بداية أتمنى أن نتأمل تلك اللغة الخشبية في الإعلام السوري والتي رُسخت منذ أكثر من ثلاثة عقود: سأنقل الكتابة كما هي من موقع لاتحاد الكتاب العرب في اللاذقية : ( وسط حضور جماهيري كبير أحيا المركز الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في اللاذقية بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية ، الذكرى ( الرابعة والثلاثين ) لرحيل الإمام الخميني ق .س . تحت عنوان ( الإمام الخميني مسيرة بوصلتها فلسطين) شارك فيها الأستاذ علي رضا فديوي مدير المركز الثقافي الإيراني في اللاذقية والوزير اللبناني السابق الدكتور طراد حمادة وغيرهما، وقد عبر المشاركون عن فكر القائد الخميني ( ق .س ) مُفجر الثورة الإسلامية التي أطاحت بحكم الطاغوت ، ودحرجت تاجه تحت أقدام الشعب الإيراني المؤمن بنهج قائده وبعقيدة ثورته ، وركز المشاركون على إيمان الإمام الخميني بالقضية الفلسطينية التي أولاها أهمية لا تقل أهمية عن تحرير بلاده من حكم الشرطي الأمريكي في المنطقة برمتها وشعوبها (المُستضعفة) من خطر الغدة السرطانية كما كان يُحب (أي الخميني) أن يُسمي الكيان الإسرائيلي وقضى حياته قدس سره يعمل على وجوب زوال إسرائيل).
مهسا أميني
وأنا أقرأ كلمات مثل (الطاغوت) التي انقرضت في رأيي (والمقصود بالطاغوت شاه إيران) ثم ضحكت من عبارة (الغدة السرطانية ) وانهمرت في خيالي صور آلاف المرضى الأحبة الذين عانوا كثيراً من مرض السرطان – خاصة سرطان الغدة الدرقية (لأنهم استعملوا عبارة الغدة السرطانية). وصدقاً طوال الوقت كانت صورة مهسا أميني تبطن الكتابة، وثورة نساء إيران العظيمة ضد حرية المرأة الإيرانية والتحكم بلباسها وحياتها، ثورة النساء الإيرانيات بعد مقتل الشابة مهسا أميني تحت التعذيب على يد شرطة الأخلاق، ثورة ألهبت نساء العالم كله، ثورة مُباركة، منارة للحرية والأخلاق والشجاعة.
أظن أنه لحكمة جعل الدماغ البشري نصفين أو فصين أيمن وأيسر، لأن القسم الأيمن من دماغي طغت عليه صورة مهسا أميني وتفتقت كل صور القمع والإعدامات في إيران التي أظهر التقرير أخيراً أن إيران تُعتبر من أعلى الدول في الإعدامات، هي تعدم المثليين، والكثير من المثليين يطلبون اللجوء الإنساني في دول أوروبية كي لا تعدمهم إيران، ثم أن معدلات البطالة والفقر في تزايد كبير جداً في إيران، وأين حرية الرأي؟
قرأت الكثير من الروايات الإيرانية المترجمة مثلاً فيلم (امرأة ورجل ) المشهور اعتبرته وزارة الثقافة في إيران مُعيب ( فالشيطان دوماً بين المرأة والرجل ) غيرت اسمه إلى ( آدم وحواء) رواية (أن تقرأ لوليتا في طهران) لكاتبة إيرانية عظيمة (آذر نفيسي) طردت من عملها كأستاذة جامعية في جامعة طهران وغيرها من الجامعات بسبب رفضها ارتداء الحجاب ثم غادرت إلى أمريكا.
كيف ننسى الشاعرة الإيرانية العظيمة (فروغ فرخ زاد) التي ماتت – كما يُقال بحادث سيارة وهي في عز شبابها – لكنني أؤمن ككثيرين أنها ماتت قتلاً خاصة بعد قصائدها الجريئة جداً. قصيدتها التي كتبت فيها (أثمت إثماً مُشبعاً باللذة) تسببت أن يُطلقها زوجها ويطردها والدها من المنزل.
مأساة القرن
الجانب الآخر أو الثاني من دماغي كان يعرض لي حياتي وحياة الأحبة السوريين في سوريا التي أجمع العالم على تسميتها (مأساة القرن)، صدقاً صرت أطلب الرحمة من دماغي كي يرحمني إذ انهمرت كل صور الأحبة، أصدقائي ومعظمهم سجناء رأي، شباب في عمر البراعم يقضون سنوات طويلة في السجن، يضيع شبابهم، بعضهم سُجن أكثر من عشرين عاماً وقرأنا روايات عظيمة لسجناء الرأي في سوريا ، مثل رواية القوقعة وغيرها ، تعذيب مُروع وموت ، وأين حرية الرأي !؟
أين الثقافة الحرة والفن والسينما والمسرح؟
كل أشكال الثقافة في سوريا من نوع (كيف نقول لا لأمريكا) أو (الغزو والتطبيع الثقافي) أي كتاب القومية ( وحدة حرية اشتراكية ) بابتكارات مشابهة. (بالمناسبة في فرنسا تُدرس الفلسفة في كل الصفوف المدرسية وفي الجامعات مهما كان اختصاص الطالب) كم أشعر بالقهر حين حضرت مؤتمراً في لبنان كان عن ( نيتشه ) الفيلسوف الذي أعشقه الذي يمجد القوة، في الوقت ذاته كان صديق مبدع طبيب اختصاصي في التشريح – الدكتور منير شحود – يُفصل من عمله كمدرس لمادة التشريح في جامعة تشرين في اللاذقية ( وكم كان محبوباً من طلابه ) تم فصله وقطع رزقه لسبب سياسي يُقال لأنه قاطع اللبناني ( ناصر قنديل ) في محاضرة كان يلقيها في جامعة تشرين في اللاذقية.
الفساد المُروع
الفساد المُروع في كل قطاعات الدولة في سوريا، المنتجعات السياحية قمة البذخ (منتجع القرداحة ربما عشرة نجوم ) حفلات مسؤولين وأعضاء مجلس الشعب التي تكلف المليارات ولم نعد نسمع عن المساءلة : من أين لك هذا !!! بينما أكثر من 85 في المئة من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر ، يعيش في قاع الفقر ، وكل يوم يكتشف أن هناك قاعاً أعمق من القاع ، اليوم سعر علبة السمنة ربع مليون ليرة سورية ، وسعر كيلو لحم الخروف 130 ألفا أي أعلى راتب تماماً . . ويا للهول لو تجرأ المواطن واشتكى من العتمة أو غلاء المعيشة أو فساد التعليم حيث معظم الطلاب يقصدون المعاهد الخاصة أو الدروس الخصوصية.
كم أحزن حين أٌقرأ كتابات لسوريين هي مُقتطفات من كتب لعظماء أو آية من الإنجيل أو القرآن، أشعر وأحس تماماً أنهم لا يجرؤون أن يكتبوا ما يُهين روحهم ويسحقها بلا رحمة فيلجؤون لهذه العبارات كي لا ينفجروا . لا يزال ملك الإنسانية رامي فيتالي في السجن هو الذي دفع كل ثروته لإنقاذ – قدر استطاعته – أطفال سوريا المتسولين وهبطت عليه تهمة تلقي الأموال من الخارج !!! وهو لا يزال في السجن ، وكتب أحد الأصدقاء أنه سأل أحد القضاة عن وضع رامي فأجابه القاضي: إنها مسألة وقت !!!
إذاً القاسم المُشترك الأعظم ( كما درسنا في الرياضيات ) بين إيران وسوريا هو حماية شعبيهما من الاستضعاف الذي سببه إسرائيل أو الغدة السرطانية ، أي هدف الخميني قدس الله سره وهدف النظام السوري الحرية والسعادة والرفاهية للشعبين السوري والإيراني وكل ما سبق وذكرته لا قيمة له . فالسرطان هو إسرائيل فقط . والإمام الخميني بوصلته فلسطين . كلنا نتفق أن إسرائيل احتلال اغتصب فلسطين وهجر وقتل شعبها. لكن للأسف أصبح الفلسطيني والسوري تتم المُتاجرة بمعاناتهما.
في ظل تلك الأوضاع الكارثية في سوريا وإيران (الفقر وانعدام الحرية والموت والقمع والفساد) تُتحفنا المراكز الثقافية السورية الإيرانية بمحاضرات سُوريالية مُنفصلة كُلياً عن واقع الناس ومعاناتهم التي فاقت التصور.
ومن البديهي أن وظيفة الأدب أخلاقية وإنسانية أي تبني معاناة الناس بصدق ونزاهة وشجاعة. وكي يكتمل ذهولنا يجب أن نتذكر أن جائزة فلسطين العالمية للآداب قيمتها – 60 ألف دولار – وليس معروفاً بدقة من الجهة الممولة، المذهل أن الأعمال المُشاركة يُمكن أن تُقبل بكل اللغات: الإنكليزية ، الفارسية، العربية، التركية، الإسبانية ، الروسية ، الصينية، المالاوية ، الأوردية الخ .
هو الهول ولا شيء سوى الهول . لماذا كل هذه اللغات من أجل جائزة فلسطين العالمية للآداب، لو تعطون ( 60 ألف دولار لشباب فلسطين وأطفالها أليس أفضل ) .
كاتبة سورية
“القدس العربي”


























