بعد عشرةِ أشهر على انطلاق المظاهرات في عموم محافظة السويداء، ينتظر كثيرون ردّة فعل النظام السوري على الانتفاضة الشعبية التي تحظى بدعمٍ من الوجاهات الاجتماعية والدينية في المحافظة. حاول النظامُ تَجاهُلَ المحتجين في البداية، ثم بدأ بحملةٍ لتخوين الحراك من خلال حسابات على وسائل التواصل ومواقع صحفية معروفة بالقُرب منه. وليس من المعهود عن النظام الامتناع عن استخدام العنف المباشر في قمع المعارضين له، وهو ما يضع مستقبل الحراك في المحافظة أمام عدد كبير من الاحتمالات.
لم يمنع تَردُّد النظام السوري حتى اللحظة في استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين من وقوع مواجهات بين وقتٍ وآخر، وهو ما حدث عند محاولة المحتجين الدخول إلى فرع حزب البعث في مدينة السويداء، وجرى أيضاً عندما تجمّعَ المحتجون خارجَ مركزٍ للمصالحات افتتحه النظام للضغط على الحراك. خلال الاحتجاج الذي نظمه الأهالي أمام المركز، وقعت الضحية الأولى للحراك عندما أدّت رصاصة أصابت صدر جواد الباروكي إلى مقتله متأثّراً بجراحه، ليكون أول قتلى عنف النظام ضد أهالي السويداء على خلفية الانتفاضة المستمرة حتى اليوم.
في شهر آذار (مارس) الفائت، قامت قوّةٌ أمنية تابعة للنظام باعتقال طالبٍ من السويداء يدرس في جامعة تشرين باللاذقية، وهو ما أثار ردود فعلٍ سبق أن حصل ما يشبهها، إذ اعتقلت فصائل السويداء المحلية ضابطاً وعناصر من أجهزة الأمن حتى يتم الإفراج عن الشاب، وهو ما حدث بالفعل لتنتهي الحادثة دون تصعيدٍ كان مُحتملاً نتيجة توتر الأوضاع.
خلال الأسابيع الماضية، تمّ رصد تعزيزات عسكرية تابعة للنظام تتجه نحو محافظة السويداء، ما أثار المخاوف من تحضير النظام لعملٍ عسكري للقضاء على الحراك، خاصةً بعد التهديدات التي أطلقتها الحسابات الموالية للنظام السوري في الوقت نفسه، لكنّ الأوضاع الميدانية ظلّت مُستقرةً حتى اللحظة، ولا توجد مؤشرات واضحة على نية النظام استخدام تلك القوات ضد المحافظة. وكانت حادثة مقتل الباروكي قد تسبّبت بعدد من ردود الأفعال التي هددت بتفجّر الوضع، لكنّ المرجعية الدينية الأقرب من الحراك، المتمثلة بالشيخ حكمت الهجري، دعت إلى التمسّك بالخيار السلمي وعدم الانجرار إلى فخ النظام والدخول في صدام مسلح معه.
للنظر في موقف الفصائل المحلية من التوترات التي بدأت تتصاعد مؤخراً في المحافظة، أجرت الجمهورية لقاءً مع مرهج الجرماني المعروف باسم أبو غيث، وهو قائد فصيل «لواء الجبل» أحد الفصائل العسكرية المحلية في محافظة السويداء:
ما مدى قوة النظام وأجهزته الأمنية في محافظة السويداء؟
في الحقيقة، الأجهزة الأمنية والقوات العسكرية في المحافظة قوية ضمن مواقعها، المُحصَّنة بشكل جيد جداً إن صح التعبير، فهم يحصلون على تسليحٍ عالٍ، إلا أنّ هذه المعادلة تنقلب خارج مواقعهم، إذ يصبحون مكشوفين بالنسبة لنا وأكثر ضعفاً. بالمقابل فإنّ عدداً من العصابات المحلية تتبع لهم بشكلٍ مباشر، ما يمنحهم وصولاً أكبر بسبب تلك العصابات.
ما مدى قوة الفصائل وقُدرتها على المواجهة؟
الفصائل قادرة على صد هجمات الأجهزة الأمنية والعسكرية إن اقتضى الأمر، لكن يجب التذكير بأنّه لا يوجد تكافؤ في العدة والعتاد. نحن متأكدون من أن النظام يملك أسلحة وذخيرة أكثر بكثير مما نملكه، لكن المعارك لا تُحسم فقط بالأعداد والتجهيزات، إذ تلعب معنويات المقاتلين ومواقعهم من المعركة والأرض التي تجري عليها دوراً هامّاً.
نحن نعتبر أنفسنا أصحاب هذه الأرض وأبناءَها، ونعتبر أن مطالبنا مطالب مُحقّة، أما عناصر النظام القادمون إلى المدينة فليس لديهم ما يقاتلون من أجله، بل هم مُجبرون على القتال دفاعاً عن عصابة لا ناقة لهم فيها أو جمل.
هل هناك محاولةٌ جديّة لتشكيل جسمٍ عسكري يجمع الفصائل ضمن مجلس عسكري مُوحَّد؟
يوجد عددٌ كبيرٌ من الفصائل في السويداء، يمكننا تقسيمها مجازاً إلى فصائل قديمة وفصائل جديدة. التشكيلات العسكرية القديمة مثل رجال الكرامة، وما يتبع لها من فصائل أخرى، تملك مجلساً عسكرياً وتنسيقاً عالي المستوى فيما بينها. وفي المقابل، فإنّ الفصائل والمجموعات المُشكَّلة لاحقآً بدأت أيضاً في تشكيل مجلسٍ عسكري. ليس هناك إدارةٌ واحدة للجميع في الوقت الحالي، لكننا متأكدون من قدرتنا على التنسيق بشكلٍ جيد إذا وقعت معارك لا سمح الله. لقد جرَّبنا ذلك سابقاً خلال المعارك ضد تنظيم داعش أو العصابات الإجرامية.
تعتمد الفصائل في الجبل على نظام «الفزعة» للتنادي خلال المَلمَّات، فهل سينجح هذا الأسلوب في تحقيق انتصارٍ عسكري؟
تنبع أهمية أسلوب الفزعة من استبسال المقاتلين في الدفاع عن أهلهم وأرضهم، قد تكون عشوائيةً بعض الشيء أو غير مُنظَّمة، لكنّها تُعطي نتائجَ كبيرة على أرض المعركة، والتجاربُ السابقة أثبتت ذلك مراراً وتكراراً، إذ يعود السبب الحقيقي في أهميتها إلى قدرتها على مفاجأة قوات الخصم وتحقيق عنصر الصدمة لديها.
هل تعتقدون بأن النظام قد يُقدمُ على عمل عسكري في السويداء؟ أم أن تعزيزاته العسكرية التي وصلت مؤخراً شكليةٌ تهدف إلى تخويف المنطقة كي تُوقف نشاطها الثوري؟
عند استقدامه للتعزيزات شعرنا أنّ النظام جديٌّ في تهديداته المُبطّنة، خاصة أنه بثَّ عبر صفحات تابعة له أنه سيُرسل الفرقة 25 إلى السويداء بقصد إخضاعها، وهي الفرقة سيئة السمعة التي يقودها العميد سهيل الحسن، لكنه عاد بعدها وانسحب من هذا الكلام. يبدو لنا الآن أن ما أرسله من تعزيزات كان بقصد الترهيب.
على صعيد الحراك الثوري، وصلتنا معلومات تفيدُ بأنّ أجهزة الأمن قد وضعت قوائم بأسماء ناشطين مدنيين وإعلاميين مُشاركين في الحراك لاعتقالهم. لكن خطتهم المكشوفة لنا وورقتهم التي يستخدمونها دائماً هي العصابات الإجرامية، وذلك من خلال محاولة إشعال الفتنة داخل المحافظة، ما يتيح لهم الفرصة والحجة للتدخل ولعب دور المُنقِذ. هم يريدون لعب هذا الدور لإخضاع المحافظة وكسر إرادتها لكنه «حلم إبليس بالجنة».
أعتقدُ أنّ حسابات النظام لم تكن دقيقة، فهو ظنّ أنّه باستقدام القوات العسكرية سيُخضِعُ إرادة المدينة والناس، لكنّ النتائج قد جاءت على العكس، وأثبتت الأيام الماضية ذلك، حيث ازدادت أعداد المتظاهرين بشكلٍ ملحوظ وعادت كما الأيام الأولى، حتى أنّ هناك جِهات ونشطاء كانوا قد انسحبوا من الحراك نتيجة خلافات في وجهات النظر وعادوا إلى الساحة وتوحدوا من جديد. يبقى رهان النظام على المدى البعيد هو استغلال أي فرصة تسنح له للتدخُّل والتخريب.
على المستوى الشخصي، أعتقدُ أنّ اختيار النظام للحل العسكري سيكون خياراً صعباً علينا دون شكّ، لكنّه سيكون خياراً مُدمِّراً بالنسبة له. نحن مستمرون في الاحتجاج السلمي، ومُصرّون على نهج الأجداد: «نُحرِّمُ التعدي منا ونُحرِّمُ التعدي علينا». الطلقة الأولى لم ولن تكون منّا، لكن الطلقة الأخيرة ستكون منّا بكل تأكيد.
- الجمهورية نت