1 – في الشأن التنظيمي: ناقشت اللجنة المركزية باستفاضة وعمق الظروف والعقبات التي أخرت المؤتمر السابع للحزب، وحالت دون انعقاده حتى الآن. وهي تقدم اعتذارها لجميع الرفاق وأصدقاء الحزب والمتعاطفين معه، ولكل المهتمين بالحياة السياسية في البلاد، ويعني لهم شيئاً انعقاد المؤتمر. وتقر بنصيبها من المسؤولية في هذا التأخير.
لقد واجهتنا صعوبات موضوعية وقصورات ذاتية في عملية الإعداد لانعقاد المؤتمر. تأتي في مقدمها المضايقات الأمنية التي تعرض لها عدد غير قليل من الرفاق. مثلما يبقى التأخر بإنجاز بعض الوثائق في الوقت المناسب ( التقرير السياسي – التقرير الاقتصادي ) وعرضها للمناقشة والتدقيق من العوامل الأساسية في هذا التأخير. علماً أن الاجتماع السابق للجنة المركزية أكد على ضرورة الإسراع بعقد المؤتمر. واعتبرها مسألة حيوية وراهنة، وترتدي أهمية خاصة. غير أن الظروف التي مرت بها البلاد والحياة العامة فيها، فرضت علينا إيقاعاً بطيئاً في إنجاز الاستحقاقات المطلوبة لانعقاد المؤتمر.
إن اللجنة المركزية تؤكد من جديد على ضرورة إنجاز هذا الاستحقاق الهام، وتتعهد بالعمل على تجاوز الصعوبات والقصورات، ليتحقق انعقاد المؤتمر في أقرب وقت ممكن.
2 – وفي الشأن السياسي: استعرضت اللجنة المركزية الأوضاع الجارية في البلدان العربية وفي المحيطين الإقليمي والدولي. وقيَّمت تقييماً عالياً التحركات الشعبية التي يقودها الشباب في معظم الدول ضد الاستبداد ومفاعيله وتراكماته، سعياً وراء العدل والحرية والكرامة الوطنية، واستعادة دور مفقود لتحقيق الحضور العصري والمتمدن للإنسان كفرد وكمجتمع. وأعلنت تأييدها المطلق للشارع العربي من أجل التغيير، واعتبرتها استجابة لنداء التاريخ وإيقاع العصر واتساقاً مع متطلبات التنمية والحداثة، وتلبية لحاجة المجتمعات الماسة لحكم رشيد ونظام ديمقراطي تعددي ودولة مدنية، تقوم على سيادة الشعب والحياة الدستورية ومبدأ المواطنة، الذي يحقق المساواة التامة بين المواطنين على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والاجتماعية والسياسية في جميع الحقوق والواجبات. وقدَّرت أن نتائج هذه الثورة الديمقراطية الجارية ومؤثراتها الإيجابية ستعم المنطقة، وتتجاوزها باتجاه مناطق أخرى من العالم، حاملة لواء التغيير والحضور القوي للشعوب بإرادتها ومصالحها في المعادلة السياسية الوطنية داخل الدول وعلى الصعيد الكوني.
توقفت اللجنة المركزية ملياً أمام انعكاسات ما يجري على الأوضاع الداخلية في سورية. وخلصت إلى أن التغيير الديمقراطي في بلادنا حاجة إنقاذية طال انتظارها. وهاهو المناخ السائد في المنطقة وعلى الصعيد العالمي والانتصار الباهر للثورة الديمقراطية في غير بلد عربي يوفر الشروط الموضوعية لهذا التغيير. ويحفز الشروط الذاتية لتحقيقه على أساس وطيد من الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والإرادة الجماعية في الدولة والمجتمع، بعيداً عن أي شكل من أشكال التطرف والعنف والاستبعاد والانتقام. ولا تجد ذلك مستحيلاً على السوريين ولا غريباً عن تاريخهم الوطني وطبيعتهم الحضارية وحكمة قياداتهم المختلفة، التي تُستدعى اليوم أكثر من أي وقت مضى. بل يتسق مع ريادتهم في النضال من أجل الحرية والاستقلال وبناء الدولة المدنية الديمقراطية منذ وقت مبكر من القرن الماضي. وقررت الانخراط – استناداً إلى هذه الأسس – في التحركات والنشاطات الشعبية والشبابية التي يمكن أن تحصل في هذا السبيل، إلى جانب القوى والأحزاب والتجمعات والفعاليات السياسية والاجتماعية في البلاد الطامحة إلى التغيير وفق الإرادة الشعبية للسوريين، بيد أبنائهم وعلى هدي مصالحهم وأهدافهم.
لا نريد إلا ما يريده الشعب. ندعم إرادته وتوجهاته، ونساند قراراته، ونلبي نداء شبابه، ونشاركه الأمل بالنجاح والاستعداد للتحرك والقيام بالواجب. وهنا نود التأكيد على الملاحظات التالية:
– التغيير الديمقراطي المطلوب والذي نسعى إليه لن يكون ضد أي طرف أو لمصلحة أي طرف. إنه لمصلحة الجميع، ونأمل أن يتم بمشاركة الجميع أيضاً. لأنه من أجل سورية ومستقبل شعبها ( 185 ألف كم مربع و23 مليون نسمة ). إذ يحصِّنها ضد جميع الأخطار، ويقوي مناعتها الداخلية، ويعزز قدرتها على مواجهة التحديات والضغوط والاستحقاقات القادمة. ويمكن لشعبنا أن يقدم طريقه الخاص الآمن والسلمي للتغيير الديمقراطي بمساهمة الكل الوطني، بحيث تبقى البلاد بمنأى عن التوترات والخضّات والتداعيات السلبية.
-ا لنظام الاستبدادي الشمولي القائم على الحزب الواحد وتحالفاته الشكلية الضيقة، حكم عليه التاريخ، ووصل إلى الباب المسدود. وصار مدمراً للوطن ومعيقاً لتطوره وعبئاً على الحاكم والمحكوم. وهو يخلي مكانه في كل مكان للنظام الديمقراطي التعددي. فليس في معاندة التاريخ جدوى، ولا للمكابرة أن تحيي العظام وهي رميم.
– رياح الحرية التي تضرب الجمهوريات العربية المستبدة، تلفح في الوقت نفسه وجه الممالك والإمارات المستبدة أيضاً. إذ تطالب الشعوب بالحريات الديمقراطية والحياة الدستورية وسيادة القانون. مما يثبت بأن الحداثة ومفاعيلها ومقتضيات العيش الكريم تفرض نفسها على الجميع.
– عصر الشعوب انفتح على مصراعيه، والثورة الديمقراطية تشق طريقها بقوة. فلا مجال لتجنب مؤثراتها وعدوى انتقالها تحت أي مبررات أو أعذار. كما أن الإجراءات الترقيعية والتقديمات المادية، التي تهدف إلى الانحناء أمام التيار والالتفاف على الحركة وجوهرها، تبدو بشكل سافر تضليلية وعديمة الجدوى. لأن أهداف التحركات سياسية في المقام الأول، رغم تشابكها مع المطالب الاقتصادية والاجتماعية.
– كان للجيش وقيادته الحكيمة والشجاعة موقف موحد في حماية تحركات الشعب، ودور هام في انتصار الثورة الديمقراطية في كل من تونس ومصر. ليتبين أن الجيش الوطني يبقى جيش الشعب المولج بحمايته والدفاع عنه. واستناداً إلى دوره الوطني المشهود، وتاريخه الطويل في الدفاع عن البلاد وحماية الشعب والتصدي للعدوان، فإننا لا نستطيع إلا أن نرى لجيشنا الباسل مثل هذا الدور.
– تنتزع الحركات الشعبية الشابة في الشارع العربي – المنتصرة والتي في طريق الانتصار – الإعجاب والثقة. فهي تعي أهدافها جيداً، وتصونها من الانحراف أو الالتفاف. تلتزم سلوكها السلمي الحضاري، ولا تنجرّ رغم المحرضات والاستفزازات. وتحافظ على حراكها الموحد والأهداف الوطنية العامة، بعيداً عن الشعارات الخاصة والمطالب الفئوية. وهذا يدعو لمزيد من الاطمئنان إلى كفاءة الأجيال الشابة وتصميمها على إدارة نشاطها وعملها بصوابية واقتدار.
-ليس لشعبنا أن يخشى من التغيير، بل من محاولات إعاقته أو تعطيله. فقد أثبتت التحركات السياسية السلمية جدواها في تجديد الحياة العامة في البلاد وإنعاشها، وقدرتها على تصويب العمل الوطني ورفده بخبرات مبدعة، كانت طي الإهمال أو النسيان. وسقطت فزاعة التخويف من التطرف الإسلامي والتدخلات الخارجية المزعومة، وهما من إنتاج الاستبداد. فالشعب مصدر الوطنية ومعلِّمها الأول، والمؤتمن الأكبر على مصالح الوطن ومصيره ومستقبله، لأن الديمقراطية تشكل الخطر الأكبر على كل أنواع التطرف وعلى الدولة الصهيونية أيضاً. خاصة وأن شعبنا ينظر إلى المستقبل، ولا يتوقف عند الماضي وأحداثه وأخطائه.
-الأداة الأساسية في الثورة الديمقراطية في الوطن العربي هي الشعب والأوساط الشابة منه على وجه الخصوص، البعيدة عن الولاءات الحزبية والانتماءات التنظيمية. وقد فرضت على القوى الأخرى من منظمات وتيارات وأحزاب التناغم معها والالتفاف حولها. وهو ما عظَّم القوة وقرب موعد الانتصار. فالعصر الجديد الذي دشنته الثورة الديمقراطية العربية يفرض رؤى جديدة على الشعب والمعارضة، مثلما يجب أن يفرض على الآخرين من أهل الحكم والسلطة.
إن حزبنا الذي اتخذ موقف المعارضة للاستبداد منذ وقت مبكر، وشارك في التحالفات الوطنية الديمقراطية من أجل التغيير، وانخرط في أعمال المعارضة ونشاطاتها في الداخل والخارج، هو اليوم أكثر تصميماً على النضال من أجل سورية الديمقراطية وطناً حراً لكل أبنائها. ويرى تحققها اليوم أقرب منالاً من أي وقت مضى. وقد تبدى ذلك جلياً في أعمال مؤتمره السادس ونتائجه وقراراته. كما يتبدى اليوم في أعمال التحضير لمؤتمره السابع.
من هنا نأمل من الجميع الاستجابة لنداء التاريخ وحاجة البلاد لفتح صفحة جديدة في العمل الوطني. ونعتقد بأن القوى والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني كافة، وجميع دوائر التحالفات ( أينما كان موقعها ) مدعوة لتوسيع أطر التعاون فيما بينها، وفتح مسالك للعمل المشترك باتجاه الشعب وفئاته الشابة من أجل التغيير الديمقراطي السلمي والآمن، الذي يجب أن يتحقق على أيدي السوريين ولمصلحتهم. فسورية تحتاج إلى جهود بنيها حاكمين ومحكومين وعلى تنوع انتماءاتهم، لتغسل وجهها من غبار الماضي وعثراته، وتتجه نحو المستقبل، حيث الحرية والعدل والتنمية للجميع.
ومعاً نبني وطناً جميلاً، يفخر بأبنائه ويستحقونه.
أوائل آذار 2011 اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري
++++++++++++++++++++