يفوّت مفكرون ونشطاء وعوام إسلاميون عرب، مثلما فعلأسلافهم، فرصاً تاريخية عظيمة إلا فيما ندر. يفوتون فرصاً تاريخية في أن يعتبروا الإسلام والعرب قبل غيرهم ورثةشرعيين لا مستوّلين غاصبين على حضارات ما قبل الإسلاموعالة عليها.
خذوها من إصرارهم على مصطلح الجاهلية، والذي أدخله الإخوان مثلاً مع حسن البنا وسيد قطب إلى عمق العقيدة، معتبرين أن المجتمع يعيش حالة جاهلية وكفراً، وهم الذين سيعيدون الناس إلى الإسلام. ومن هذا الأصل الإخوانيتفرّعت المنظمات الجهادية والسلفية المتعصبة للغاية، والأصولية المتشبثة بعقيدة وتاريخ ضيق النظرة.
تذكروا كيف ينظر جهاديونا وسلفيونا وأصوليونا الحاليون إلى المجتمع وإلى القوى الأخرى غير الإسلامية. تذكروا ما فعلوه أثناء الثورة السورية كمثال، وكيف جرّتهم هذه الأفكار،وجرّتنا معهم إلى الهاوية.
لم يكن اليمن في جاهلية قبل الإسلام، ولا مصر، ولا العراق، ولا أنباط سورية وآرامييها، ولا أمازيغ شمال أفريقيا، ولا بلاد فارس، ولا بيزنطة. كان يمكن ألّا يكون ضرر هذه النظرةمستطيراً، لو أنها انحصرت بوضوح في العقيدة الداخلية، وألّا يمتد تأثيرها السلبي إلى العموم وإلى كل شيء.
دعونا نفكر بمصر. لُخّصت الحضارة الفرعونية العظيمة بما لم يثبت تاريخياً، أيْ ظلم فرعون “ما” لموسى وقومه فقط، وتجاهلوا بغباء منقطع النظير التقدم المعماري الفرعوني الفريد، ونظام الزراعة، وبناء دولة امبراطورية حقيقية في وقت كان العالم يعيش في نظام قبائل صيادين ورعاة. والأنكى أنهم عكسوا هذه النظرة وحوّلوها عبر مركّب نفسي عميق على مجتمع اليوم.
في اليمن كانت البيوت طابقية منذ ذلك زمن طويل وقبل الإسلام وفي اليمن بني سد مأرب. في العراق نشأت امبرطوريات قوية واخترعت العجلة، وفي سورية اخترعت الأبجدية.
وفي الجوار كانت هناك امبرطوريتان عظيمتان متقدمتان هما:بيزنطة في الأراضي التركية الحالية، وفارس في جزء من أراضي إيران الحالية. فضلاً عن الحضارات الضخمة ذات التأثير الكبير على التاريخ البشري في الصين والهند.
عن أي جاهلية يبربرون؟ ألم يحِنِ الوقت في أنْ يخرجوا من غفلتهم الفكرية والسياسية لمصلحة الجميع، بما فيها مصلحتهم هم؟





















