ارتفع التفاؤل في صفوف جمهور النظام السوري بشأن تحقيق اختراق اقتصادي مهم، حين فتحت دول عربية علاقاتها معه، وزار بشّار الأسد بعضها.. لم تكن المبادرة من تلك الدول مبنية على تغيّر حقيقي في سلوكيات النظام، لكنها كانت مجرّد قراءة خاصة بكل دولة، واجتهاداً قد يكون لسياسات الإقليم دور في تشكّله. وفي كل الأحوال، لم يكن تفاؤل جمهور النظام في محله، فقد بقي النظام على عزلته الاقتصادية، ولم يفلح تقارُبه مع بعض العرب في تحقيق أي عوائد اقتصادية، بل على العكس فقدت الليرة السورية مزيداً من قيمتها بتسارعٍ شديد، الأمر الذي انعكس على “استقرار” المدن التي يسيطر عليها، فسرعان ما انتفض بعضُها بقوّة معيداً إلى الأذهان السيرة الأولى للثورة السورية، الأمر الذي وضع النظام في حالة أكثر صعوبة زادت فيها أزمته الاقتصادية، وظلّ في دائرة التخبّط، بحثاً عن مخرجٍ عَجز شركاؤه في إيران وروسيا عن إيجاده له.
يتكرّر سيناريو التفاؤل بعد أن تلقى الأسد دعوة لزيارة الصين، وقام بها بالفعل، مصطحباً زوجته، وأظهرت التلفزيونات الرسمية الصينية احتفالاً مصغّراً جرى له في المطار، شارك فيه أطفال بملابس موحدة على الطريقة الشيوعية المعروفة، وتحدّثت المواقع الرسمية الصينية عن الزيارة، وربطتها بالمشروع الصيني العالمي، المعروف بالحزام والطريق. قد يزداد معدّل التفاؤل لدى مناصري النظام بعد هذه المشاهد المثيرة، أو أنه ارتفع، بعدَ اللقاء الذي جرى بين الأسد والرئيس الصيني شي جين بينغ في وقت مبكر من يوم الجمعة، وإعلان الأخير عن “شراكة استراتيجية” بين البلدين، والاتفاقيات التي يمكن أن تتمخّض عن مثل هذا الاجتماع، حيث جرى التوقيع، كما أُعلن، عن اتفاقية في التعاون الاقتصادي، ومذكّرة تفاهم تخصّ التعاون والتبادل في مجال التنمية، وأخرى تخص مشروع الحزام والطريق.
يركّز النظام بشكل كبير على اقتصاده الذي يعاني، وقد أعرض كلياً عن أي حديثٍ عن الإصلاح السياسي، وهو مصمّم على أن يبقى في الثوب الذي ظهر عليه منذ عقود، ويراهن على أن الاستمرار ممكنٌ في وضع دولي غير مستقر، وهو مقتنع تماماً بأن خروجه من مأزقه سيكون عبر بوابة الاقتصاد بشكل حصري، ومستعدٌّ في سبيل ذلك للسير في أي طريق، كانغماسه، بشكل مباشر أو عبر مليشياته، بتجارة المخدّرات التي أغرق فيها المنطقة، والآن يجد في زيارة الصين فرصة جديدة، لذلك يلبّي النظام الدعوة بفرح، ويتأبط بشّار ذراع زوجته ليهبط في مطار صيني صغير، والحلم يراوده بقرب النجاة.
ربما لا تخشى الصين من الولايات المتحدة، كبعض الدول العربية التي بدأت علاقات مع النظام، ثم أحجمت عن المتابعة خشية العواقب الأميركية. وتمتلك الصين بالفعل أحلاماً زاهية بمشروعها الكبير لتطويق الكرة الأرضية، وينفع كسب سورية بموقعها في ذلك المشروع. ولكن الصين، في الوقت نفسه، مربوطة بشدة باقتصاد عالمي، ولا تستطيع أن تلعب منفردة، وهي بحاجة إلى التعامل مع أميركا ودول أوروبا الغربية، وهؤلاء ما زالوا يجدون في النظام السوري تهديداً كبيراً. ورغم وقوف الصين الدبلوماسي بقوة إلى جانب سورية في الماضي، فإن الحديث عن دعم اقتصادي موضوع آخر. والسوق السوري بحاجة إلى مبالغ فلكية لتعود العجلة الاقتصادية إلى الدوران، قد تكون الصين عاجزة عن تأمين ذلك كله، وقد عجزت قبلها إيران وروسيا مجتمعتين. ولا تعني الاتفاقيات الثلاثة أكثر من مجرّد عناوين عامة، لن تؤدّي إلى البدء بعملية اقتصادية جادّة، خصوصاً أن سورية تعتبر بالنسبة للصين مكاناً خطراً يمكن أن يخرّب مشاريعها ويعرّضها للخسارة، وهي لا تملك أي مفاتيح عسكرية على الأرض السورية، وليس لديها رغبة في ذلك. لذا، الزيارة، وإن ضخّمها مناصرو النظام، تبقى مجرّد دعوة ليتفرج بشّار الأسد وزوجته على فعاليات آسيا الرياضية.
“العرب الجديد”