أجرى الحوار الاستاذ أمجد آل فخري رئيس تحرير موقع الرأي
- تشهد القضية السورية حراكاً دولياً وإقليمياً في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد اجتماع بايدن-بوتن في جنيف، فهل ثمّة توافق يلوح في الأفق حول حلّ ما؟
لا يبدو الأمر كذلك . فالتوافقات الممكنة والمعلنة لا تتعدى وقف العمليات العسكرية أو ضبط إيقاعها بين الأطراف المعنية على الأرض ورعاتها الإقليميين والدوليين . وما زال للروس حراكهم الخاص ، والذي لم ولن يتوقف بشأن إدلب وطريق حلب اللاذقية . وللأتراك مخططاتهم بشأن الشمال الشرقي من البلاد . وللأمريكيين اهتماماتهم المتعلقة بالقضايا الإقليمية الأخرى وعلاقتها بالوضع السوري كمشروع استجرار الغاز المصري / الإسرائيلي والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سورية ، مع ما يقتضيه ذلك من تهاون بشأن العقوبات وتجميدها ، وضوء أخضر للقوى الإقليمية التي تريد المشاركة بتأهيل النظام واستعادة العلاقات معه . يتم ذلك تحت عنوان جديد للسياسة الأمريكية بأنها ” ترفض التطبيع مع النظام ولا تشجع الآخرين عليه ” مما يعني تلقائياً أنها لن تعترض سبيل أحد بهذا الاتجاه أيضاً . ولأن الولايات المتحدة عندما تتقدم لا تتقدم وحدها ، وكذلك عندما تتراجع لا تتراجع وحدها أيضاً ، تشهد المنطقة هذا المشهد الاستثنائي من التحركات والتواصل بين الدول والذي بدا مستحيلاً قبل أشهر ، ها هو يتجاوز كل العقبات والجدران والخنادق السياسية السابقة للتوافق مع المناخات الجديدة التي أشاعها الأمريكي في المنطقة .
المشكلة الأساس في السياسة الأمريكية للمنطقة في هذه المرحلة ، أنها ما زالت تتمحور حول إيران ودورها الإقليمي ومفاوضات فيينا والاتفاق النووي معها . وهي نفس السياسة الأوروبية . مما دفع القضايا الأخرى في المنطقة إلى الظل ومنها قضيتنا السورية .
- نسف الروس التسوية في درعا التي عقدت بضمانتهم وقام نظام الأسد بحصار وتدمير درعا وفرضت تسوية جديدة، ولم يحرّك أحد من رعاة الاتفاق ساكناً.. هل ترى ارتباطاً بين ما جرى في درعا وبين تغيّر الموقف الدولي والإقليمي حول المآلات في سورية بعد 10سنوات من الدمار والدماء أم له علاقة بخط الغاز الإسرائيلي؟
ما جرى في درعا مؤخراً سياسياً وميدانياً على صلة وثيقة بمشروع الغاز المصري / الإسرائيلي . فدرعا هي الممر الإجباري للخط، وحمايته تقتضي الحضور الروسي ووجود النظام لضمان أمنه واستمراره . لذلك لم نسمع صوتاً يحتج على ما يجري أو معارضاً للهجمة الروسية حتى ولا متعاطفاً من الناحية الإنسانية مع الضحايا . فقد خرق الروس بفجاجة اتفاق التسوية مع الأهالي والذي أنجز في 2018 .
وكان بريت ماكغورك المسؤول عن ملف الشرق الأوسط في السياسة الأمريكية هو الذي أقنع القاهرة بالمشروع ، ورتب الاجتماع الرباعي في عمان الذي حضره ممثلو النظام السوري . وأعقب ذلك زيارة رسمية هي الأولى من نوعها ، قام بها وزير دفاع بشار الأسد إلى الأردن من أجل ترتيبات عسكرية وأمنية على طرفي الحدود تمهيداً لفتح معبر نصيب – جابر . وإذا أضفنا إلى ذلك اندلاق الوفود الرسمية من لبنان إلى دمشق ووجود موالين للنظام في الحكومة اللبنانية الجديدة ، ومدى فائدته من مشروع الغاز ، حيث أصبح صاحب قرار فيه وصاحب منفعة بأموال وحصة من هذا الغاز . وهذا يعيده كلاعب هام وصاحب دور وقرار في قضايا المنطقة .
- خلال شهر واحد حصل أكثر من اختراق لقانون قيصر، أعطي الضوء الأخضر للأردن لفتح معبر جابر، وجرت اتصالات بين الأردن والنظام آخرها الاتصال الهاتفي الذي سبق بزيارة وزير حرب النظام، واستثناء تزويد لبنان بالغاز الإسرائيلي والكهرباء من مصر عبر سورية، ووصول حاملات النفط الإيرانية إلى بانياس، تنقل نفطاً إيرانياً إلى لبنان عبر سورية، دون اعتراض.. ما تفسير ذلك؟
أعلنت باربرا ليف الدبلوماسية الأمريكية المرشحة لمنصب مساعد وزير الخارجية دون تورية أو مواربة عن ” رفع بعض العقوبات المرتبطة بقانون قيصر لتسهيل مرور الغاز والكهرباء إلى لبنان ” . وبالتالي فإن كل ما يجري على الأرض بهذا الشأن يرضع من ثدي القرار الأمريكي الذي تبلغه الملك الأردني عبد الله في البيت الأبيض ، وحمله كأمر مباشرة إلى موسكو ، لتبدأ بعدها الإجراءات الميدانية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وكأننا أمام زمن جديد في المنطقة .
وهذا في الوقت نفسه أحد مظاهر التعامل الأمريكي الوئيد مع إيران واستطالاتها في المنطقة من العراق إلى سورية إلى لبنان واليمن . والتعامل مع حزب الله وأفعاله في لبنان بمرونة وتفهم وتؤدة تثير الاستغراب ومنها السماح باستيراد النفط الإيراني عبر الموانىء السورية . لكنها مفهومة كجزء من السياسة الأمريكية تجاه إيران ، التي أحدثت هذه التغييرات السياسية والصخب الإقليمي في التواصلات الجديدة . باختصار ما زالت إيران مربط الفرس في السياسة الأمريكية للمنطقة بتجاهل تام لأدوارها التخريبية وبحر الدم الذي أغرقت فيه المنطقة ، وبذور التطرف والطائفية والإرهاب التي زرعتها في العديد من بلدان الشرق الأوسط . وهذا استمرار لسياسة أوباما وخطوطه الحمراء .
- يقول الأمريكان إنهم يختبرون قدرة روسيا في الضغط على النظام قبل الخوض في تنسيق ما في القضية السورية، واعتبروا تمريرهم قرار تمديد مرور المساعدات الإنسانية عبر باب الهوى خطوة قابلها الأمريكان بقبول فتح معابر بين المناطق المحررة ومناطق النظام، وتنشيط آلية التعافي المبكر. فهل ثمن خطوة تخفيف الضغط الاقتصادي عن النظام، تفعيل اللجنة الدستورية؟ وإلى أي حدّ يمكن أن تصل في عملها ليتمّ رفع جزئي آخر؟
يعرف الأمريكيون قبل غيرهم أن اللجنة الدستورية مشروع ليس لسورية والسوريين فيه غير الاسم . فهو منتج روسي من سوتشي ، لن يحرز أي نجاح في دفع العملية السياسية إلى الأمام . فاللجنة تشكلت وتدار بإرادة الدول وليس بإرادة السوريين . وتحقق كسب الوقت للنظام وداعميه الروس والإيرانيين ، ليعيدوا ترتيب أوضاعهم داخل البلاد التي احتلوها . وهاهو الوضع في الجنوب قد تغير لمصلحتهم . وما تمديد مرور المساعدات الإنسانية عبر باب الهوى أكثر من جائزة ترضية بسيطة ، فهو ما زال محكوماً بالفيتو الروسي ، الذي يهدد باستعماله بعد شهرين . لأنه شكل من أشكال التسترعلى خطورة ما يفعله الروس في الجنوب بموافقة دولية . ويعلم الجميع أن اللجنة الدستورية وعملها منفصل عن العملية السياسية والمفاوضات ، والتي لها هيئة خاصة هي ” هيئة التفاوض السورية ” المعطلة ، والتي لم تجد لها ما تفعله منذ أربع سنوات .
- حتى الآن لم تتحرك الإدارة الأمريكية الجديدة صوب الملف السوري إلا من خلال المساعدات الإنسانية، واقتضى ذلك غضّ البصر عمّا يستفيده النظام اقتصادياً من هذا الجانب، وكأن الروس أوجدوا ثغرة يتنفّس منها اقتصاد النظام المأزوم، ولو مرحلياً، ألا يعني ذلك مزيداً من الابتزاز دون الوصول لمناقشة الانتقال السياسي الذي ينصّ عليه القرار 2254؟ وثمة من يرى أن هذه الإدارة تهدف إلى تعفين الوضع السوري وصولاً إلى إقرار التقسيم أمراً واقعاً؟
طويت العملية السياسية ووضعت في الأدراج ، حيث لم تتوفر لها بعد شروط التوافق الدولي اللازمة . ونتيجة لفشل الروس في أي مبادرة سياسية جربوها وعملوا من أجلها كجذب الأوروبيين لإعادة الإعمار والعمل على عودة اللاجئين . فهم يعملون الآن لترتيب أمورهم في الداخل مرة بمواجهة إيران ومليشياتها ومرة بمواجهة تركيا ووجودها المزدوج كحليف ومنافس ومشروع خصم في الوقت نفسه . لذلك أرى أن كل ما يجري يقع خارج العملية السياسية المطلوبة وما تقتضيه. والملاحظ أن السياسة الأمريكية بدأت بتغيير تعبيراتها بالمعاني والمفردات حول الشأن السوري . فبينما كانت تتحدث لسنوات مضت عن ” تنفيذ ” قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن التسوية السياسية في سورية . نراها اليوم تتحدث بلسان وزير خارجيتها أنطوني بلينكن عن تسوية سياسية أوسع ” تتماشى ” مع القرار 2254 . ألا يحق لسائل أن يسأل : هل نتوقع منها أن تتحدث لاحقاً عن تسوية ” تتذكر” القرارات الأممية وتترحم عليها ؟
والمخاوف قائمة وجدية من استنقاع الوضع السوري واستمرار سلطات الأمر الواقع في جميع المناطق بارتباطاتها الخارجية وأدوارها وطريقة ممارستها السلطة في أن تخلق ظروفاً أخرى وعلاقات وطريقة حياة مختلفة إن لم تؤد إلى التقسيم ، فهي تصعب تحقيق المشروع الوطني، وتكون عقبة كأداء في وجه استعادة سورية الموحدة وطناً وشعباً . وعندها تطوي الدول القريبة والبعيدة صغيرها وكبيرها يافطات حرصها على ” وحدة الأراضي السورية ” ، إذ لا يبقى لها دور ولا أهمية أمام الواقع العنيد المفروض على الأرض . ويمكن أن يتم التقسيم تحت راية الحرص على الوحدة .
- نُقل عن بايدن قوله لبوتين: “التعامل مع نظام أنزل الكوارث بشعبه غير جائز أخلاقياً” ولكنه يرى بعض الأنظمة العربية تعمل للتطبيع مع النظام، مسوّغة ذلك بعدم سقوطه في الحضن الإيراني. فهل ترى ذلك مقنعاً؟ وهل تتوقّع عودة النظام للجامعة العربية شرط تعديل سلوكه بعد قولها بلا شرعيّته؟ ألا يمكن اعتبار الأمر تسليماً بالرؤية الروسية الإيرانية؟ وإن كان كذلك، فكيف ستتمّ محاسبة مجرمي الحرب، ورأس النظام في مقدّمتهم؟
بالتأكيد غير جائز أخلاقياً وإنسانياً بل وسياسياً أيضاً . لكن متى كانت الدول تراعي المعايير الأخلاقية في علاقاتها وتصرفاتها وقراراتها ؟ فقط عندما تتوافق مصالحها أو تتسق مع المبادئ الأخلاقية والإنسانية تفعل ذلك ، وترفع راية الأخلاق والموقف الإنساني . وعندما تتفارق المصالح والمبادئ تكون الأولوية للمصالح دون تردد ، فتلك مهمات الدول وجوهر وجودها . وهل كان قرار بايدن أخلاقياً بالانسحاب من أفغانستان ، وتسليم البلاد والعباد لمنظمة يصنفها في خانة الإرهاب بعيداً عن إرادة الشعب هناك، وبالشكل والتوقيت والطريقة التي تم فيها ؟
إن توجه بعض الدول العربية للتطبيع مع النظام كان نتيجة الضوء الأخضر الأمريكي . فالعديد من الدول العربية كانت تسعى وراء ذلك منذ فترة، وبقيت جهودها مكبوحة بانتظار إذن المرور من واشنطن الذي جعل الأمر ممكناً دون عقبات أو تبعات. وليس ادّعاء هذه الدول بأنها تسعى لإعادة النظام إلى الحضن العربي أكثر من تعلة واهية لا تستحق المناقشة . لأن النظام مضى بعيداً جداً في الحضن الإيراني إلى حد رهن إرادته وإجراء التغييرات الديمغرافية الخطيرة، ناهيك عن المشاركة في احتلال البلاد ونهب مقدراتها . وهاهو النظام يرد على هذه الفرية، بأن العرب هم من عادوا إلى حضن النظام .
يبدو أن الأمور تسير باتجاه استعادة النظام لمقعد سورية في الجامعة العربية . ولن يكون ذلك ثمرة للجهود الروسية والإيرانية، إنما الابن الشرعي للسياسة الأمريكية الانسحابية من المنطقة. وفي هذه الظروف تنعدم رؤية الحل السياسي والمفاوضات الجادة للحل ليست بمتناول اليد، ولا يمكن أن نتوقع فتح الملف الإنساني على مصراعيه لمحاسبة مجرمي النظام وعصابته على الجرائم التي ارتكبت، وهي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، رغم توفر الأدلة التي لا تدحض بالصوت والصورة ، والتي ملأت الكون ، وما زالت حبيسة أدراج المنظمات المعنية .
- يُقال إنها مرحلة الاستحقاقات في القضية السورية، ترى ما سيحدث في الجزيرة السورية مع توقع انسحاب الأمريكان؟ وما المتوقّع من تفاهمات روسية تركية بعد التصعيد الأخير في الشمال الغربي؟ وكيف ترى الدور الأمريكي في مواجهة التواجد الإيراني، وبقايا داعش؟ وما موقف إسرائيل من بقاء الإيرانيين، وتغلغلهم في النسيج السوري؟ وكيف سيكون الموقف الروسي بين صديقيه العدوَّين؟
مؤشرات الأحداث في الجزيرة السورية بعد الانسحاب الأمريكي واضحة من قلق مسد وتوجهها نحو دمشق لمد الجسور – التي لم تنقطع أصلاً – مع النظام تحسباً للرهاب التركي على الحدود الشمالية . وذهبت وفودها بسرعة قياسية إلى الولايات المتحدة شاكية باكية مما يمكن أن يحصل . مما استدعى تصريحات مطمئنة بأن الانسحاب الأمريكي لن يكون بسرعة وتسرع ، بل سيتيح الفرصة أمام معالجة الوضع وترتيبه مع الروس بوساطة أمريكية فاعلة نكاية بتركيا وردعا لها . وربما انعكس ذلك على نتائج زيارة الرئيس التركي الأخيرة إلى موسكو ومباحثاته الساخنة مع الرئيس بوتين ، حيث لم يصدر عن اللقاء بيان مشترك ، ولم يتم الإعلان عن النتائج عبر مؤتمر صحفي كما جرت العادة ، مما يشير إلى أن توتر الوضع بين البلدين ظهر في مجريات الزيارة ، وانعكس كذلك في العمليات العسكرية المستمرة في الشمال الغربي واستهداف الجنود الأتراك مباشرة وسقوط عدد منهم .
الدور الأمريكي مهادن لإيران في مختلف أنحاء المنطقة ومثله الدور الأوروبي . حيث وصل التوغل الإيراني إلى حد الإمساك بالسلطة كما يحدث في لبنان . وجاء تشكيل الحكومة مؤخراً بتوافق فرنسي – إيراني شبه علني . في وقت ينصب فيه الاهتمام الإسرائيلي على مشروع إيران النووي والسلاح النوعي الذي يمكن أن تحمله مليشياتها في سورية وقرب حدود الجولان المحتل . وتبدو غير معنية بالتخريب المتعدد الأشكال الذي يفرزه وجود إيران ومليشياتها في الداخل السوري . خاصة وأن الموقف الروسي يحرص على رعاية الدور الإسرائيلي وتيسير أموره ، وذلك تنفيذاً للتوافقات الصارمة التي جرت بين بوتين ونتنياهو .
- يبدو أن الجغرافيا السورية تهشّمت، وصارت موزّعة إلى مناطق نفوذ دولية تحكمها قوى أمر واقع، بدءاً من النظام إلى الشرق والشمال الشرقي إلى الشمال والشمال الغربي.. كيف يرى حزب الشعب الديمقراطي السوري سورية المستقبل؟
حددت الوثيقة البرنامجية للحزب ، التي أقرها مجلسه الوطني في كانون الأول 2020 بوضوح مفصل وعبر محور كامل من محاورها التسعة معالم سورية المستقبل كما يراها الحزب ويعمل من أجلها : دولة مدنية ديمقراطية حديثة السيادة فيها للشعب ، تقوم على الأسس الدستورية واللامركزية الإدارية والفصل بين السلطات واستقلال القضاء . هي دولة المؤسسات والتداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة ، تضمن اختيار الشعب لممثليه الحقيقيين إلى مؤسسات الحكم ومراكز صنع القرار . جمهورية برلمانية تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات ، وتحترم كيانات وحريات ومعتقدات الأفراد والجماعات الوطنية ، وتضمن حقوقهم الإنسانية والثقافية والسياسية والمدنية المتساوية .
وعبر 19 بنداً مفصلاً تشرح الوثيقة ” أسس الدولة السورية الديمقراطية الحديثة ” من وضع الدستور الديمقراطي إلى العمل على استعادة الأراضي المحتلة بالاستناد إلى القرارات الأممية ذات العلاقة . شملت هذه البنود جميع القضايا التي تهم الدولة ومؤسساتها ودورها وطرق الإدارة فيها ، والجماعات الوطنية وحقوقها ، ومنظومة الحقوق والواجبات المترتبة على المواطنين الأفراد . إلى جانب بناء نظام اقتصادي قائم على العلم والمعرفة والمصلحة الوطنية . وبناء مؤسسة الجيش والقوات المسلحة والمؤسسات الأمنية على أسس وطنية واحترافية . والعمل على تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة دستورياً وقانونياً . مع بناء نظام تعليمي حديث ومتطور بعيداً عن المؤثرات الأيديولوجية والسلطوية .
إذن . . رغم تهشم الجغرافية السورية وسلطات الأمر الواقع وتبايناتها ومؤثراتها التخريبية للجسد الوطني أرضاً وإنساناً وطموحات ، فنحن لا نرى في المستقبل السوري غير سورية الموحدة أرضاً وشعباً ، التي تضمن الحقوق المتساوية لجميع مكونات الشعب أفراداً وجماعات . يستبدل شكل الإدارة المركزي التسلطي بنظام اللامركزية الإدارية في جميع المحافظات والمناطق ، يتيح الفرصة لأبناء المنطقة لحكم أنفسهم بأنفسهم ، وتوفر لهم حق المشاركة الفاعلة في مؤسسات الحكم والإدارات المركزية في العاصمة .
- ثمة من يقول إن النظام انتصر، وهناك من يقول الثورة مازالت مستمرة واقعياً، فأين موقع الثورة واستمراريتها في خضم كل هذه المتغيرات السورية والإقليمية والدولية؟ وكيف نعيد إنتاج الثورة من جديد أمام محاولات الروس إعادة تدوير النظام؟
عن أي نصر يمكن للنظام وأعوانه أن يتحدثوا ؟ إذا كانت مؤشرات الرحيل والهجرة من الداخل في تصاعد مستمر وخاصة من مناطق سيطرة النظام ، بل من المناطق التي يعتبرها حاضنة له ومؤيدة لتصرفاته . فسورية التي أوصل شعبها إلى حافة الجوع ، ورهن سيادتها ومقدراتها بيد المحتلين من أجل كرسي ينفذ التعليمات ولا يحكم ، سورية هذه بقضها وقضيضها تنتظر ساعة سقوط النظام ورحيله .
يمكن للروسي أن يتحدث عن انتصاره بجعل بلادنا وأجساد أطفالنا حقل تجارب لأسلحته المدمرة التي بلغت أكثر من 300 نوعاً حسب تصريحات قادتهم . ويمكن للإيراني أن يقول ذلك لتنفيذه المخططات الجيوسياسية والهندسة الديمغرافية في بلادنا وعمليات الترحيل والتهجير القسري التي ينفذها في العديد من المناطق . ويمكن للإسرائيلي أيضاً أن يتحدث عن نصره بتدمير سورية كدولة وشعب ومقدرات دون أن يكلفه ذلك قطرة دم واحدة ولا دولار واحد . فقد تم ذلك على يد بشار الأسد والمجرمين المتوحشين في عصابة الحكم حوله ، ومن الألم والأسف أنهم سوريون . الحقيقة عارية ويعرفها الجميع ، والأوضاع بالداخل لا تحتاج إلى دليل ، فهي موثقة بالصوت والصورة ، ويجري فضحها كل يوم .
أما الثورة فهي مستمرة على الرغم من بحر الصعوبات التي تحيط بها . والاحتفالات والفعاليات التي ظهرت في إحياء الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة كانت برهاناً ساطعاً على هذا الاستمرار . في إدلب وريف حلب الشمالي والغربي في درعا والسويداء والمناطق الأخرى . ناهيك عن مخيمات اللجوء وفي دول الانتشار البعيدة والقريبة . حيث أظهر الشباب السوري قدرته وتصميمه على الاستمرار واستعداده لتقديم التضحيات المطلوبة .
الثورة أسقطت النظام واقعياً أكثر من مرة . وجاءت التدخلات الدولية والمليشياوية الطائفية لدعمه ومنع انهياره ، كان آخرها التدخل الروسي عام 2015 . لكن الثورة نجحت في تحقيق بعض أهدافها ، ويأتي في أولها إنهاء مملكة الصمت والسجن الكبير الذي كانت على صورته البلاد ، وتحرير الإنسان السوري وإطلاق طاقاته المكبوتة وتفعيل إرادته في مختلف المجالات . وليس غير الأبله من يعتقد أن سورية يمكن أن تعود لما قبل آذار 2011 . وها هي التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والإنسانية والإعلامية التي تزخر بها ساحات الثورة تملأ السمع والبصر . ونجاحات السوريين في أماكن تواجدهم في الخارج وإبداعاتهم مبعث فخر واعتزاز . فالمنتصر وحده من يملك رؤية جديدة للمستقبل ويعمل من أجلها بأمل وتصميم . وهذا ما تمثله الثورة .
أما عن إعادة إنتاجها ، أو تدقيق مسارها وتصويبه على ضوء عقد مزدحم بالتضحيات والوعود والخذلان ، فهو سؤال كبير وصعب لكنه راهن وضروري . لا بد من الخروج من حالة الوهن والتبدد القائمة في أوساط قوى الثورة والمعارضة . غابت شمس المشاريع الأيديولوجية المتطرفة الدينية والقومية والعشائرية والمناطقية وغيرها . وذهبت ظاهرة الفصائلية العسكرية إلى غير رجعة . واهتدى الجميع إلى الرؤية الوطنية ومقاربة قضايا الثورة والوطن عبر المشروع الوطني الذي يتسع للجميع ويستوعب طموحاتهم ، ويستوجب اعتماده والانخراط به لإنقاذ البلاد من الاحتلال المتعدد وتحقيق أهداف الثورة .
مبادرات عديدة متوفرة ، ومشاريع متنوعة بعضها خبا وانقضى ، وبعضها مستمر في محاولته واجتهاده . والملفت أن حجم التوافق بين هذه المبادرات كبير إلى حد التماثل والتطابق أحياناً . لكنها تعجز حتى الآن عن الحوار والتشبيك فيما بينها ، وهي بانتظار الإرادة الشجاعة والحكيمة لتتولى هذا البناء الذي لا بد منه مهما طال الزمن . إنها مهمة النخب السياسية والثقافية ونشطاء الثورة في الداخل وفي بلدان الاغتراب ، التي مازالت تؤمن بالثورة وتتمتع بعزيمة الريادة والتضحية والاستمرار .
- بعد سقوط التيار الإسلامي في المغرب وتونس والسودان.. هل ثمة مستقبل تراه لهذه التيارات الإسلامية، وخاصة التيار الإسلامي السوري؟
سقوط التيارات الإسلامية ( الإسلام السياسي ) لا يعني أن التيارات الأخرى بخير . ودعني أصارحك بأن معظم الأخطاء والخطايا التي ارتكبها الإسلاميون في إطار الثورة السورية ، كان لهم شركاء فيها من التيارات الأخرى العلمانيين اللبراليين واليساريين والقوميين ، باستثناء المغامرات الفصائلية . وليس لأحد فرداً كان أو جماعة أن يتبرأ من الأخطاء والخطايا المرتكبة ، فيما فعلناه أو لم نفعله في سياق الثورة ومؤسساتها وتحركاتها . وأفترض أن الدرس الذي صاغته التجربة صار واضحاً للجميع ، بأن الثورات الشعبية بيت للوطنية والعمل والوطني فحسب ، وليست ميداناً للاستئثار والاستحواذ والعمل الأيديولوجي ، ولا تنفع فيها التكتيكات الرخيصة والمآرب الفئوية والتنظيمية ، ففي حصيلة ذلك خسارة للجميع وللقضية قبل كل شيء . وها هي الانقسامات داخل التنظيمات الإسلامية نفسها في مصر وتونس والمغرب تذر بقرنها كواحدة من نتائج الأخطاء المرتكبة .
تجربة الإخوان في مصر كانت كافية لتعلن إفلاس المسار الاستئثاري وجنايته على أصحابه وعلى البلاد . ومواجهة هذا المسار لا تكون بمعاداة الإسلام ولا بشيطنة الإسلاميين وتقسيم الفضاء الثوري بين إسلامي وعلماني وتعميق الخلافات والمواجهة بينهما . أرى أن استيعاب دروس التجربة من قبل الجميع أمر ممكن، واجتراح سبيل للعمل المشترك ممكن ومتوجب أيضاً .
- قامت قيادة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة بجولات عربية ودولية والأمم المتحدة، ما رأيكم بأداء المعارضة “الرسمية”، وهل ما زال الائتلاف ممثّلاً للثورة والمعارضة؟ وما الخيارات أمام قوى الثورة والمعارضة والشعب السوري أمام المتغيّرات الكثيرة والكبيرة اليوم؟
يتعرض الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والمؤسسات التابعة له منذ سنوات إلى نزيف مستمر . وفقد العديد من الوجوه والفعاليات السياسية والثقافية والعديد من نشطاء الثورة الأحرار . كان ذلك نتيجة التهاون السياسي بقضايا الثورة ، والاستغراق في تنفيذ إرادات الدول لدرجة خسارة القرار الوطني المستقل ، وتحول الائتلاف إلى منصة مثل المنصات الأخرى في العواصم . وكيف يمكن فهم رفض الائتلاف للمشاركة في اجتماع سوتشي في الوقت الذي قبل فيه بجميع مخرجات ذلك الاجتماع ، وانخرط فيها كاللجنة الدستورية ؟ !
إن فقدانه لثقة السوريين انعكس نقصاناً في الاهتمام الدولي به . وكم كان ذلك مؤسفاً ومؤلماً بوضوحه خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد الائتلاف للأمم المتحدة على هامش اجتماع الجمعية العامة . وهذا يستدعي وقفة جدية أمام هذا الواقع من قبل الائتلافيين قبل غيرهم في فضاء قوى الثورة والمعارضة . ومن المعروف أن محاولات عدة جرت داخل الائتلاف تحت عنوان الإصلاح ، وكلها باءت بالفشل . مما يعني ضرورة البحث الجدي بطريقة جديدة ومغايرة ، وعبر ومسار جديد لبناء حامل سياسي وطني يمثل الثوار ويلبي طموحاتهم ، ويعمل لتحقيق أهداف الثورة بحصوله على ثقة السوريين وتأييدهم أولاً ، وبالتالي العمل على استعادة الدور الدولي المطلوب .
- طرحت قيادة ” مسد ” دعوة للحوار مع الائتلاف والمنصات السياسية كافة، وطمأنت الأتراك وأبدت استعدادها للحوار معهم، ومعروفة قنوات اتصالهم مع النظام وحوارهم غير المجدي حتى الآن.. ماذا تقول في ذلك؟
لم تستطع ” مسد ” إقامة حوار فعال مع شركائها في المكان وفي القضية ، مع الأطراف الكردية الأخرى في المنطقة كالمجلس الوطني الكردي ورابطة الكرد المستقلين وغيرهما . وما زالت إدارتها ترتكب الأخطاء وتقوم بممارسات مرفوضة من قبل أهل المنطقة ، كأعمال الاعتقال والتنكيل ومصادرة الأملاك والعديد من الانتهاكات الأخرى . فكيف يستقيم ذلك مع الدعوة للحوار ؟ ! وقد لوحظ مؤخراً ازدياد سطوة ” قنديل ” وقيادة Pkk التركية على قيادة مسد ، وهذا يشكل عقبة كبيرة أمام صدقية الدعوة للحوار .
ما زالت مسد تلعب على الحبال في محاولة لتسويق نفسها في كل مكان ولجميع الاحتمالات ، وأولها الانسحاب الأمريكي من المنطقة . ومن الطبيعي أن ينعكس هذا سلباً على صدقيتها ورؤية الآخرين لإخلاصها في الحوار وجدواه . فهي تفتقر لأرضية واقعية ومناسبة له . إن التمترس وراء رؤية خاصة ومسار محدد تلقنه قيادة قنديل ، وعلاقات خارجية وداخلية متناقضة لا يشكل أرضية مناسبة للحوار ، بل ينسف أي صدقية أو جدية لممارسته .
- 10 سنوات والقضية السورية تعيش في خضمّ انعطافات كبيرة وخطيرة، لارتباطها بالصراعات الإقليمية والدولية، وتعاني من آثارها تبعاً لتغيّر السياسات والتحالفات والتوازنات في المنطقة، فهل ترى أن القرارات الأممية ما زالت مرجعية مقبولة ومناسبة بعد كل المتغيّرات التي حصلت وتحصل؟
رغم أن مؤشرات برزت مؤخراً تشي باهتزازها كمرجعية معتمدة للحل ، ووجود محاولات دولية لتجاوزها . لكنني أعتقد أن علينا التمسك بهذه القرارات الأممية 2118 و2254 إلى جانب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 62/67 والاستمرار بالمطالبة لتنفيذها . فالأوضاع متحركة ، ويبدو أن خارطة جديدة للعلاقات الدولية تتشكل إقليمياً ودولياً . وفي ظل افتقادنا لعناصر القوة الذاتية والداعمة ، تبقى القرارات الأممية أفضل مستند لمواجهة هذا الواقع .