نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لفيفيان يي من العاصمة المصرية القاهرة قالت فيه إن الرئيس عبد الفتاح السيسي يواجه أزمة ومخرجه منها هو الحوار مع المعارضة. فالحوار المقيد والنادر هو إشارة عن الضغط الذي يواجه السيسي وشعوره بوجود سخط واقتصاد يغرق.
وقالت: “قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يواجه أزمة اقتصادية مدمرة أن الوقت قد حان لعقد حوارات مع ما تبقى من المعارضة السياسية المصرية ومنحها عددا من المقاعد على الطاولة بعد عقد من القمع والسجن والمنفى” و “بالنسبة إلى قادة ديكتاتوريين مثل السيسي، فالمصالحة تذهب إلى حد ما”.
ولم يمض وقت طويل على إعلان الحوار الوطني حتى بدأت الحكومة بالتقليل من التوقعات، في إشارة على تردد السيسي لطي صفحة الماضي، بعد سنوات من القمع السياسي وسيطرة الجيش على اقتصاد البلد.
مُنع الإسلاميون من الحوار ولم توجه دعوة إلى معظم المعارضة الليبرالية. ولا يشمل الحوار الموضوعات غير واضحة المعالم، فمثل موضوعات الأمن القومي ليست مطروحة على الطاولة.
مُنع الإسلاميون من الحوار ولم توجه دعوة إلى معظم المعارضة الليبرالية. ولا يشمل الحوار الموضوعات غير واضحة المعالم
وبعد يوم من الإعلان عن الحوار الوطني، استيقظت مصر على أنباء اعتقال قوات الأمن عددا من أقارب ومؤيدي الرجل الوحيد الذي قال إنه سينافس السيسي في الانتخابات المقبلة. وتحدث السيسي دائما عن البدء بمسار سياسي واقتصادي جديد وسط ارتفاع معدلات التضخم وخسارة الجنيه المصري نصف قيمته في العام الماضي، ما دفع الطبقة الوسطى نحو الفقر. ولكن الإصلاح الاقتصادي الذي وعدت به الحكومة هو مجرد كلام بدون فعل.
وقال وزير الخارجية السابق عمرو موسى “الحقيقة هي أن المصريين يشعرون بالقلق الكبير ويتساءلون عن السياسات وإلى أين هم ذاهبون”. ولطالما حذر الاقتصاديون أن الاقتصاد المصري ضعيف وراكد، فالجيش يهيمن عليه إلى جانب النفقات الكبيرة على الأسلحة والمشاريع الإنشائية الكبيرة التي جلبت طفرة قصيرة الأمد بالنمو وغير سليمة.
كُشف عن مظاهر الضعف هذه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، عندما ارتفعت أسعار المواد الغذائية الرئيسية وتراجعت الموارد من السياحة وسحب المستثمرون الأجانب أموالهم من مصر.
وتعلق الصحيفة أن السخط على الأوضاع واضح رغم محاولات الحكومة تصوير الأزمة بأنها نتاج من حرب لا يمكن تجنبها، وهو سخط عال بمعايير بلد يعني فيه النقد المفتوح للسلطات السجن.
ويرى المحللون أن المحادثات مع المعارضة هي نتاج لشعور السيسي بالضغط، إلى جانب ضغط آخر نابع من دعوة النواب في البرلمان لتقديم الانتخابات الرئيسية المقررة العام المقبل لنهاية هذا العام.
ويرى الدبلوماسيون والمحللون أن وراء تقديم الانتخابات مخاوف المؤسسة الحاكمة من تراجع شعبية السيسي أكثر قبل انتخابات 2024. لكن وفي ظل غياب الانتخابات الحرة والنزيهة، إلا أن السيسي والجهاز الأمني الذي يمثله، تهمه المظاهر، فمشاركة شعبية واسعة في الانتخابات ستجرئ السيسي على الزعم بوجود تفويض شعبي واسع له، قبل أن يمضي في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية المؤلمة.
والرهانات بالنسبة إلى مصر مستمرة، فأكبر بلد عربي تعدادا للسكان واجه في الماضي فترات من عدم الاستقرار خلال الـ 12 عاما الماضية ومنذ الربيع العربي عام 2011، حيث شهد فترة ديمقراطية مضطربة قبل سيطرة الجيش على الحكم في عام 2013.
ومع انتشار الفقر والمعاناة لـ 105 مليون نسمة، لا يمكن استبعاد السخط والاضطرابات، حسب المحللين. ثم إن الاضطرابات ضد التدهور الاقتصادي قد تنتشر إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط وتدفع بموجات هجرة إلى أوروبا. وستواجه مصر في الأشهر المقبلة خيارا بين الوفاء وسداد ديونها أو إطعام المصريين الذي يعتمدون على الدعم الحكومي.
وفي محاولة من الرئيس تخفيف المشاعر الغاضبة أفرج عن 1000 معتقل سياسي في العام الماضي. مع أن الاعتقالات الجديدة للصحافيين والمعارضين والباحثين وحتى لاعبي كرة القدم تفوق عدد الذين أُفرج عنهم. ولا يعول الكثيرون على الحوار الوطني وتحقيقه أي نتائج، باستثناء رزم من الأوراق ومجموعة من الصور الجماعية.
وقال ضياء رشوان منسق الحوار الوطني في الشهر الماضي، إن على المصريين التفريق بين اعتقالات “معزولة” و”ظاهرة عامة”. وزعم أن الرئيس لا يمكنه التدخل في العملية القضائية. وبرر خالد داوود عضو تحالف الحركة المدنية الديمقراطية (وهي تحالف من أحزاب المعارضة) الموافقة مع التردد، بالمشاركة نظرا إلى غياب أي مساحة لإسماع صوتها بعد اعتقال عدد من أفرادها.
وفي أثناء الانتخابات الرئاسية عام 2018، جرى اعتقال معظم المنافسين للسيسي قبل يوم الانتخابات. وجرى اعتقال أقارب أحمد الطنطاوي، المنافس الوحيد للسيسي والذي لا يحظى إلا بدعم 20 شخصا. وقال الطنطاوي “لا يحتاج الإصلاح السياسي إلى حوار وطني” “بل يحتاج إلى إرادة سياسية”. وأضاف أن “المواطن العادي يستطيع رؤية فشل الدولة والحفاظ على وعودها خلال السنوات التسع الماضية في المجال الاقتصادي اليومي وغياب الحريات”. وعندما وعد السيسي بالاستقرار والازدهار الاقتصادي اعتبره الكثيرون “منقذا”.
وفي الماضي تغلبت مصر على النقد لها من الولايات المتحدة والدول الأوروبية بذريعة موقعها الإستراتيجي وأهميتها في الحرب على الإرهاب ومنع الهجرة. ففي وقت طالب فيه نواب بالكونغرس معاقبة مصر بسبب سجل حقوق الإنسان، أكد كل من البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي على أهميتها الأمنية. وفي الوقت نفسه ظلت دول الخليج الثرية تدعم النظام وتسارع لإنقاذه. ولكن الداعمين هؤلاء يطالبون الآن بإصلاحات عميقة كجزء من حزمة إنقاذ بـ 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، بما في ذلك تخفيف هيمنة الجيش على الاقتصاد.
وكان من المتوقع أن تصل 20 مليار دولار بحلول 30 حزيران/يونيو من خلال بيع أصول ومصادر مصرية، إلا أن جيران مصر الغنية لم يعودوا مستعدين لمساعدة السيسي إلا بالحصول على مقابل، ويرى المحللون أن الجيش أبطأ عمليات خصخصة أصول الدولة من أجل السيطرة على الأرباح، فلكل هذا، لم تصل الأموال.
وفي الوقت نفسه تتدهور حالة المصريين وتزداد فقرا. وقد رفعت الحكومة الدعم عن الوقود والطعام بحيث جعلت حياة الملايين صعبة، أما الدعم من الدولة لأبناء الطبقة المتوسطة فلا يتناسب مع حالة الارتفاع المستمر لمعدلات التضخم. ولم يعد الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة قادرين على شراء المواد الأساسية. أما نخبة القاهرة، فهي ترى توفيرها يتلاشى وتجارتها تترنح.
“القدس العربي”