أنظرُ إلى حالةِ الاغتراب التي يعيشها السوريون والسوريات اليوم، والتي لم تكن بمحض إرادتهم، كفرصة ذهبية وتجربة خصبة لجيل سوريّ آتٍ من رحم المجتمعات الديمقراطية واعد لسورية المستقبل.
وتجربتي الشخصية توضح ما أعنيه. إذ لم تكن المرة الأولى التي أغادرُ فيها سورية، ولكن رحيلي ذاك اليوم الخريفيّ في أوائل الثمانينات، كان له طعمٌ خاصّ: طعمُ الحرية، الهروب، ولو لبضعة سنين، من كابوس قابع على الصدور، من حاكم يكمّم الأفواه، فبدا لي – آنذاك- مجتمعاً منسجماً قلباً وقالباً مع سلطة دكتاتورية، عدا قلّة قليلة!
غربتي بدأت باللغة التي تعلّمتها بسرعة؛ كي أعمل لتمويل دراستي العليا (دكتوراة). وشاركتُ في الحياة السياسية الفرنسية بانضمامي إلى حزب فرنسي.
من الصعب أن أصف وقع المظاهرة الأولى عليّ، والتي شاركتُ فيها، وأنا أرى رجال الشرطة المدججين بالسلاح واقفين كالأصنام دون أي تدخل رغم الشتائم التي كان يُكيلها لهم بعض المتظاهرين!
باختصار تعلّمتُ، عشتُ يومياً، وما زلت، ما تعنيه فعلاً الممارسة الديمقراطيّة و حرية التعبير عن الرأي بشكل يومي وعملي في كل مرافق الحياة بعيداً عن الشعارات الرنّانة التي كنتُ أسمعها حولي خلال تجربتي السياسية المتواضعة في سورية قبل مغادرتي لها. فقد أعادتني تجربة التصويت للمرة الأولى، بعد حصولي على الجنسية الفرنسية، إلى مشاعر فرحتي بمظاهرتي الأولى.
كنتُ، وأبقى، سوريّةً، أتباهى أمام أصدقائي بهذا الغنى الذي لا يملكونه، هذا المزيج من التجربة والثقافة: السورية والفرنسية. وأن أصبحَ فرنسيةَ الجنسية لم تعنِ لي يوماً التخلّي عن سوريّتي التي أحلمُ بها!
أعادتْ لي الثورة الثقة بحيوية شعبٍ كنتُ يئستُ من قدرته على التمرّد، لكن متابعتي الدقيقة لكل المظاهرات، في كل أنحاء سورية، سمحت لي التعرُّف على سورية جديدة، وعلى سوريين لا أعرفهم من كل الطبقات الاجتماعية..
لقد أعادت إليَّ الثورة شعورَ الفخر بالانتماء إلى شريحة شعب تمرّدت على أعتى الأنظمة الاستبدادية في المنطقة.
- كاتبة سوريّة