يبدو أن مفاوضات فيينا التي تضم مفاوضين أميركيين وإيرانيين وأوروبيين وصينيين، وتجري جولتها السادسة بهدف استعادة الاتفاق النووي الذي توصلت إليه القوى الدولية الكبرى مع طهران عام 2015، ستنتقل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في 18 يونيو (حزيران) الحالي، والتي اعتبرها مسؤولون غربيون موعداً مستهدفاً لاستكمال المحادثات بسبب تأثيرها المحتمل في موقف طهران.
وقال مسؤولون أميركيون بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، إنهم مستعدون لرفع معظم العقوبات عن قطاعات النفط والبتروكيماويات والشحن الإيرانية ضمن إطار اتفاق لاستعادة الاتفاق النووي لعام 2015. وحتى الآن، أصرّت الولايات المتحدة على أنها ستبقي على عقوبات أخرى لمكافحة الإرهاب، بما فيها تلك المفروضة على “الحرس الثوري”، وهي جماعة شبه عسكرية تحظى بنفوذ كبير في الحكومة والاقتصاد والسياسة الخارجية الإيرانية. في الواقع، وحتى مع رفع بعض العقوبات، فرضت الولايات المتحدة أيضاً قيوداً جديدة على مجموعة شخصيات وشركات، قال مسؤولون أميركيون إنها تساعد في تمويل الحرس الثوري والمتمردين الحوثيين في اليمن، في حين يرى منتقدو سياسة إدارة الرئيس جو بايدن تجاه إيران أن رفع العقوبات سيقوّض نفوذ واشنطن في طهران بالمحادثات.
انتخابات تخضع للسيطرة
سيطر مجلس صيانة الدستور غير المنتخب في إيران منذ فترة طويلة على عمليتَي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من خلال استبعاد المرشحين بشكل روتيني بناءً على اعتبارات سياسية أو غيرها، وفق تقرير وزارة الخارجية الأميركية في مارس (آذار) الماضي، حول سجل حقوق الإنسان في ذلك البلد. ويعيّن علي خامنئي، الذي يشغل منصب المرشد الأعلى منذ عام 1989، نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور، بينما يختار رئيس السلطة القضائية النصف الآخر.
وكانت إدارة بايدن ردّت على استبعاد إيران الجماعي لمرشحين للانتخابات الرئاسية بالقول إنه “يجب أن يكون الإيرانيون أحراراً في اختيار قادتهم”. وتزامنت تصريحات البيت الأبيض مع انتقادات حادة للنظام الانتخابي في البلد وجّهها ناشطون حقوقيون إيرانيون ومحافظون أميركيون باعتباره ليس حراً ولا نزيهاً.
وكان مجلس صيانة الدستور المؤلف من 12 عضواً ويشرف عليه خامنئي، وافق على قائمة نهائية من سبعة متنافسين في انتخابات 18 يونيو لاختيار خلف للرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني. واستبعد 583 شخصاً تقدّموا بطلبات ترشحهم، ولم يبقِ سوى على سبعة مرشحين من التيار المحافظ، موالين للمرشد، أبرزهم رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي.
وستنطلق الانتخابات يوم غد الجمعة وسيدلي الناخبون الإيرانيون بأصواتهم لاختيار رئيس جديد للبلاد. أما السؤال المفصلي فهو: كيف سيكون شكل العلاقة الأميركية – الإيرانية في ظل حكم الرئيس الجديد، وكيف سيتعامل الأخير مع العقوبات الأميركية التي أركعت اقتصاد بلاده وآلمت الإيرانيين، وجعلت العملة الوطنية تفقد 50 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي في السوق غير الرسمية منذ أن تخلّت الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي، بحسب مواقع الصرف الأجنبي، على الرغم من جهود الرئيس روحاني لتأمين استقرارها، بما في ذلك إزالة بعض الأصفار من العملة الورقية. ويدور تساؤل حول ما إذا كانت طهران ستستغل وجود بايدن في البيت الأبيض، الذي يُوصف بأنه أقل حدة من سلفه دونالد ترمب، للتوصل إلى اتفاق ربما يخفف من العقوبات المفروضة عليها.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن رفض التعبير عن وجهة نظره بشأن عملية الانتخابات الإيرانية في وقت سابق من هذا الشهر، عندما سأله مراسل صحيفة “فاينانشال تايمز”، كيف سيؤثر الفوز المحتمل لمرشح متشدد في المحادثات في فيينا بشأن العودة المتبادلة إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، واتفاق 2015 النووي؟، إذ قال بلينكن وقتها “من الصعب للغاية التكهن، وبالتأكيد لا أريد الخوض في افتراضات بشأن نتيجة أو أخرى في الانتخابات الإيرانية، وما هو تأثير ذلك أو عدمه في أي مفاوضات نووية”.
الانتخابات محسومة
من جهة أخرى، أكد مدير “مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري” (إنيغما) رياض قهوجي أن “نتيجة الانتخابات الإيرانية معروفة مسبقاً، إذ ستتولى الرئاسة شخصية متشددة ومن المرجح أن يكون إبراهيم رئيسي هو الرئيس المقبل لإيران”. وأضاف أن “التيار المتشدد سيحكم البلاد، لذلك سيكون على الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي التعامل مع طهران على هذا الأساس”. وتابع “علينا أن ننتظر لنعرف ماذا يعني انتخاب رئيس إيراني بالنسبة إلى المحادثات في فيينا وإلى مستقبل العقوبات الأميركية على إيران”. وقال إن “التيار المتشدد سيسعى إلى إثبات قدرته على تحقيق مكاسب أكبر مما فعله الجانب الآخر، أي الإصلاحيين. ولكن الأمور لن تكون بهذه السهولة. اليوم حجم التوقعات والمتطلبات من إيران أكبر بكثير مقارنةً بما كانت عليه عام 2015، فموضوع الصواريخ الباليستية موجود بقوة على طاولة حلف شمال الأطلسي الذي شدد في اجتماعاته الأخيرة على مسألة برنامج طهران الصاروخي”.
وأشار قهوجي إلى أن “سياسة إيران في المنطقة أيضاً ستكون موضع اهتمام كبير في أي مفاوضات مقبلة”، مردفاً “كان هناك اتجاه أميركي لتسريع المفاوضات من أجل إعطاء مكاسب للإصلاحيين، ولكن بعد تحوّل الاتجاه في البلاد إلى سيطرة التيار المتشدد على السلطة، فلن تكون واشنطن مستعجلة للتوصل إلى أي اتفاق، بل على العكس من ذلك، ستكون إدارة بايدن أكثر تصلّباً للتأكد من نوايا الرئيس الإيراني الجديد”.
ويُعتبر رجل الدين المحافظ إبراهيم رئيسي (60 سنة) أبرز المرشحين للفوز بالرئاسة، وهو من المقربين من خامنئي، الذي عيّنه مرات عدة في مناصب حساسة، أهمها رئيس السلطة القضائية.
وارتفعت حظوظ رئيسي بالفوز بعد رفض ملفات ترشح شخصيات أخرى بارزة. ووصفته الصحافة الإصلاحية الإيرانية بـ”المرشح الذي لا يواجه أي منازع”.
نسبة التصويت
وأشارت استطلاعات الرأي الإيرانية التي تديرها الدولة إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية ربما تنخفض إلى أقل من 40 في المئة للمرة الأولى منذ الثورة الإيرانية عام 1979، حين استولى رجال الدين على السلطة من نظام ملكي منهار. واستدعت هذه النسبة تعليقاً من وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو الذي صرّح لإذاعة “صوت أميركا” بالفارسية التي تبث من الولايات المتحدة أنه “في أي وقت يكون الإقبال منخفضاً، فهذا يعني أن انتخابك سيكون أقل تمثيلاً للأشخاص الذين تدّعي أنهم سيحكمون”.
رؤساء أميركيون وسلاسل العقوبات
وشهدت حقبة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما تنفيذ سلسلة من العقوبات بحق إيران. ففي الأول من يوليو (تموز) 2010، وقّع أوباما على قانون العقوبات الشاملة ضد طهران والمحاسبة والتجريد من الممتلكات. وعدّل هذا القانون، قانوناً آخر لعام 1996 فرض عقوبات على الشركات التي يثبت قيامها باستثمارات في قطاع الطاقة في إيران. وبحسب موقع وزارة الخزانة الأميركية، يوسّع قانون العقوبات الشاملة ضد طهران والمحاسبة والتجريد من الممتلكات، بشكل كبير نطاق القيود التي يمكن فرضها ومن ضمنها تلك المتصلة بقطاع الطاقة الذي يخضع أصلاً لعقوبات أميركية أخرى.
“اندبندنت عربية”