مفترض في الديمقراطيات أن تتخذ القرارات في الأنظمة التي تدعي الحكم الديمقراطي- بناء على تمعن ودراسة وعقلانية لكن ما نشهده مؤخراً من بايدن ـ أمريكا ـ وماكرون ـ فرنسا ـ وسوناك ـ بريطانيا ومجرم الحرب نتنياهو، هو عكس ذلك تماما نظراً للنتائج التي ترتبت وستترتب على تلك القرارات. والواضح أن تلك القرارات من سياسيين يقدمون أنظمتهم أنها تعبر وتمثل مصالح بلادهم وشعوبهم، بل الحقيقة أنها تعبر عن مصالحهم وبقائهم شخصيا أو أحزابهم في السلطة والحكم. لذلك كثرت سقطاتهم وتخبطهم وارتجالهم وحساباتهم الخاطئة والكارثية لخدمة مصالحهم والبقاء في السلطة والحكم، على حساب مصالح ناخبيهم وشعوبهم!!
يصارع الرئيس بايدن لإقناع الناخبين الأمريكيين والمتبرعين الأثرياء لحملته الانتخابية ودعمه للبقاء في سباق الرئاسة وهو الذي جلبها على نفسه بسبب قراره ومستشاريه بتقديم موعد المناظرة ضد ترامب عن موعدها المعتاد في موسم الانتخابات إلى خريف عام الانتخابات ـ وبعد ترشيحه الرسمي في المؤتمر الحزبي في أغسطس القادم. واليوم يفكر بايدن أكثر من استعادة ثقة الناخبين والمتبرعين والداعمين يفكر بهزيمة ترامب للمرة الثانية في نوفمبر القادم. ولتحقيق ذلك على بايدن إثبات أنه مؤهل ويملك القدرات الذهنية لممارسة دوره في السنوات الأربع القادمة رئيسا للدولة القائدة في النظام العالمي ومواجهة التحديات والتهديدات لزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. وخاصة من الصين وروسيا وقوى وتكتلات إقليمية من مجموعة البريكست الموسعة ومن كوريا الشمالية وإيران. حيث يرى بايدن أنه «يدير العالم، كما ذكر في مقابلة شبكة ABC!
دفع ريشي سوناك رئيس وزراء المملكة المتحدة ثمن أكبر خطأ كارثي في حياته السياسية، نتيجة تقديمه موعد الانتخابات البرلمانية ـ ليمنى حزبه(المحافظون)بأكبر هزيمة في تاريخه.
عاقب الناخبون البريطانيون حزب المحافظين بقسوة ـ فخسر الحزب نصف نسبة الأصوات ومعها 250 مقعدا بما فيها مقاعد قياديين و9 وزراء سابقين بمن فيهم وزراء الدفاع والتعليم والعدل، واحتفظ بـ121 مقعداً ما أنهى حكم 14 عاماً!!
وفاز حزب العمال المعارض بـ412 مقعداً بزيادة 200 مقعد ـ أكثر من الأغلبية المطلقة المطلوبة (326 مقعداً) لتشكيل الحكومة. وشكل زعيم حزب العمال كير ستارمر حكومته الأولى -ليستعيد ثقة الناخب البريطاني وأكد شعاره «التغيير يبدأ الآن» لكن أمامه تحديات كبيرة لينهض بالاقتصاد البريطاني الذي ساهم بشكل كبير بهزيمة المحافظين.
مفترض في الديمقراطيات أن تتخذ القرارات في الأنظمة التي تدعي الحكم الديمقراطي ـ بناء على تمعن ودراسة وعقلانية لكن ما نشهده مؤخراً من بايدن ـ أمريكا ـ وماكرون ـ فرنسا ـ وسوناك ـ بريطانيا ومجرم الحرب نتنياهو، هو عكس ذلك
ولم تقل نتيجة مقامرة الرئيس الفرنسي ماكرون الخاسرة بتقديم موعد الانتخابات البرلمانية في فرنسا سوءاً عن قراري بايدن بتقديم موعد المناظرة، وسوناك بتقديم موعد الانتخابات البرلمانية البريطانية. قرر ماكرون بعد فوز اليمين الفرنسي ب40٪ من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي بتقديم موعد الانتخابات البرلمانية لتحفيز الناخبين للتوحد ضد خطاب اليمين المتطرف وهزيمته. فجاءت النتيجة كارثية بتحقيق اليمين المرتبة الأولى. وليُصدم ماكرون وحزبه بتراجعه للمركز الثالث حاصدا21٪ من الأصوات. ويتوقع خسارة بين 150 و200 مقعد في الجولتين الأولى والثانية أمام سيطرة وتقدم الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبين ـ حزب أسسه والدها عام 1972 ـ بخطاب عنصري عدائي للأقليات والمهاجرين والمسلمين، حتى اليهود يصفون خطابه بالمعادي للسامية لتشكيكه بمحرقة اليهود في أفران هتلر والنازية! وأعلنت زعيمه الحزب أنها ستمنع ارتداء النساء الحجاب في فرنسا في حالة فوز حزبها بالانتخابات وتشكيل الحكومة! وهكذا تهدد مقامرة ماكرون بتقديم موعد الانتخابات النسيج الاجتماعي والديمقراطية الفرنسية!!
وتستمر حسابات مجرم الحرب نتنياهو بحرب إبادته الوحشية ضد المدنيين العزل في غزة، في شهرها العاشر بإصرار نتنياهو ووزراء أقصى اليمين المتطرف الإمعان بخوضها وارتكاب مجازر يومية، برغم مطالبات الرئيس بايدن والمؤسسة العسكرية والمعارضة وأهالي الرهائن الإسرائيليين وقرار مجلس الأمن بوقف الحرب، والتفاوض للتوصل لصفقة تبادل الأسرى والمرتهنين مع حماس بوساطة قطر التي تشرف وتستضيف مفاوضات مضنية منذ أشهر لوقف الحرب.
كما يصعّد نتنياهو في الضفة الغربية باقتحامات ومجازر، ويصعّد باغتيالات قيادات حزب الله في لبنان، وفتح جبهة الشمال ما يهدد بتوسيع رقعة الحرب مع حزب الله. يحرك عبث نتنياهو ـ مخططه الفاشي للبقاء في السلطة، آملاً تأجيل لحظة الحقيقة بعزله ومحاكمته بعد نهاية الحرب من لجان تحقيق على فشله الأمني والاستخباراتي والعسكري وتهديد أمن مواطنيه وإدانته وسجنه ونهاية حياته السياسية في زنزانة ـ لحساباته ومقامرته الخاطئة وتقديم مصالحه الشخصية والتضحية بالرهائن والمحتجزين للبقاء أطول مدة في السلطة. وحتى التهديد بتوسيع الحرب شمالا مع حزب الله.
وبدلاً من إعادة حساباته والعمل لإنهاء الحرب ـ بعد فشل جيش الاحتلال تحقيق أهداف الحرب التي يكرر نتنياهو أنه لن يوقفها قبل تحقيق أهدافها المستحيلة في الشهر العاشر: بهزيمة حماس وتحرير الرهائن وحتى احتلال غزة حتى لا تهدد إسرائيل!، كما يرفض نتنياهو توضيح رؤيته لليوم التالي بعد نهاية الحرب والجهة التي ستدير قطاع غزة؟!
وهكذا يستمر نتنياهو بالمماطلة والتسويف وشراء الوقت حتى لا ينفذ الوزراء المتطرفون ـ وزير الأمن الوطني بن غفير ووزير المالية سموترتش ـ تهديدهما بالانسحاب من الائتلاف وإسقاط حكومة نتنياهو الهشة ما يضرب خطته. لذلك يستمر نتنياهو بحرب إبادته الوحشية ـ رافضاً وقفها وعقد صفقة مع حماس.
المفارقة: يقدم بايدن ـ وسوناك وماكرون ونتنياهو أنفسهم بأنهم يمثلون أنظمة ديمقراطية ويخدمون ناخبيهم وشعوبهم ويخضعون للمساءلة وتبدل السلطة. لكن الواقع لا فارق كبيرا بين قراراتهم وتخبطهم، وحكم وقرارات قادة مستبدين يخدمون مصالحهم وبقاءهم في الحكم مضحين بمصالح واستقرار شعوبهم!
استاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت
- القدس العربي


























