عقدت في الجزائر خلال يومي الأول والثاني من شهر تشرين الثاني /نوفمبر الجاري القمة العربية الحادية والثلاثون، وهي قمة كان من المفترض أن تُنظَم سنة 2020 في العاصمة الجزائرية، وقد أُلغيت بسبب جائحة فيروس كورونا، وناقشت القمة المنعقدة أخيرا القضية الفلسطينية وكذلك الأزمات العربية في كل من سوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال، وصدر بيان ختامي عنها بعنوان إعلان الجزائر.
وكسابقاتها أكدت القمة العربية الحادية والثلاثون في الجزائر على مركزية القضية الفلسطينية والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في الحرية وتقرير المصير وتجسيد دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
نحو عضوية كاملة
كما تم التشديد على ضرورة مواصلة الجهود والمساعي الرامية لحماية مدينة القدس المحتلة ومقدساتها، والدفاع عنها في وجه محاولات الاحتلال المرفوضة والمدانة لتغيير ديمغرافيتها وهويتها العربية الإسلامية والمسيحية والوضع التاريخي والقانوني القائم فيها، بما في ذلك عبر دعم الوصاية الهاشمية التاريخية لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية وإدارة أوقاف القدس وشؤون الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية الأردنية بصفتها صاحبة الصلاحية الحصرية، وكذا دور لجنة القدس وبيت مال القدس في الدفاع عن مدينة القدس ودعم صمود أهلها، فضلا عن المطالبة برفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة وإدانة استخدام القوة من قبل السلطة القائمة بالاحتلال ضد الفلسطينيين، وجميع الممارسات الهمجية بما فيها الاغتيالات والاعتقالات التعسفية والمطالبة بالإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين، خاصة الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن.
إضافة الى التأكيد على تبني ودعم توجه دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ودعوة الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين إلى القيام بذلك، مع ضرورة دعم الجهود والمساعي القانونية الفلسطينية الرامية إلى محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها ولا يزال في حق الشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق نؤكد بأنه قد مر على احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس خمسة وخمسون عاما (1967-2022)، دون ردة فعل حقيقية على كافة المستويات من قبل الجامعة العربية والدول العربية المنضوية لإيقاف الزحف الإسرائيلي المنظم لتهويد مناحي الحياة في القدس، ناهيك من غياب الدعم العربي المطلوب لدعم المقدسيين بغرض تثبيتهم في القدس في مواجهة عاصفة التهويد والطرد وإحلال المستوطنين الصهاينة.
وتبعا لذلك استطاعت إسرائيل الإطباق بشكل كبير على كافة مناحي الحياة في المدينة والتهم النشاط الاستيطاني الصهيوني القسم الأكبر من أراضي القدس كما تم بناء طوقين من المستوطنات حول مدينة القدس تضم 26 مستوطنة يتركز فيها أكثر من (190) ألف من المستوطنين اليهود المتشددين.
وفي السياق نفسه استصدرت السلطات الإسرائيلية خلال الفترة الماضية من احتلال القدس قوانين عدة تخدم التوجهات الإسرائيلية لتهويد المدينة، ومن أخطر تلك القوانين قانون أملاك الغائبين الذي يتيح السيطرة الإسرائيلية المباشرة على أملاك المقدسيين الذين طردوا من القدس تحت وطأة المجازر، ولم يكن قانون تهويد التعليم في المدينة قبل عدة سنوات أقل خطورة على المقدسيين. في مقابل ذلك لم يرق خطاب الجامعة العربية على مدار سنوات الاحتلال الماضية إلى أفعال من شأنها تعزيز صمود المقدسيين في مواجهة مخططات تهويد مدينتهم.
بعد احتلال الضفة والقطاع في حزيران/يونيو 1967 وخضوع الجزء الشرقي من المدينة المقدسة والذي يحتوي الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية تحت سيطرة السلطات الإسرائيلية بدأ الخطاب السياسي للجامعة العربية يؤكد على ضرورة إزالة آثار التوسع والعدوان بما في ذلك الجزء الشرقي من القدس، وبدأ بذلك عهد جديد من الصراع على المدينة المقدسة بين العرب وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، ورغم تضمين القرارات الصادرة عن الجامعة العربية ( 1967- 1973 ) بنودا هامة حول القدس، إلا أن هناك تراجعا واضحا عن شعار التحرير إلى شعار إزالة آثار العدوان.
ويذكر الشقيري معلقا، ومقيّما اجتماعات القمة في الفترة المذكورة: “لا أعلم أننا استطعنا مرة، أن نعقد جلسة واحدة في موعدها وتمضي الساعة والساعتان، ونحن بانتظار هذا السفير الذي كان مشغولا بمكالمة هاتفية مع عاصمة بلاده، وذاك السفير لأن إعداد الحقيبة الدبلوماسية استنفد وقته، وذلك السفير لأن عجلة السيارة فرقعت، وتفرقعت معها الاجتماعات، وكم مرة تمنيت أن يكون تقرير الأمين العام للجامعة العربية متضمنا اقتراحات معينة، أو دراسات معدة، كما يفعل الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن شيئا من ذلك لم يقع، والدول العربية لا تعطي لأمينها العام في القاهرة ما تعطيه لأمينها العام في نيويورك”.
خطاب روتيني
وتميزت الفترة التي تلت عام 1973 ببرود سياسي عربي سواء في الجامعة العربية أو كل دولة عربية على حدة، وتم التأكيد في الخطاب العربي الرسمي على إمكانية تحقيق السلام، في مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967، بما فيها الجزء الشرقي من المدينة، وبطلان كافة الإجراءات الإسرائيلية في الجزء المذكور، وتكررت البنود الخاصة بالقضية الفلسطينية وخاصة قضية القدس خلال مؤتمرات القمم العربية المنعقدة خلال الفترة بين الأعوام ( 1973 -2022 ) في إطار البيانات الختامية ومن بينها إعلان القمة العربية في الجزائر أخيرا، وأصبحت تلك البيانات مجرد خطاب روتيني من دون جدوى، ومن دون دعم مادي ومعنوي يرقى إلى حجم التحديات التي يواجهها المقدسيون مع ارتفاع وتيرة هجمة التهويد المنظمة التي تجتاح مدينتهم من جهاتها الأربع، حيث لا يمر يوم دون إعلان اسرائيل عن نشاط استيطاني في أحياء مدينة القدس المختلفة .
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
“القدس العربي”