابة على هذا السؤال. في مقالة لاحقة سيكون علينا تناول الجانب الآخر من الصورة أو الملكيات العربية. سيكون شاغلنا في هذه المقالة الأنظمة الجمهورية.

ثورة الشعوب على جمهورياتها مؤشر على حجم التغير الذي أصاب المشهد السياسي العربي. فقبل أكثر من نصف قرن كانت الملكيات العربية تمر بأسوأ لحظاتها السياسية. كانت تعتبر أنظمة رجعية، وأنها رمز على التخلف، وعدم اللحاق بركب العصر. في مثل هذه الأجواء كان الانقلاب على النظام الملكي، واستبداله بنظام جمهوري يعتبر واجباً وطنياً، وخطوة تقدمية لتحرير الشعب من ربقة العبودية والتخلف. كان إسقاط نظام ملكي في هذا البلد العربي أو ذاك لحظة احتفالية، ومدعاة للفرح والفخر بالانتقال من نظام ينتمي للقرون الوسطى، إلى نظام جمهوري ينتمي للجماهير وللعصر الحديث. في هذا الإطار، جاء انقلاب 23 يوليو 1952 على الملكية في مصر، وهو الانقلاب الأهم والأوسع تأثيراً على الحياة السياسية العربية في النصف الثاني من القرن الماضي. وقد عرف هذا الانقلاب لاحقاً في الدراسات الأكاديمية بأنه كان نوعاً من الـ»ثورة من فوق»، انطلاقاً من أنه بدأ كانقلاب في قمة هرم الدولة وليس من قاعدته الشعبية، لينتهي بتغيرات اجتماعية وسياسية واسعة. ما بين 1952 و 1970 شهد العالم العربي سقوط أربعة أنظمة ملكية: في مصر، والعراق، واليمن، وليبيا. هذا عدا عن محاولات انقلاب فاشلة ضد أنظمة ملكية أخرى.

لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت الشكوك تحوم حول طبيعة الأنظمة الجمهورية الجديدة، ومدى التزام قادتها بشعاراتهم الجماهيرية، وبشكل خاص بالقيم السياسية المرتبطة بمصطلح الجمهورية. كل من مصطلح «الملكية» و»الجمهورية» ليس مصطلحاً عربياً، وإنما مأخوذ من الثقافة الأوروبية والآسيوية. سلطة الملك مستمدة من الحق الإلهي، أما السلطة في الجمهورية فمستمدة من الشعب. وكم كانت خيبة الشعوب العربية كبيرة ومؤلمة عندما أيقنوا بأنهم كانوا ضحية لخدعة لم يحتسبوا لها، وأن رؤساءهم تاجروا كثيراً بمشاعرهم وبثقتهم. أفاق الناس على حقيقة أنهم ليسوا مواطنين في أنظمة ملكية، لكنهم ليسوا أيضاً مواطنين لأنظمة جمهورية، تبين أن الجمهوريات ليس فقط أنه ليس لها من أسمها نصيب، بل قد تكون أسوأ من الملكيات. تبين أن رؤساء هذه الجمهوريات لا يريدون مغادرة الحكم إلا على نعش الموت، ولتحقيق أمنيتهم لجأوا من ناحية إلى آلية القمع الأمنية، وتكميم الأفواه، ومن ناحية أخرى إلى نظرية المؤامرات الخارجية التي يحيكها الأعداء ضدهم بهدف إجهاض مشاريعهم الوطنية. من نجح من هؤلاء الرؤساء في الاحتفاظ بالحكم ضد خصومه، وأرغمته الضغوط الخارجية على الانتخابات، نجح أيضاً في خلافة نفسه مرة بعد أخرى بنسب فلكية لا يحلم بها حتى الأنبياء، ومن بقي في الحكم حتى بلغ به السن عتياً يلجأ غالباً إلى فكرة توريث الحكم لابنه من بعده. حصل هذا في سورية، وكان يتوقع أن يحصل في كل من مصر، واليمن وليبيا. هل تستطيع الأنظمة الثلاثة الأخيرة أن تستمر في خطة التوريث حتى بعد انتفاضة الجماهير الأخيرة؟ قد ينكر قادة هذه الأنظمة أمام هبة الجماهير أية نية لديهم في التوريث، المدهش أن أياً من قادة الجمهوريات العربية لم يملك مشروعاً سياسياً أو اقتصادياً. ولذلك بعد أكثر من نصف قرن على حكمها بقي سجل هذه الجمهوريات في الإنجازات السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية نظيفاً، يكاد أن يكون صفراً: الوضع المعيشي للناس يتراجع باستمرار، والدخول تتراجع، والحريات تتلاشى، والقمع يتصاعد مترافقاً مع الفساد. وجد الناس أنفسهم موضوعاً للقمع والفقر والخوف، الشكوى محظورة. والنقد علامة على التعاطف مع أعداء الأمة. الغريب أن هذه الجمهوريات لم تتمكن حتى الآن من وقف المؤامرات التي تخاف منها ليل نهار.

كشفت انتفاضة الشعب التونسي بشكل مرير ومكلف مأزق الجمهوريات العربية، وهي انتفاضة تمثل استئنافاً متأخراً لتغير كان يفترض أنه بدأ قبل أكثر من نصف قرن، لكن ذلك الزمن كان زمن الانقلابات والمؤامرات، وليس زمن الثورات والتغيير السياسي. قبل «ثورة الياسمين» لم ترتبط صفة «العربية» بمصطلح الثورة إلا مرة واحدة، كان ذلك عام 1916 عندما تمرد الهاشميون على «الخلافة العثمانية» بالتواطؤ مع الإنكليز. الآن يبدو أن ارتباطاً جديداً ومختلفاً بين الصفة والمصطلح بدأ يتشكل ويتبلور. هل جاء هذا الارتباط متأخراً عن موعده ما لا يقل عن نصف قرن؟ أم أن الآن هو لحظته المواتية؟ هل دشنت الانتفاضة التونسية لحظة استعادة الجمهورية التي اختطفها قادة انقلابات لم يكن شاغلهم إلا خلافة أنفسهم، أو توريث أبنائهم؟ ولماذا تونس، ومصر واليمن؟ وليس سورية وليبيا والجزائر، على سبيل المثال؟ لا نزال في لحظة المفاجأة والسؤال. مهما تكن الإجابة، من الواضح أن الجمهوريات العربية دخلت طوراً جديداً، تدفع فيه ثمن تاريخها، واستهتارها بحق الشعوب وقدرتها على الانتفاضة والتغيير. سيكون من المستحيل تقريباً، على الأقل، الاستمرار في لعبة التوريث.

الحياة 30/1

+++++++++++++++++++++++++

 

سقوط مقولة «الاستثناء العربي»:

 العرب يثورون للحرية

خالد الحروب

أكاديمياً ونخبوياً وبحثياً، أتعبَنا السؤال الكبير خلال العقود الماضية حول امتناع العرب عن الثورة ضد الظلم والاستبداد. تفاقم السؤال في وجوهنا بشكل أكثر قوة بعد انقضاء الحرب الباردة، إذ أزيحت عن صدور الشعوب، بدءاً بأوروبا الشرقية ثم امتداداً إلى مناطق أخرى من العالم، دكتاتوريات عاتية ما كان يُظن أن إزاحتها تقع في نطاق الأمد المنظور. موجة الديمقراطية والانتفاح السياسي التي عمت جغرافيات عديدة في قارات الارض لم تمر بالمنطقة العربية. صمد الاستبداد العربي بشكل مدهش وعاد السؤال اللئيم يتراقص أمامنا بعناد: لماذا لا يثورون، ولماذا لا يتدمقرطون؟ صمد ذلك الاستبداد ايضاً في وجه حملة جورج بوش الابن لدمقرطة الشرق الأوسط، وهي الحملة المشبوهة بأهدافها لكنها أربكت السلطوية العربية إلى درجة دفعها لاحتواء الحملة بأشكال مختلفة وصلت إلى عقد القمة العربية سنة 2004 في تونس تحت عنوان الإصلاح! عتاة الاستشراق الكلاسيكي كانوا يبحلقون في عيوننا باستهزاء وتشفٍّ وهم يجادلون حول اعتياد العربي على الاستبداد وقبوله به آلياً ومن دون اي مساءلة. وفي محافل البحث والأكاديميا والصحافة برزت مقولة «الاستثناء العربي»، ذلك أن العرب تاريخياً وثقافياً ودينياً وراهناً لا يتواءمون جوهرياً مع افكار الحرية والديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية. وأن السلطوية والأبوية والخضوع للنظام الإكراهي القائم، سواء أكان نظاماً دينياً، ام سياسياً، أم اجتماعياً، أم طائفيا، تبقى هي المعالم الاساسية الناظمة للاجتماع السياسي. الإكراهات التقليدية والقديمة في إخضاع الناس اعادت إنتاج نفسها في شكل الدولة الحديثة في العالم العربي، وهي التي قامت في جوهرها على الاستبداد والتوريث ولم تستورد من الحداثة إلا شكلها الخارجي وبطشها الأمني والعسكري.

الانتفاضات التي نراها اليوم في طول العالم العربي وعرضه صحية، وتعيد ثقة العرب بأنفسهم افراداً وشعوباً، وتنقض وتدمّر مقولة الاستنثاء العربي. العربي الذي بُهر به الاستشراق الكلاسيكي القديم نفسه، بكونه متحرراً من كل قيد، ومستبطناً تحرر الصحراء وانفتاحها على اللاحدود، هو نفسه الذي ظلمه ذلك الاستشراق وكبله بمقولة الاستثناء والخضوع المؤبد للاستبداد. ما نراه اليوم، وبصرف النظر عن الظروف الآنية والدافعة، يعني أن التوق الى الحرية والكرامة السياسية هو مشترك إنساني لا تُستثنى منه قومية أو شعب. ويعني أن المحرك الأساس في اندفاعات الناس والشعوب نحو تغيير ظروفها باتجاه الأفضل هو السياقات التاريخية والاقتصادية والسياسية وليس مزاعم التثاقف الجوهراني.

في العالم العربي في حقبة ما بعد الكولونيالية وتحقيق الاستقلالات، ارتبك الوجدان العربي الجماعي والفردي، النخبوي والعام. وفي «ورشة» التحرر من الاستعمار وبروز شرعيات ثورية وغير ثورية ونخب حاكمة في البلدان المُستقلة حديثاً، مَنحت الشعوب المرتبكة والمشتتة بين دعاوى التوحيد القومي والسيادة القطرية، فرصاً زمنية طويلة لنفسها ولنخبها كي تستوعب عمق التغييرات الواقعة. في الوقت نفسه طرحت النخب الحاكمة قضيتين أحرجتا الوجدان الجمعي، بسبب تماسك منطقهما الخارجي على الأقل. الأولى هي اولوية التنمية وتحقيق التقدم على الديمقراطية والانفتاح السياسي. لم تكن هذه نظرية من تصنيع عربي، بل كانت الأطروحة الأكثر تَسَيُّداً في العالم الثالث في حقبة ما بعد نزع الاستعمار، من آسيا الى افريقيا، إلى أميركا اللاتينية. قام الجدل النظري العميق على مقولة أن الدول الفقيرة والضعيفة والمستقلة حديثاً لا تتمتع بامتلاك شروط الحد الأدنى الموضوعية لتأسيس انظمة ديمقراطية. فليس هناك طبقة متوسطة عريضة، ولا اقتصادات متينة، ولا ثقافة سياسية عريقة. لهذا، فإن الأولوية هي الانخراط بالكلية في مشروعات تنموية طويلة الأمد تؤسس البنى التحتية اللازمة للدمقرطة المأمولة لاحقاً.

أما القضية الثانية فكانت إسرائيل وأولوية مواجهتها قبل أي امر ضاغط آخر، بما في ذلك الإصلاح السياسي والديمقراطية، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، كما دوى الشعار لعقود طويلة. كانت حجة الأنظمة، خاصة المحيطة بفلسطين، أن التهديد الإسرائيلي لا يتيح ترف التفكير بالخيارات الديمقراطية، وان الانشغال الاكثر إلحاحاً على الجميع يجب أن يكون مواجهة إسرائيل. نعرف الآن خوائية ذلك الشعار ووظائفيته الكبرى في خدمة استمرار النخب الحاكمة، لكن لا أحد يستطيع ان ينكر فعالية تأثيره على شرائح كبرى في الرأي العام، وهي الشرائح التي تسامحت مع النمط الاستبدادي للأنظمة مقابل تعهداتها بالتنمية ومواجهة اسرائيل، ومنحتها الوقت كي تخرج من حقبة الارتباك وتبني بلداناً مستقرة وقوية وفيها عدالة اجتماعية.

لم يتوقف الامر عند عتبة الارتباك الداخلي، القومي والقطري والتنموي، بل جاءت عوامل خارجية بالغة الضغط والتأثير ساهمت في تشتيت تركيز العقل الجمعي لهذه المجتمعات. أهم تلك العوامل الخارجية كان، وكما أُشير، إقامة إسرائيل في قلب العالم العربي، وهو ما عزز من ديمومة التدخلات الأجنبية الغربية والشرقية، إضافة إلى ما في المنطقة نفسها من ثروات وموقع استراتيجي. بالمحصلة صار الشرق الأوسط وعالمه العربي ساحة من أهم ساحات الصراع الاستقطابي العالمي وما زال. وحتى عندما انتهت القطبية الثنائية في العالم، فإن المصالح الغربية الاستراتيجية في المنطقة لم تنته، بل ظلت على أهميتها ومركزيتها.

أدت تلك الظروف مجتمعة صدمة الاستقلال والشرعيات البازغة، والارتباك القومي القطري، وتقديم اولوية التنمية، والتهديد الإسرائيلي، وخضوع المنطقة إلى تدخلات خارجية طاحنة، إلى إطالة عمر الدكتاتوريات المحلية التي وقعت في إغراء إمكانية مد سيطرتها على الحكم من دون أسقف زمنية. الفسحة الزمنية التي منحتها الشعوب لنُخَبِها، دكتاتورية كانت ام غير ذلك، انتهت الآن، ويبدو أننا دخلنا حقبة جديدة. كل المسوغات التي اقنعت الشعوب بإمكانية، وربما ضرورة، منح نخبها تلك الفسحة الزمنية انتهت وفقدت مفعولها. زال الارتباك القومي وتكرست سيادات البلدان وما عاد بامكان اي منها استخدام فزاعة الذوبان في إطار وحدوي أعم من أجل إطالة نمط الحكم فيه. والشرعيات الثورية وغير الثورية التي اقتنصت الحكم في حقبة ما بعد الاستقلال وقامت عملياً على منطق «الغلبة» استنزفت رأسمالها التاريخي ولم يبق لها، أو لمن توارثها، اي مبررات يستقوي بها على الشعب أو حتى على النخب الجديدة الصاعدة ليبرر استمرار سيطرته على الحكم. كما أن مسوغ تحقيق التنمية وطحن الحرية والديمقراطية على مذبحها لم يعد يقنع احداً، خاصة وقد ثبت تلازم الاثنين. فالتنمية الحقيقية والاقتصاد الناجح يستلزمان حرية وشفافية وديمقراطية وقضاء نزيهاً يعلن حرباً لا تهدأ ضد الفساد.

الأمر نفسه ينطبق على مسوغ إسرائيل والتدخلات الخارجية وقد استُخدما كفزاعة دائمة لتأجيل الإصلاح والانفتاح السياسي والدمقرطة، فإسرائيل واحتلالاتها وتهديداتها زادت ولم تنقص في ظل شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». كما ان اسرائيل ذاتها والتي هزمت العرب مراراً وتكراراً تقوم على نظام ديمقراطي وتعددية سياسية (طبعا مع استثناء عنصريتها إزاء فلسطينيي الداخل)، ومع ذلك فهي تخوض حروباً وتنخرط في تهديدات وتنتصر فيها. معنى ذلك أن النظام الديمقراطي والحرية السياسية لا يقفان ضد تصلب وتصليب الإرادة الوطنية إزاء التهديدات الخارجية، وهناك أمثلة من العالم لا تحصى لتدعم هذه النقطة.

خلاصة الأمر أن ما كان قد اعتبر استثناء عربياً يسم العرب بجوهرانية وتأبيد الانتساب للاستبداد والثيوقراطية السياسية والقبلية والدينية لم يكن سوى التعبير العريض عن فسحة زمنية منحتها الشعوب العربية لنخبها في ظرف تاريخي وسياق سياسي محدد. ويبدو الآن أن هذه الفسحة انتهت او هي في طريقها للانتهاء. والشيء المدهش والمعلم البارز في الاندفاعات والانتفاضات العربية الراهنة هي أنها شعبية بامتياز، وليست نخبوية ولا تستطيع حتى الاحزاب السياسية والمعارضات ادعاء تحريكها وامتلاكها. معنى هذا ان الشعوب التي كانت قررت منح الفسحة الزمنية الموصوفة في هذه السطور هي ذاتها التي تسحبها الآن وتقرر مصيرها بيدها.

ملحق جريدة الحياة 29/1/2011

++++++++++++++++++++++++++

 

تجربتي الشخصية في ميدان التحرير

مصطفى اللباد*

الشوارع خالية تقريبا من المارة يوم الجمعة الثامن والعشرين من كانون الثاني في محيط نقابة الصحافيين بالقاهرة إلا من صف طويل من قوات الشرطة بعرض الشارع بحيث أمكن قفل التقاطع الواقع على شارع عبدالخالق ثروت حيث تقع النقابة وشارع رمسيس الذي يربط ميدان التحرير بميدان رمسيس. وفي وسط الشارع وقبل أن تبلغ النقابة اصطفت الشرطة مانعة بعنجهيتها الصحافيين من الوصول إلى نقابتهم.

بعد مشادة قصيرة ترتدّ إلى نهاية شارع عبد الخالق ثروت المتقاطع مع شارع قصر النيل مرورا بنادي القضاة والسفارة السويسرية. حركة المرور لا تبدو طبيعية في ضوء الحشود الأمنية المتراصة في مداخل الشوارع. تدلف إلى شارع قصر النيل فتجد صحافيين ومثقفين وباحثين ينتمون إلى تلاوين وطنية ويسارية مختلفة يتجمعون للتظاهر غير مصدقين أن التظاهرات ستنطلق، فآلة النظام القمعية كانت، ولسنوات طويلة، لا تسمح في الغالب إلا بتظاهر حفنة لا تتعدى مئتي شخص في مكان ضيق كسلالم نقابة الصحافيين أو دار القضاء العالي.

هل يتكرر اليوم أيضا مشهد تظاهرات الثلاثاء الناجحة؟ سؤال راود الكثيرين في ذلك اليوم. تهل أول موجة من المتظاهرين قادمة من ميدان طلعت حرب. حوالى مئة متظاهر يسدون نهر الطريق، السيارات تعود إلى الوراء، ورجال المرور يبدأون بالاختفاء. يقف العاملون في المحال التجارية على قارعة الطريق يشاهدون التظاهرة التي تقول علناً ما يقولونه سراً في أحاديثهم الشخصية. تنضم إلى المتظاهرين في الشارع والذين يغلب عليهم الشباب وإن كان وجود الأكبر عمراً ملحوظاً بينهم. بعد التئام شمل مجموعة المثقفين بالمتظاهرين وفي انصياع محمود لهؤلاء يبدأ الهتاف: “يا أهالينا انضموا لينا”.

يرمي سكان البنايات الكوزموبوليتانية الطابع الواقعة في الشارع -والتي تعود إلى بدايات القرن الماضي والمتهالكة بفعل الزمن وغياب الصيانة- بزجاجات مياه للمتظاهرين تعاطفاً. تنتبه إلى الشعارات السائدة “عاوزين حرية… وعدالة اجتماعية”، “ثورة ثورة حتى النصر… ثورة لكل شرايح مصر”، “يا جمال قول لأبوك كل الشعب بيكرهوك” و”سلمية… سلمية”. شعارات تنم عن توجهات المشاركين بتنظيم التظاهرات، فهي في الأغلب من التنظيمات اليسارية الشبابية الكثيرة في مصر. ترى رجالا ونساء من الطبقة الوسطى يحملون أطفالهم وقد أمسكوا أعلاما هاتفين لمصر التي قهرها حسني مبارك ونظامه المجنح بالقمع الأمني والفساد المالي. ينضم الشباب العامل في محال المنطقة إلى التظاهرات فيتجهون نحو صور الرئيس التي علقتها أكشاك السجاير والحلويات كتميمة لاتقاء شر الشرطة، يحطمون تلك الصور وينزلونها أرضاً وسط الهتافات وتصوير مراسلي الصحافة الغربية الذين ظهروا على حين غرة. فجأة تدخل عربات الشرطة المدرعة الشارع بأقصى سرعتها ومن فتحة علوية فيها تطل ماسورة سلاح يطلق القنابل المسيلة للدموع، أميركية الصنع. تدوي الطلقة فتلحظ العبوة الغازية وهي تطير في الجو لتحط في وسط الشارع في حين تقطع السيارة المطلقة الشارع بأقصى سرعتها هاربة في اتجاه ميدان طلعت حرب.

الجميع كان يتوقعها وقد تسلح بتجربة تونس التي تشاركها رواد الفايسبوك فحمل في جيبه عبوات الكولا لمسح الوجه بها تلطيفاً لآثار الغاز. نهرب من قنابل الغاز في الممرات الفسيحة بين البنايات، لكن آثارها تلاحقنا وهي تحرق الصدور والعيون بوحشية. ومع ذلك يحتفظ بعض المتظاهرين بتلك العبوات بعد أن تفرغ من غازها كتذكار ربما لاعتقادهم أن اللحظة لن تتكرر لسنوات مقبلة.

تختفي السيارة المصفحة ويستعيد المتظاهرون أنفاسهم فيعودون إلى الشارع مرة أخرى الأداء ذاته والهتافات ذاتها مستخدمين الحواجز الحديد لشرطة المرور في إقفال الشوارع بمهارة وإحكام من بدايتها ونهايتها معلنين الشارع منطقة محررة. لأول مرة تنكسر هيبة النظام ومبارك علناً إلى هذه الدرجة برغم العنف الشديد الذي تبديه الشرطة تجاه المتظاهرين. تلاحظ ضباط الشرطة المنتظرين بكثافة في الشارع والكثير منهم يحمل آلة تصوير بالفيديو للتظاهرات عن بعد. تكتشف أن الانتفاضة التي بدأت الثلاثاء اشتدت وتيرتها. هي بدأت تتحول إلى أكثر من انتفاضة… إلى ثورة. 

تنزل يوم السبت إلى ميدان التحرير في قلب القاهرة بعد اتفاق المتظاهرين على تركيز الاحتجاجات فيه بسبب رمزيته المعلومة وبسبب اتساع رقعته (أكبر بمرات عدة من ساحة الشهداء في بيروت)، فتجد الشوارع المؤدية إلى الميدان شبه خالية إلا من بعض المارة بعد اختفاء وتبخر قوات الشرطة ومنتسبي وزارة الداخلية الذين يقدر عددهم بحوالى 1،7 مليون موظف بين ضابط وجندي ومخبر وموظف إداري. الهدف الأساس من اختفاء قوات الشرطة من الشوارع خلق حالة من الفراغ الأمني للمواطنين العاديين، وبالتالي ترويعهم وترويع المتظاهرين بأن الأمور تتجه نحو المجهول. تحتضن جدران المباني الواقعة على طول الطريق الممتد إلى ميدان التحرير شعارات الثورة بكثافة، في مشهد غير مألوف قبلا. ترابض دبابات الجيش على مداخل ميدان التحرير، والشوارع تشبه ساحة الحرب: سيارات شرطة محترقة ومكتوب عليها بالعامية “دي نهاية الظلم”… تمر بالقرب من مقر “الحزب الوطني الديمقراطي” الحاكم على كورنيش النيل والملاصق لفندق هيلتون وقد احترق بالكامل.

تفتش لجان تنظيم التظاهرة الداخلين وتطلب هوياتهم للتأكد من أن القادم ليس من منتسبي وزارة الداخلية. يشوب بعض الهرج عملية التفتيش التطوعية، بطرف عينك تلمح الشوارع المؤدية إلى الميدان وهي مغلقة أمام السيارات. ينتشر مئات الآلاف من البشر في الميدان، مجموعة تتفرق على موعد: عند كنتاكي أو عند قهوة زهرة الميدان أو تحت يافطة “الشعب يريد إسقاط النظام”. يعلو صوت في اتجاه القادمين خلفك: “دي ثورة يا شباب مش مظاهرة!”. يطغى حضور الشباب مرتدي الجينز والكوفيات الفلسطينية، تلحظ أصدقاء وزملاء دراسة لم ترهم منذ سنين: محامون، مهندسو كمبيوتر، أصحاب شركات صغيرة، صحافيون، فنانون. القبلات والأحضان شهادة للحاضرين وأصل براءة من النظام والمفسدين. يافطات متنوعة تحط من هيبة وكرامة رأس النظام، مواطنون مطحونون كنت تراهم ساهمين في وسائل المواصلات وقد تحولوا إلى كتلة تظاهر كبيرة مليئة بالتصميم.

تلحظ وجوداً شاحباً لناشطي الإخوان المسلمين. تعرفهم من هندامهم التقليدي أو “الزبيبة” في جباههم ومن الشعارات التي يحملونها دون أن يصرحوا علناً عن هويتهم، مثلما تعرف اليساريين من هندامهم وكوفياتهم الحمراء أو كوفياتهم الفلسطينية. مجموعة من الشباب تتحلق حول صورة الزعيم جمال عبد الناصر وتهتف” يا مبارك يا مبارك تل أبيب في انتظارك”، مجموعة أخرى تتحلق حول طفلة لا تتجاوز السبع سنوات تهتف في ميكروفون متنقل. تلاحظ وجود “الإذاعة الداخلية” أي سماعات الصوت المربوطة بميكروفون عند طرف الميدان قبالة “كنتاكي”، تتجه إلى هناك وتقابل في طريقك معارفك من الجنسين. لا تجد حرجا من أن تحيي صديقة بالقبلات، وهو أمر غير مألوف في مصر بعد أسلمة مجالها العام على مدار العقود الأربعة الأخيرة، وبجانبك شاب ملتح يبتسم وهو يدعو المتظاهرين للصلاة.

تشق طريقك إلى حيث الإذاعة الداخلية فتجد وجها يساريا تروتسكيا معروفا يمسك بالميكروفون مسدداً في إحكام شعاراته اليسارية المغموسة بطابع شعبي. تنظر إلى اللافتات القماشية فتجدها وقد كتبت بخط اليد وعلقت على أعمدة الإنارة. تحلق فوقك المروحيات فتستفز المتظاهرين الذين يرفعون شعارات النصر إلى فوق مرددين هتاف سقوط مبارك. تلحظ نفرا قليلا يصلي وبجانبهم مجموعة طلبة من الجامعة الأميركية شباب وصبايا في العشرينات يدخنون ويشربون القهوة. مجموعات من الشباب تتحلق حول ناشط من حركة “9 مارس” الخاصة بأساتذة الجامعات، شباب يوزعون بيانات ثورية ماوية، وآخرون يوزعون بيانات تغلب عليها مفردات التيار القومي… مجموعة تنتمي لإحدى الحركات الليبرالية تتناقش بصوت عال ومجموعة أخرى تهتف: “الله أكبر”. تنوع يبهرك بقدرته على التآلف.

يظهر أثر “الإخوان المسلمين” أكثر وضوحاً، مرة بعد مرة كلما توجهت إلى الميدان، بعد قرار مكتب الإرشاد بالانخراط المكثف بالتظاهرات. كما تلاحظ في المرات اللاحقة أن شعار “الشعب يريد إسقاط الرئيس” قد غلب على شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، مثلما تلحظ أن اللافتات المكتوبة بخط اليد والمنتشرة في الميدان قد تحولت إلى لافتات ضخمة مكتوبة بالكمبيوتر. أما “الإذاعة الداخلية” فقد أصبحت فائقة الضخامة قياساً بمثيلتها على الجهة الأخرى من الميدان، فضلاً عن أن هيئة ومظهر من يوزعون التغذية على المتظاهرين صارت أكثر وضوحاً.

تقابلك إمرأة خمسينية تحمل على صدرها ورقة ملصقة على ورق مقوى تقول أن ابنها قبض عليه ضابط الشرطة فلان يوم كذا بسبب خصومة شخصية ولا تعرف له مكاناً. ناشط يساري من عمر والدك نزل متحمساً إلى الميدان محذراً من زحف التيار الإسلامي على التظاهرات. تجادل بأن الهدف الرئيسي هو إسقاط النظام الفاسد وأن الأهداف الثانوية يجب أن تتوارى خلف الهدف الرئيسي. مجموعة من شباب اليسار تصفق لكلمتك. تبتعد خجلاً، فتجد شبابا يشيرون إليك وسط التظاهرة ومعهم مراسلو تلفزة غربية يقطعون طريقهم وسط الحشود في اتجاهك. “هل تتحول مصر إلى إيران سنية؟” كان سؤالهم الأساسي. يتحلق حولك بعض من طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية سائلين: “هل تتحالف مصر الآن بعد الثورة مع تركيا لمحاصرة إسرائيل؟”.

الكل يتنفس تاريخ المرحلة… هيبة حسني مبارك ونظامه لم تسقط فقط، ولكن الكل مدرك للأبعاد الاستراتيجية للثورة الوليدة. انتشرت “لجان الحكماء” مثلما ينتشر الطاعون، كثيرون ممن لا تربطهم بالثورة علاقة يريدون ركوب الموجة وقطف ثمار المرحلة عبر التوسط بين المتظاهرين والسلطة، مفترضين الحكمة في ذواتهم والخرق في ملايين المتظاهرين. اقتراحات “المثقفين” و”الحكماء” تنحدر بسقف الثورة إلى مستوى نقل سلطات مبارك إلى نائبه عمر سليمان ومن ثم التفاوض معه.

تمر على الرصيف خلف الإذاعة الداخلية عند غروب الشمس في اتجاه وسط البلد إلى المقهى حيث ينتظرك الأصدقاء لتناول فنجان من القهوة، قبل العودة مجدداً إلى التظاهرة. تجد أستاذة العلوم السياسية ذات الاتجاه الإسلامي، التي تقطن في إحدى البنايات المطلة على الميدان، وقد تحلقت حولها مجموعة من الشباب المؤمنين بها وبأفكارها كزعيم حقيقي. تحييك بحرارة وتسأل عن الأحوال، كلاكما يقول للآخر: الثورة ستنتصر.

تخرج من الميدان وسط أصدقائك رافعاً قبضتك اليمنى للمروحيات المحلقة من فوقك مستعيداً الهتاف الأثير لملايين المصريين: الشعب يريد إسقاط النظام! 

*(مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية – القاهرة)

النهار 9/2/2011- القاهرة

+++++++++++++++++++++++++++++

 

الحرية والدولة المدنية عنوان ثورتي تونس ومصر

نقولا الزهر

         بعد الأحداث الثورية العارمة في كل من تونس ومصر؛ دون أي شك، تدخل المنطقة العربية، وربما منطقة الشرق الأوسط بكاملها، في حقبة جديدة تختلف جذرياً عن الحقبة التي تعيشها منذ أكثر من نصف قرن. إن الهبَّات الشعبية الهائلة المنطلقة من تحت الرماد، تشير إلى أن شعوب العالم العربي المترامي الأطراف قد نفذ صبرها، ولم يعد لديها القدرة على تحمل الاستبداد والقمع وكمّ الأفواه وطغيان الفساد والبطالة والفقر والجوع وهدر الكرامة وحرمان الناس من أبسط حقوقهم الطبيعية والمدنية والسياسية.

-1-

 في بداية الاحتجاجات ذهب بعض الكتاب اليساريين ليطلق عليها ثورات الجياع والمحرومين وسكان المقابر والعشوائيات. في اعتقادي لم يكن إلى حدٍ كبير هذا التوصيف دقيقاً. وفي الواقع أنها ثورات الطبقة الوسطى بامتياز، وحاملها الاجتماعي أوسع بكثير من أن نقصره على الجياع والمحرومين. فقد انخرط فيها منذ ساعاتها الأولى أعداد كبيرة من الصحفيين والكتاب والأدباء والفنانين والقضاة والمحامين والأطباء والمهندسين  ورموز كبيرة من العلماء والسياسيين المخضرمين وكذلك أيدها رموز من البرجوازية الوطنية والاقتصاديين ورجال الأعمال. فهذه الثورات هي من أجل الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني، و من أجل استعادة كرامة الناس التي استبيحت، ومن أجل سيادة القانون والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية. ففي هذه الأحداث الثورية تعانقت بكل قوة مطالب الحرية السياسية مع مطالب الحرية الاجتماعية وسقطت نظرية تقديم الثانية على الأولى التي كان قد أسس لها منظرو وسياسيو نظام حكم الحزب الواحد القائد للمجتمع في أواخر خمسينات القرن الماضي. ولذلك لا نستغرب أن يكون شعار الجمهورية الثانية أحد شعارات المنتفضين. فالهدف هو بناء الجمهورية المدنية والديمقراطية.

-2-

         لقد فاجئت أحداث تونس ومصر الأنظمة العربية الحاكمة كافة، سواءً من حيث حاملها الاجتماعي الواسع والمتنوع أو من حيث زخمها المشهدي الهائل ومنظورها الاستراتيجي وليس ذلك فحسب، إنما فاجئت أيضاً أحزاب المعارضة التقليدية بمختلف اتجاهاتها الإيديولوجية من اليمين واليسار والوسط. وقد شعرت هذه الأحزاب أنها خلف هذا السيل الهادر من الشباب المحتجين وبعيدة عنهم وعن أدواتهم النضالية إلى حدٍ كبير.

 ربما هذه التطورات الهائلة في الشرق الأوسط، لم تفاجئ تماماً المجتمع الدولي والأوساط السياسية الغربية ومعاهد الأبحاث فيها، لكن مع ذلك بدا أن هذه الجهات لم تكن تتوقع أن تكون هذه الأحداث بمثل هذا الزخم الثوري وهذه الديناميكية، وتبين أنها لم تكون مستعدة لمواجهتها وخاصة أنها تجري في منطقة حساسة جداً بالنسبة إليها. وهذا ما أدى إلى أن نرى شيئاً من الارتباك في مواقف الولايات المتحدة  والاتحاد الأوربي. وكذلك لا يمكن تجاهل الارتباك  الأكثر وضوحاً والخوف من قادم الأيام  لدى الحكومة الإسرائيلية وهي ترى نظام مبارك يترنح. وهنا علينا ألا نستغرب فإسرائيل تخاف من قيام أنظمة ديمقراطية في العالم العربي وتعتبرها خطراً على وجودها، وخاصة في دولة مثل مصر التي تشكل ثقلاً استراتيجياً وسكانياً كبيراً في المنطقة.

بطبيعة الحال، لن يكون العالم العربي بكامله دون استثناء، بمنأى عما حدث من تغيير في تونس ومصر.  و تأثيرات هذا التغيير سوف لن تقتصر على الدول العربية فقط وإنما ستشمل دولاً تسلطية أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا. لكن هذه التأثيرات والتغيرات السياسية المتوقعة، يجب ألا تقودنا إلى توقع استنساخات للتجربة التونسية أو المصرية. لا يوجد أي شك في أن روح  هاتين الانتفاضتين ستهيمن على أي تغيير آخر في المنطقة وهي روح تكريس الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني والمواطنة، ولكن شكل وآلية التغيير سوف يرتبطان  بكل تأكيد بظروف وبنية وسمات المجتمع. ولقد رأينا مثل هذه السيناريوهات المختلفة في دول أوربا الشرقية في أواخر ثمانينات وأوائل تسعينات القرن الماضي.

-3-

كان لكل من التجربتين التونسية والمصرية سماتها الخاصة بها، ولكن هنالك سمات عامة تجمعهما وهي تنطبق على أكثر بلدان المنطقة.  ومن هذين الحدثين الكبيرين يمكن استخلاص الكثير من الأمور.

في الواقع تستطيع، وقد استطاعت، كل الأنظمة الشمولية التسلطية أن تحجِّمَ وتقزِّم المعارضات السياسية للنظام (الأحزاب السياسية، النقابات، الجمعيات، الصحافة..) عبر قانون الطوارئ الدائم والاعتقال والتعذيب وردع كل وسائل التعبير، ولكن رغم هذا النجاح في قمع المعارضة، ورغم تمكنها من استيعاب وتدجين وإلحاق بعضها، فهي تصطدم في النهاية بمعارضة شعبية شاملة نتيجة الفساد وتدهور مستوى المعيشة وتدني مستوى التعليم والثقافة، وعدم تكافؤ الفرص وتلاشي سيادة القانون وتناقص فاعلية الدولة كدولة. وهنا علينا أن نميز بين مفهوم الدولة ومفهوم السلطة.

         ومهما غطى النظام الشمولي التسلطي نفسه بشعارات القومية والوطنية والاشتراكية وغير ذلك من الشعارات البراقة، فالواقع الناشئ في الداخل أقوى من كل هذه الشعارات. وهذا ما رأيناه في نهايات معظم منظومة الدول الاشتراكية السابقة، فالتفسخ الداخلي أدى إلى انهيار هذه الأنظمة من خلال حركات شعبية شاملة. وهذا ما رأيناه تماماً في كل من تونس ومصر. فهناك أحزاب معارضة ضعيفة وبعضها منضوي تحت عباءة السلطة، وحزب حاكم عدده بمئات الألوف، ولكن فجأة نرى هبة شعبية عارمة شاملة لتغيير النظام القائم. وهنا نرى أن الأنظمة الشمولية التسلطية والبيروقراطية بشكل عام، تؤدي إلى تناقص فعالية الدولة وضعف المجتمع بشكل مضطرد  يؤدي إلى أزمةٍ عامة.

إن الأنظمة الشمولية التسلطية تعمد دائماً إلى إغلاق المجال السياسي في المجتمع و تقيم السدود العالية أمامه. فتغلق الصحافة الحرة، وتحل الأحزاب، وتسيطر على مؤسسات المجتمع المدني، وتخنق كل وسائل التعبير، وتذهب إلى التباهي بضعف المعارضة وهزالها مؤكدة قوتها. لكن تجربة أميركا اللاتينية وأوربا الشرقية والتجربة الجديدة في العالم العربي، تؤكد أن إقفال الطرق الشرعية  والمجال العام أمام السياسة في المجتمع يؤدي في لحظة ما إلى تفجرات دراماتيكية غير محسوبة. وهذا ما رأيناه في تونس ومصر فالشعارات ابتدأت اجتماعية ولكنها سرعان ما تحولت إلى شعارات سياسية بامتياز.  لقد تلاشت تماماً دعاوى الأنظمة الحاكمة إلى الإصلاح الاقتصادي قبل الإصلاح السياسي، ولم تعد ذات معنى على الإطلاق نظرية الفصل بين الاقتصاد والسياسة وبين الحداثة والتحديث.

وبالنسبة إلى العالم العربي، فمقولة الأنظمة الحاكمة أن بقاءها في الحكم وعدم التغيير الديمقراطي هو الضامن الوحيد من الإسلام السياسي المتطرف ومن الفوضى، لم تعد صالحة لاستخدامها  فزاعة للخارج والداخل معاً. ولقد بدا واضحاً أن الإسلام السياسي لم يكن الفاعل الرئيسي في الاحتجاجات.

لقد كان بارزاً في الحدثين التونسي والمصري الهَمّ الداخلي مثل المطالبة بسيادة الشعب،  وسيادة القانون، والديمقراطية، والحقوق المدنية والسياسية والانتخابات الحرة والنزيهة، وتأسيس الدولة المدنية (لا عسكرية ولا دينية)، وكذلك كانت قضايا الفساد ونهب أموال الشعب و البطالة والفقر وضياع فرص الشباب وعدم تمكنهم من بناء مستقبلهم بنداً رئيسياً من عناوين وشعارات هاتين الثورتين. ولم يكن العبق الإيديولوجي والحزبي والديني  بارزاً فيهما وإنما غلب عليهما الطابع الشعبي والشبابي.  ولقد تبين من الحدثين أن هنالك إمكانية كبيرة للتغيير من الداخل بواسطة الشعب وبأساليب سلمية تماماً، وهنا تسقط أيضاً نظرية التغيير بالتدخل الخارجي الذي لن يكون إلا وبالاً على الشعب والوطن بكامله. ولكن في النهاية أي تغيير ديمقراطي لن يلقى طريقه إلى النجاح إلا بالتلاحم الوطني والشعبي الكامل، وقد رأينا هذا بارزاً بين معظم أطياف المجتمع  في تونس ومصر. وفي الأخيرة كان هام جداً التلاحم بين المكونين الرئيسيين للشعب المصري، المسلمين والأقباط. وعلى أرض الواقع تبين أن الشعب في كل من تونس ومصر كان قادراً على تقرير مصيره وجاهزاً للديمقراطية ونظام الحكم المدني.

+++++++++++++++++++++++++

 

أيها المتضامنون: هذه الثورة قامت ضدكم

محمد علي مقلد

   ما يجري في تونس ومصر كان ينبغي ، حسب منطق التاريخ الحديث ، أن يحصل قبل ذلك ، في مرحلة الاستقلالات أو قبل ذلك ( مع مجيئ نابليون إلى مصرمثلا). فما طرحه التاريخ على الأمة العربية وعلى سواها من دول العالم هو أن الحضارة الرأسمالية الزاحفة للتمدد على كل الكرة الأرضية ، وبعد ذلك نحو أعماق البحار وإلى أعالي السماوات ، هذه الحضارة  عرضت علينا ، نحن العرب كما على سوانا ، الدخول إلى رحابها  ، بالقوة والاحتلال المباشر كما في الهند أو في الصين ، أو بالسلم والحذو حذوها كما في اليابان.

العالم العربي اختار أن يرد سلبا على هذا العرض ، رافضا الدخول في التاريخ الحديث ، وكانت له مبرراته وذرائعه ، وعلى رأسها الاستعمار والصهيونية ، الذريعتان اللتان باسمهما مارس الحكام العرب كل صنوف القهر والاستبداد في حق شعوبهم . ثم جاء ما يتناغم مع الذرائع حين قامت الثورة البلشفية الاشتراكية التي دعت إلى محاربة الرأسمالية وإلى بناء النظام الاشتراكي على أنقاضها ، ثم حين قامت الخمينية لتعلن الحرب على الشيطان الأكبر.

ما يجري اليوم في مصر وتونس ، وما سيحصل في سواهما بقوة التاريخ ، هو نقد ذاتي قاس لمرحلة عدت ناصعة في تاريخنا ، لكنه ليس نقدا انقلابيا على طريقة أصحاب القبعات العسكرية ولا على طريقة العمائم ، إنه نقد يحفظ  لعبد الناصر مجد نهوض عربي عارم ، ولليسار مجد تضحيات من أجل القيم الكبرى ، وللحركة القومية العربية بناصرييها وبعثييها وشيوعييها وإسلامييها مجد مواجهات كبرى مع ” الاستعمار والصهيونية والرجعية” .

النقد التونسي المصري لا ينقلب على هذه الأمجاد ، بل على الاستبداد الذي مورس بحق الشعوب العربية باسم هذه الأمجاد. ذلك أن باب الدخول في الحضارة الحديثة ، إن جاز اختصاره في كلمة، هو نهاية عصر التوريث السياسي ، نهاية عصر الممالك والأمبراطوريات والسلاطين ، وبداية عصر الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان ، ومن المؤسف أن تكون مرحلة الأمجاد الناصرية القومية اليسارية قد تأسست على حكم التوريث والقضاء على بذور الديمقراطية الفتية في حينها.

العالم العربي ظل وحده على الكرة الأرضية محكوما بالوراثة . حتى في الأنظمة التي كانت تعتمد الانتخابات كان يتم اختيار الحاكم فيها بالوراثة أو بالتمديد أو بالتجديد ، أو بانقلاب الشقيق على الشقيق والضابط على الضابط والمعمم على المعمم ، أسماء مختلفة لمسمى واحد هو التمسك بسلطة “إلى الأبد “، سلطة كتبت أبديتها بأحرف من نار وحبرها من دماء الشعوب وعرقها. انظروا إلى الأمة من المحيط إلى الخليج ، فيها أكبر المعمرين من الحكام ، فيها عميد الحكام في العالم ، وحكامها يخيرون شعوبهم بين اثنين : إما حكمهم الأبدي إما الحروب الأهلية.

ذريعتنا ، نحن شعوب الطوق ، إسرائيل . لنقل جدلا ، نعم . إسرائيل التي تتجسد فيها كل قبائح التاريخ السياسي ، العنصرية والتوسعية والعدوانية والشوفينية والإجرام ، الخ . لكن ما علاقة إسرائيل بإمعان حاكم السودان في تفتيت بلده أو في إمعان الصومال في التقهقر نحو القرون الوسطى ، أو في اليمن حيث الرغبة جامحة في التمسك بالبداوة والقبيلة والعشيرة على حساب القانون، أو في الجزائر والصومال والسودان والعراق حيث الحروب الأهلية هي الخيارات الوحيدة المتاحة أمام الشعوب ، إذا لم يبق الحاكم حاكما . حتى الحرب الأهلية في لبنان هي بنت هذا العقل ذاته ، عقل الاستبداد الأبدي الذي يمارسه علينا سياسيون خارجون على كل قانون، عقل الاستبداد العربي الذي لم يرضه أن تقوم ديمقراطية في هذا الشرق وتهدد عروشهم الموروثة.

في مصر ، كما في تونس ، لم ترتفع راية من تلك التي كانت ترتفع في المظاهرات اليسارية أو القومية أومظاهرات الإسلام السياسي ، لا الاشتراكية هي الحل ولا الإسلام هو الحل ولم نسمع تنديدا بأحد أو بدولة خارجية . مسألة واحدة جمعت الثوار : الحرية ودولة القانون والمؤسسات.

في مصر ، كما في تونس ، لم نلحظ تنافسا على مسرح الأحداث ، بل قيادة مستترة تشبه تلك التي وجهت الثورة الفرنسية ، قيادة قد تكون مغمورة وقد تكون مخضرمة وقد تكون متعددة المنابت، لكنها طالعة بالتأكيد من شعور عارم بالوحدة الوطنية ، أي بالانتماء إلى وطن هو تونس ، وهو مصر ، وفي غمرة هذا الانتماء تذوب الفوارق والاختلافات كلها من أجل هم واحد أوحد : دولة عصرية تعلن نهاية عصر التوريث السياسي.

في مصر ، كما في تونس ، تجمع وعي سياسي جديد ، بالفيسبوك والنضال الإلكتروني وليس بمكبرات الصوت والسبابات والخطابات الحماسية والشحن العاطفي الشوفيني ضد عدو خارجي . بل إن الثورتين عزمتا ، لأول مرة في تاريخ الأمة العربية ، أن تصوبا على عدو ، بل على خصم داخلي ، ولأول مرة في تاريخنا  تعلن جماهير بمئات الآلاف سأمها من الخطاب الأجوف الذي يقوم عصبه على نظرية المؤامرة ، وإصرارها على أن الأزمات ذات أسباب داخلية بالدرجة الأولى وأن حلولها ينبغي أن تبدأ من الداخل.

إنها إذن ثورة من أجل الديمقراطية ، غابت عنها الشعارات الكبرى المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع مع الاستعمار والإمبريالية . إنها ثورة بسيطة تختصر مطالبها بتأسيس دولة عصرية تقوم على تداول السلطة : دولة القانون والمؤسسات والعدالة والكفاءة وتكافؤ الفرص ، الخ.

الذين يتضامنون مع الثورتين التونسية والمصرية، خارج تونس ومصر، يسقطون عليهما مفاهيم وأهدافا من خارج سياقهما ، وأحيانا يقيسونهما بعكس ما يريده أهل الثورتين، وقد ظهر ذلك التضامن خجولا أحيانا وسافرا أحيانا ، لكنه تضامن لم يعبأ به اهل الثورتين ، بل لعل من غير المبالغة القول إن بعض هذا التضامن كان مسيئا للثورة وعده الثوار مساسا بالسيادة الوطنية وتدخلا في الشؤون الداخلية ( التضامن الإيراني  والتصريحات الأميركية وبعض التضامن اللبناني مثلا).

هي ثورة جديدة حقا ، بل هي الثورة الوحيدة الحديثة التي قامت في كل أنحاء الأمة العربية .كل ما عداها وما سبقها من “ثورات” لم يكن سوى انقلابات عسكرية أو عمائمية كما حصل في إيران الخيمينية ، ذلك لأن الثورة تعني أول ما تعني ، ليس فقط تغيير الطقم الحاكم ، بل تغييرا في النظام الاقتصادي الاجتماعي ، ومن باب أولى تغييرا في بنية النظام السياسي، وقد تكون هذه الانقلابات قد قامت بتغييرات كثيرة لكنها جددت أنظمة الاستبداد وضرب الديمقراطية .

 إنها ثورة جديدة حقا لأنها تفتح الآفاق واسعة أمام انتقال بلدان الأمة كلها من أنظمة الوراثة إلى أنظمة ديمقراطية . ذلك يعني أن هذا المجد لا يستحقه إلا الديمقراطيون ، أفرادا وأحزابا وأنظمة . أما الأحزاب الشمولية المعادية للديمقراطية ، وأنظمة الحزب الواحد ، وأنظمة قمع الحريات فلا يحق لها حتى التضامن مع الثورتين ، لأنهما ثورتان ضد الاستبداد ، ضد كل أنواع الاستبداد السياسي والديني والعسكري الخارجي والداخلي ، أي ضد من يتضامن معها من هؤلاء المستبدين.

وحده جيل الشباب هو صاحب الثورة ، ولن يسمح بأن ينضم إليه إلا من عمل على تنظيف سجله الاستبدادي بالنقد الذاتي الشجاع للمرحلة القومية الشوفينية البعثية والناصرية والشيوعية والإسلاموية.

====================

شارك هذا الموضوع:

  • النقر للمشاركة على X (فتح في نافذة جديدة) X
  • انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة) فيس بوك
  • اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة) طباعة

معجب بهذه:

إعجاب تحميل...
ShareTweet
Previous Post

دراسة: رفـــض الفـــجــــــــور

Next Post

مساهمات: دفاعاً عن الحكام العرب

Next Post

مساهمات: دفاعاً عن الحكام العرب

حقوق الإنسان:

رحيل المخرج السينمائي السوري عمر أميرلاي

ضمير المتكلم:على هامش الانتفاضات

الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تستنكر الحكم الصادر القاسي ضد المدونة طل الملوحي

اترك ردإلغاء الرد

منتدى الرأي للحوار الديمقراطي (يوتيوب)

https://youtu.be/twYsSx-g8Dw?si=vZJXai8QiH5Xx9Ug
أكتوبر 2025
س د ن ث أرب خ ج
 123
45678910
11121314151617
18192021222324
25262728293031
« سبتمبر    
  • الأرشيف
  • الرئيسية
المقالات المنشورة ضمن موقع الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع الا تلك التي تصدرها هيئة التحرير

© 2003 - 2021 - موقع الرأي

Welcome Back!

Login to your account below

Forgotten Password?

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Log In

Add New Playlist

No Result
View All Result
  • الأرشيف
  • الرئيسية

© 2003 - 2021 - موقع الرأي

%d