تركت قوات النظام المنسحبة من قطعها العسكرية في مدينة حلب وريفها، بفعل ضربات الفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام، غنائم كبيرة من الأسلحة والآليات، كان من ضمنها منظومات دفاع جوي روسية، بعضها متطورة، وأخرى قديمة نسبياً، ما يعني بشكل أو بآخر استحواذ الفصائل على سلاح نوعي قادر على استهداف طائرات النظام، وبالتالي تغيير موازين القوى، حماية المناطق المسيطر عليها حديثاً، من الاستهداف الجوي.
إلا أن التساؤلات الأهم ستتمحور خلال الفترة القادمة بشكل رئيسي، عن قدرة تشغيلها واستخدامها، ومدى قبول المجتمع الدولي بامتلاك الفصائل وتحرير الشام، مثل تلك المنظومات واستعمالها، والدور التركي المحتمل في عرقلة تشغيلها، بالاتفاق مع الفاعلين الدوليين، الذين رسموا حدود قوة الأطراف المتصارعة على الأرض السورية، منذ إطلاق الرصاصة الأولى للحرب الدائرة في البلاد.
الاستيلاء على المنظومات
وتقول مصادر متابعة لـ”المدن”، إن فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، غنمت بعد السيطرة على مطار كويرس، في ريف حلب الشمالي الشرقي، منظومة دفاع جوي روسية الصنع من طراز “بانتسير- إس1″، متحركة، ونقلتها إلى مكان مجهول، يُرجح أنه في مناطق سيطرتها في “غصن الزيتون” (عفرين وريفها).
وأتى الاستيلاء على المنظومة في إطار معركة “فجر الحرية”، والتي أطلقتها بالتوازي مع معركة ردع “العدوان”، التي بدأتها الفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام ضد النظام، في 27 تشرين الثاني/نوفمبر.
وأضافت المصادر أن تحرير الشام استولت بدورها على منظومة دفاع جوي من طراز “أوسا- سام 8″، داخل مطار النيرب، وبسطت نفوذها على كتيبة الدفاع الجوي الحامية للمطار، وبداخلها منظومة “سام 3 – بيتشورا” ثابتة، في تل حاصل، في ريف حلب الشرقي.
كما تمكنت فصائل “ردع العدوان” من السيطرة على عدد كبير من الصواريخ المضادة للطائرات، محمولة على الكتف، من طراز “كوبرا” الروسي، داخل الكلية الجوية على أطراف مدينة حلب، وداخل قطع عسكرية أخرى.
تحديات التشغيل
وليس جديداً وقوع منظومات دفاع جوي روسية بأيدي الفصائل المعارضة، لكن الجديد هو منظومة “بانتسير- إس1” المتحركة المتطورة، والتي كان قد تسلمها النظام السوري من موسكو بعد العام 2008، بينما يعود تاريخ تصنيعها للعام 2003.
ففي أواخر العام 2012، غنِم فصيل “جيش الإسلام”، منظومة “أوسّا” المتحركة، بعد سيطرته على مطار مرج السلطان في الغوطة للعاصمة دمشق. وتمكّن بعد أشهر قليلة من إدخال هذه المنظومة للعمل، بالاستعانة بضباط منشقين عن قوات النظام. وحقّقت تلك المنظومة ردعاً جوياً عن سماء الغوطة الشرقية، ضد الطائرات المروحية فقط، في حين فشلت في إصابة الطائرات الحربية، لأسباب تتعلق بطراز المنظومة القديم، مقارنة بالتطور النسبي لطائرات النظام مثل “ميغ-29”.
وبسبب تلك المنظومة، غابت براميل الأسد المتفجرة عن استهداف الغوطة الشرقية، بعد اسقاط مروحيات حاولت إلقاءها. وطاولت صواريخ المنظومة حتى مروحية كانت تلقي براميل متفجرة على مدينة داريا، غرب دمشق، بعد اقترابها إلى المدى المجدي، قرب أجواء مدينة المليحة، شرق دمشق.
وعلى الرغم من تشغيلها، إلا أن “جيش الإسلام” واجه تحديات بتعويض ذخيرة المنظومة، عدا عن ملاحقتها بشكل دائم لتحديد موقعها واستهدافها، من قبل الطائرات الروسية، وهو ما حدث بالفعل في معارك الغوطة في 2018، فهل يتكرر المشهد مع “بانتسير”؟
يؤكد العقيد المنشق عن قوات النظام مالك الكردي لـ”المدن”، أن هناك مروحة واسعة من الضباط المنشقين في تركيا، مختصون في منظومات الدفاع الجوي، ومستعدون لتقديم الدعم الفني في تشغيلها وتدريب كوادر للتشغيل، في حال طلبت الفصائل منهم ذلك، إلا أن ذلك يتطلب قبل ذلك، فحصاً لتلك المنظومات، وما إذ كانت جاهزة للتشغيل الفوري.
ويشدد الكردي على أن الضباط المنشقين قادرون على تشغيل المنظومات الثلاث، حتى منظومة “بيتسورا” القديمة. ويشرح أن التحديات ليست في التشغيل، إنما في جاهزيتها التامة والذخيرة اللازمة لها، وكيفية تأمينها، لتستمر في تغيير موازين القوى لصالح الفصائل المعارضة، أمام امتلاك النظام وروسيا للتفوق الجوي، وللحؤول دون استهدافها.
ويلفت إلى أن تشغيل المنظومات يحتاج إلى وقت، ريثما يتم تجهيز الأطقم وتدريبها، مع التسليم أن باقي التحديات السابقة، تم تجاوزها.
المجتمع الدولي
وليس سراً أن الدول التي كانت تدعم الفصائل المعارضة في سنوات الحرب الأولى، من خلال غرفة “الموك” في الأردن، و”الموم” في تركيا، كانت تمنع عنها مضادات الطائرات، “خوفاً من وقوعها بأيدي جماعات إرهابية”. وذلك منح طائرات النظام راحة في السماء، لاستهداف الفصائل، وتأخير وصولهم لمناطق تشكل تهديداً جدياً بإسقاطه، حتى تدخلت روسيا وقلبت خرائط السيطرة بعد العام 2015.
كما أن النظام السوري، وبعد سيطرة “جيش الإسلام” على منظومة “أوسا” وتشغيلها، كان يبادر ويسبق الفصائل بخطوة، إذ كان يسحب تلك المنظومات من القطع العسكرية، في حال استشعر أنها باتت ساقطة، كي لا تتكرر هفوة الغوطة الشرقية. وذلك تكرر في أكثر من موقع، لا سيما في ريف درعا.
وكشفت مصادر عسكرية من المعارضة لـ”المدن”، عن وجود خشية من عرقلة تركيا استخدام تلك المنظومات، بالاتفاق مع الدول الفاعلة في الملف السوري، كما تخشى أن يصل الأمر حد مصادرتها، خصوصاً منظومة “بانتسير”، المعول عليها في تغيير موازين القوى، لأنها الأحدث بينها، ووقعت في قبضة الجيش الوطني المدعوم من قبلها.
وأشارت إلى أن تركيا أحصت سابقاً جميع الأسلحة لدى فصائل الجيش الوطني، وخصوصاً الثقيلة منها، وحفرت عليها أرقاماً جديدة، ولم تمنح الفصائل أي ذخيرة للدبابات او راجمات صواريخ “غراد”، وحولتها لكومة حديد، طوال السنوات الأربع الماضية، للتحكم بقرار الفصائل العسكري. وتخشى المصادر تكرار هذا السيناريو مع المنظومات.
– المدن


























