تشهد مسألة الافراج عن السجين العربي الليبي عبد الباسط المقرحي المدان في قضية لوكربي حالة من الغموض غير مبررة، فتارة يتم نشر انباء عن قرب الافراج عنه لأسباب انسانية، وتارة أخرى تتبدد آمال الافراج كلياً لتدخلات خارجية وامريكية على وجه الخصوص.
السيد المقرحي مصاب بمرض السرطان، ويريد قضاء ما تبقى من حياته في كنف اسرته في ليبيا، بعد ان قضى ما يقرب من نصف مدة العقوبة، وتنازل عن قضية استئناف رفعها امام المحاكم الاسكتلندية دافعاً ببراءته ومستنداً الى وثائق قانونية، تؤكد هذه البراءة، ولكن كل هذه التنازلات اصطدمت بتدخل من قبل بعض اسر الضحايا الامريكيين واعتراض السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية شخصياً على قرار الافراج.
ومن المؤسف ان الحكومة الاسكتلندية رضخت فيما يبدو للتدخل الامريكي هذا، وتراجعت عن قرار اتخذته ولم يعلن بالافراج عن المقرحي يوم غد الاربعاء مثلما كان مقرراً، بعد اسقاطه دعوى الاستئناف، وذكرت صحف بريطانية ان المستر اليكس سالموند الوزير الأول في اسكتلندا استدعى وزير العدل لابلاغه ان أي قرار بالافراج عن المقرحي، لأسباب انسانية، يمكن ان يسبب مضاعفات دولية.
الحكومة الليبية بذلت جهوداً كبيرة من اجل الافراج عن مواطنها السجين، بما في ذلك توقيع اتفاق تبادل السجناء مع نظيرتها البريطانية، والتقى السيد سيف الاسلام نجل الزعيم الليبي بالوزير القوي بيتر ماندلسون المقرب جداً من رئيس الوزراء البريطاني من اجل حثه على التدخل في مسألة الافراج هذه، وكانت قد افتتحت قنصلية خاصة في غلاسكو في اسكتلندا لمتابعة احوال السيد المقرحي وتوفير كل طلباته ومتابعة علاجه في السجن.
السيد المقرحي اتصل بالحاجة فاطمة والدته في ليبيا البالغة من العمر تسعين عاماً ليبلغها بقرب عودته، وحدد يوم الجمعة المقبل، اي مطلع شهر رمضان المبارك، ولكن يبدو ان هذا التفاؤل كان سابقاً لوقته.
موقف السيدة هيلاري كلينتون يبدو غريباً، وينطوي على نوايا غير انسانية تجاه رجل راح ضحية لعبة سياسية بل اكذوبة كبرى. فقد اعترفت السيدة مارغريت ثاتشر انها قصفت ليبيا لأنها الحلقة الأضعف، ولأن صورتها في الغرب كانت سيئة.
هذه الصحيفة التقت بالسيد المقرحي في سجنه في غلاسكو، واطلعها على وثائق الادعاء، وقد تضمنت فقرات عديدة جرى طمسها بالحبر الاسود تشير الى جهات اخرى، وتخفي معلومات امنية حساسة. واكد محاموه ان هناك سببا قوياً لاعادة المحاكمة والحصول على حكم براءة.
تنازل السيد المقرحي عن قراره بالاستئناف لم يأت بسبب ضعف الأدلة، وانما لأنه يدرك جيداً بأن المرض قد لا يسعفه لحضور جلسات الاستئناف التي قد يستغرق عقدها اشهراً، وقرر التنازل عن هذه الورقة الرابحة من اجل مشاهدة أمه العجوز المريضة المتقدمة في السن قبل انتقالها الى الرفيق الأعلى.
اننا نأمل ان يرفض وزير العدل الاسكتلندي التدخلات الامريكية، وان يستمر قدماً في قراره بالافراج عن السيد المقرحي لأسباب انسانية قبل بدء شهر رمضان المبارك، حتى يقضي هذا الشهر بين افراد أسرته وأولاده الذين حرم منهم طوال السنوات العشر الماضية تقريباً.
القدس العربي




















