دمشق ـ «القدس العربي»: شهدت ساحة الكرامة في مدينة السويداء، الخميس، تظاهرة منددة بـ «سياسات السلطة الجديدة» بعد دعوات انتشرت على مواقع التواصل، في وقت أعلنت كبرى فصائل السويداء عن الاتفاق مع وزارة الداخلية على دخول قوات الأمن العام من أبناء المحافظة للانتشار في المحافظة منعا للتصعيد. وحمل المتظاهرون وسط المدينة بيارق ورايات الطائفة الدرزية، ولافتات تعبّر عن رفضهم لسياسات السلطة الجديدة، كتب على واحدة منها: «الحكومة المؤقتة لا تسعى إلا للتمسك بالمناصب ولا نراها تبني دولة».
كما هتف المتظاهرون تأييدا لمواقف شيخ الطائفة الدرزية، حكمت الهجري، ورفعوا صوره إلى جانب صور الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة في إسرائيل، مرددين شعار «سوريا حرة والجولاني يطلع برا».
وقال المتحدث باسم شبكة أخبار السويداء 24» ريان معروف لـ «القدس العربي» إن المتظاهرين رفعوا «رايات التوحيد، وحملوا لافتات عبّرت عن رفضهم للنهج الحالي، من بينها لافتة كتب عليها أن الحكومة المؤقتة لا تسعى إلا للتمسك بالمناصب ولا نراها تبني دولة». بينما قالت شبكات محلية إن المتظاهرين أنزلوا العلم السوري من فوق مبنى المحافظة، كما أن السبب المباشر وراء المظاهرة هو «الإقصاء الواضح لأهالي المحافظة من الدروز».
توتر غير مسبوق
أحد قادة الفصائل الدرزية قال في اتصال مع «القدس العربي» إن محافظة السويداء تشهد حالة غير مسبوقة من التوتر. وأوضح أن «وراء هذه المظاهرات بقايا وفلول نظام الأسد».
في موازاة ذلك، أصدرت «حركة رجال الكرامة» التي يقودها الشيخ يحيى الحجار، الخميس، بيانا أعلنت فيه «الاتفاق والتنسيق بين حركة رجال الكرامة ومضافة الكرامة وتجمع أحرار جبل العرب من جهة، ووزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة من جهة أخرى، على تفعيل الأمن العام في المحافظة بكوادر وقيادات محلية من أبناء السويداء، وذلك لضبط الوضع الأمني ومحاربة الجريمة والمخدرات، بدعم وإمداد لوجستي من وزارة الداخلية».
تنسيق مع دمشق
وأضافت الحركة أن هذه الخطوة جاءت «استجابة لمطالب الفعاليات الدينية والاجتماعية التي طالبت أن تكون الكوادر من أبناء المحافظة، وهو ما تم التوافق عليه مع وزارة الداخلية كخطوة عملية نحو إعادة تفعيل مؤسسات الدولة وإنفاذ القانون بما يتناسب مع الظروف الراهنة، وإيماناً بأن القانون هو أساس العدالة وأحد أعمدة الاستقرار، وانطلاقاً من مسؤوليتنا الوطنية في تحقيق الأمن والأمان، عملنا بكل جدّ لدعم الضابطة العدلية في محافظة السويداء، ممثلة بالشرطة المدنية والأمن الجنائي، تعزيزاً لفرض النظام وحماية المجتمع».
وأضح البيان «أرسلت وزارة الداخلية اليوم ثماني سيارات شرطة لتسليمها إلى الكوادر المحلية المكلفة بتنفيذ مهام حفظ الأمن، مع تعهدها بتقديم المزيد من الدعم اللوجستي خلال الفترة المقبلة. إلا أننا فوجئنا بانتشار تسجيلات صوتية منسوبة إلى بعض الأطراف، تحمل تهديدات مباشرة بإحراق سيارات الشرطة ومهاجمتها، إلى جانب ترويج شائعات ومزاعم لا أساس لها من الصحة».
رفعت صور شيخي الطائفة الدرزية في سويا وإسرائيل
واعتبر أن هذه التهديدات «غير المسؤولة لا تعبّر إلا عن رفض واضح لعودة القانون، وتؤكد وجود أطراف مستفيدة من الفوضى والانفلات الأمني، تسعى إلى عرقلة أي مبادرة تهدف إلى تعزيز سلطة الدولة وإنفاذ القانون».
وحمّلت حركة «رجال الكرامة» المسؤولية الكاملة «لكل من يحاول التحريض على الفتنة أو تهديد الجهود المبذولة لاستعادة الاستقرار، ونؤكد أن إرادة أبناء السويداء ستظل أقوى من أي محاولات لجرّ المحافظة نحو الفوضى».
وختمت بيانها بالقول: نجدد التزامنا الكامل بمساندة الجهود الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار في السويداء، وندعو كافة القوى المجتمعية والمرجعيات المحلية إلى التكاتف والعمل المشترك من أجل مستقبل أكثر أمناً وعدالةً لجميع أبناء المحافظة.
مظاهرة مشبوهة
«القدس العربي» رصدت ردود أفعال أبناء المحافظة حول التطورات الأخيرة، حيث أعلن الدكتور بسام بلان، على صفحته الشخصية موقفه، وأعاد نشر الموقف ذاته الإعلامي البارز فيصل القاسم، جاء فيه: «إعلان موقف، مظاهرة السويداء اليوم مشبوهة بكل المقاييس..ثمة أناس يستخدمون مساحة الحرية المتوفرة لتمرير شعارات وهتافات لا تمت الى المشروع الوطني بشيء». وأضاف: استخدام ساحة الكرامة لمثل هذه التظاهرات والشعارات إفراغ لروح ساحة الكرامة من مضمونها الوطني. ورفع أية راية غير العلم السوري في أي تظاهرة أو تجمع هو استحضار للنعرات الطائفية التي ستأخذ الوطن للجحيم. وكل مَنْ دعا لمظاهرة اليوم بهذا الشكل وبهذه الشعارات وكل من لبى هذه الدعوة ونزل الى الشارع مشبوه ويحمل مشروعاً غير سوري.
من حق أي سوري التظاهر والمطالبة بمطالب وطنية ومعيشية وسياسية، ولكن ليس من حق أحد استخدام هذا الحق لمآرب وأهداف مشبوهة تجر البلاد والعباد إلى الهاوية وإلى المزيد من التأزم.
تصدير الزعامة الدينية
وكتبت أليس مفرج، من السويداء وهي عضوة سابقة في هيئة التفاوض السورية «اليوم ساحة الكرامة بخطابها الطائفي، وراية الطائفة ودعم العمامات الطائفية، وتقديس المشايخ وتنصيبهم كزعامات سياسية، لوثت الساحة لأن هذا الموقف لا ينتج المشروع الوطني، وهو فعل تحدّ للوطنيين في السويداء قبل أن يكون تحديا للسلطة في دمشق وافتعال مواجهة مباشرة للرافضين لهذا المشروع الطائفي».
وأضافت :فيك تكون معارض وناقد وتساهم بالتشاركية التي يدعي إليها الجميع لبناء الدولة ومنع الاحتكار، ولكن بنفس الوقت بتصدر زعيم ديني، وتصادر أي فعل تشاركي مع أبناء وبنات محافظتك وتدعم الاحتكار الذي تدعي مقاومته.
ودعت السياسية السورية الشيخ الهجري إلى تحييد رجال الدين عن العمل السياسي، وقالت: ببداية الحراك قالها الشيخ الهجري: أنا رجل دين ولا علاقة لي بالسياسة، وأنا «علماني» والعلمانية تفترض تحييد رجال الدين عن السياسة، لهذا ندعيه بكل احترام يرجع لمكانه الطبيعي ومكانته محفوظة، وتفهمنا دعمكم للشيخ الهجري، لكن من غير المقبول ادعاء الوطنية ورفع صور الشيخ موفق طريف!
كما دعت السلطات السورية في دمشق إلى استلام «المسؤولية لتفي بوعودها بعملية النهج التشاركي وبناء الثقة مع جميع السوريين والسوريات».
بروفة بسيطة
ولتفسير الأسباب وراء التوتر في السويداء قال الباحث السياسي منير الفقير لـ «القدس العربي»: ما جرى هو نتيجة طبيعية لتجاوز القوى السياسية والثورية الوطنية في السويداء وغير السويداء والهرولة المستمرة لإرضاء القيادات المجتمعية والدينية ومؤثري الإعلام الجديد، واعتبار ذلك الترجمة الحقيقية للنهج التشاركي وعدم الاقصاء.
وأضاف: ما جرى اليوم في السويداء هو بروفة بسيطة لما سيحدث في حال إلغاء عمل الأحزاب ومنع تشكيل أحزاب جديدة في الفترة الانتقالية، والاتكاء على المرجعيات الدينية المحلية، كمن يسحب الحديد من بناء ويطمئن بأن السقف لن يخر عليه وعلى أسرته وبقية السكان، مشيرا إلى وجود «قوى وفعاليات وطنية سياسية وثورية في السويداء رفضت وترفض ما يجري الذي توج بأحداث هذا اليوم».
- القدس العربي