في الوقت الذي حكمت فيه محكمة الجنايات السورية على معتقلي "إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي" الكتّاب والصحفيين والمحامين والسياسيين فداء الحوراني وعلي العبدالله وفايز سارة وأكرم البني وأحمد طعمة وجبر الشوفي ووليد البني وياسر العيتي ومحمد حجي درويش ومروان العش وطلال أبو دان والنائب رياض سيف بالسجن لمدة سنتين ونصف، وفي الوقت الذي يستمر فيه ميشال كيلو وأنور البني والعشرات من المثقفين السوريين والناشطين الديمقراطيين خلف القضبان لتمسّكهم بحقهم وحق شعبهم في العيش بكرامة وحرية داخل وطنهم، وفي الوقت الذي يضطر فيه الألوف من السوريين الى اللجوء الى المنافي بعيداً عن قمع النظام، تطلع علينا بعض الأصوات في لبنان مطالبة بالتصدي لوجود معارضين سوريين عندنا.
والأصوات المرتفعة هذه، أكانت من منابر إعلامية جعلت خطاب العروبة الرثة هوية لها، أو من مواقع سياسية ينضح فكرها عنصرية وتعصباً طائفياً، تتلاقى على رفض الدور التاريخي الذي ميّز بيروت عن سواها من حواضر العرب، وجعلها طيلة عقود مساحة حرية ومركز نشر معرفي وفكري يتنفّس فيه كل كاتب هارب من العسكرة والترييف والتسلطية الزاحفة الى مدنه على طول الخريطة العربية وعرضها.
لكن الأصوات المرتفعة هذه تضيع في زحمة بيروت وعجقة حياتها.
فبيروت التي احتضنت في السابق المثقفين والمبدعين، والتي دافعت عن حريتها في أحلك الظروف وفي سنوات الحرب والاجتياحات، وبيروت التي لم تقوَ على قهر إرادة الحياة والعطاء فيها كل قوى الظلام والتحجّر وأجهزة مخابراتها، قادرة اليوم على احتضان الوافدين إليها الراغبين في الكتابة والعمل فيها، وقادرة على جعل القانون والدستور (اللذين يتناساهم كل باغض للحرية وكل رافض لفتح الأذرع استقبالاً لمن لا يملك غير قوله وقلمه للدفاع عن وجوده) المنطلقَين الوحيدَين للتعامل مع كل مقيم في أحيائها ومقاهيها وجامعاتها ودور نشرها.
وبيروت في أي حال، لها منابرها الأصيلة ولها من يستطيع الدفاع عن بهاء ألوانها وعن تنوّع أصواتها وأصوات المتلجئين إليها.
هيئة التحرير